07-سبتمبر-2024
استراتيجية نتنياهو لا صفقة

(Getty)

قالت القناة 13 الإسرائيلية، إن الاجتماع الأمني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم أمس، خلص إلى أن فرص التوصل إلى اتفاق ضئيلة. من جانبها نقلت هيئة البث الإسرائيلية، عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أن فرص التوصل إلى صفقة ضئيلة جدًا.

من جانبها، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن الوسطاء، قاموا بصياغة اتفاق، موضحةً: "الفجوة تبلغ حاليًا 13 يومًا، 13 يوماً كاملاً من السيطرة الإسرائيلية على ما تم تعريفه كحاجة وجودية"، أي على محور صلاح الدين/فيلادلفيا، وموعد الانسحاب منه. مشيرةً إلى أن المقترح الحالي، يقترح الانسحاب الإسرائيلي من المحور في اليوم الـ22. وأضافت: "الولايات المتحدة، التي لم تكن شريكة في صياغة التسوية، لكنها أدخلت تغييرات وتصحيحات فيها، وطالبت بتغيير الثاني والعشرين إلى الخامس والثلاثين، أي، فجوة 13 يومًا".

نتنياهو لم يتناول قضية محور صلاح الدين/ فيلادلفيا ولم يذكرها على الإطلاق حتى بدا من الممكن تحقيق اختراق في الصفقة

بدوره، قال مسؤول إسرائيلي: "كيف يمكن أن يتحدثوا عن مثل هذا الهراء؟ ما معنى 13 يومًا هنا أو هناك؟ ولكن هذا أيضًا هو في الواقع ستار من الدخان. نتنياهو عرقل المفاوضات في عدة نقاط، وخرجت القضية وفجأة حصلت فيلادلفيا على حجم كبير، والجميع، كل فرق التفاوض، والقادة، والأحزاب، والأمم، والعالم أجمع، ينظرون الآن إلى هذا. شريط صحراوي رملي".

وأشارت "يديعوت أحرونوت" إلى أن شخصية أمنية إسرائيلية سابقة، أجرت محادثة مع عدد من أعضاء فرق مفاوضات الوسطاء وأوضح لهم كيف أن مسألة فيلادلفيا جاءت من العدم، وظهرت فجأة، وبصورة شديدة الوضوح. وفي وقت قصير، أصبح انسحابه لمدة 42 يومًا تهديدًا وجوديًا مباشرًا لإسرائيل.

ووفق التقرير، فإن نتنياهو لم يتناول قضية محور فيلادلفيا ولم يذكرها على الإطلاق حتى بدا من الممكن تحقيق اختراق في الصفقة.
في صباح يوم 3 تموز/يوليو، قدروا في إسرائيل أن حماس ستعطي إجابة إيجابية نسبيًا. وفي المساء، صرح سموتريتش بالفعل أنه "لن أتفاجأ إذا استجاب السنوار فجأة، بعد أشهر من الرفض، بشكل إيجابي للعرض الذي تلقاه للصفقة". 

وتابعت الصحيفة: "ثم فجأة، في 11 تموز/يوليو، في خطاب نتنياهو في نهاية دورة للضباط، بعد تسعة أشهر من اندلاع الحرب، ورد الوجود الإسرائيلي في المحور كشرط لعدم استسلام إسرائيل". وبعد يوم واحد، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه "يصر على بقاء إسرائيل على محور فيلادلفيا".

وتوضح الصحيفة: "أرسل نتنياهو الفريق المفاوض إلى قطر ليعلن أن إسرائيل أدركت فجأة ما لم تدركه خلال الأشهر التسعة بأكملها من الحرب: أن وجودها الدائم والمستمر في فيلادلفيا هو مصلحة «وجودية»، كما تم التعبير عنه لاحقًا. ولن يغادر ولو لثانية واحدة، ومنذ ذلك الحين أصبح الموضوع إحدى النقاط المحورية في كلام نتنياهو، وفي الرسائل الموجهة إليه، وفي التعليمات الموجهة إلى الفريق المفاوض".

وأضافت: "مع الدول الوسيطة، يصبح التفاهم واضحًا أن في الواقع الأمر لا يتعلق بإيجاد حل وسط لهذا البند أو ذاك، بل يتعلق بعدم وجود قرار استراتيجي من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي للتوصل إلى اتفاق على الإطلاق"، على حد تعبير مسؤول كبير في إحدى الدول.

ويتابع المسؤول: "هذا الفهم، يضر بدافعية الوسطاء للقيام بمحاولة أخيرة للتوصل إلى حل وسط".

وتتابع "يديعوت أحرونوت": "في هذه اللحظة، هناك شك كبير فيما إذا كانت الولايات المتحدة ستتجه إلى خطة تسوية أصلًا، لأن الأميركيين يعتقدون أن فرص وصول ذلك إلى الحل ضئيلة ويفضلون، ربما أيضًا لاعتبارات سياسية داخلية، عدم تفجير المفاوضات وإحداث ضجة في العالم. وفي مثل هذه الحالة، قد تكون هناك دعوة للتغيير والخروج بمقترح جديد: إما كل شيء مقابل كل شيء، أو تبادلات صغيرة، على سبيل المثال تدخل الروسي، وإذا حدث ذلك ربما في النهاية ستكون هناك صفقة تؤدي إلى إطلاق سراح الجميع، إذا كان هناك أي رهائن على قيد الحياة حتى ذلك الحين".

ووفق التقييم الإسرائيلي، فإنه في "الولايات المتحدة، هناك مداولات جدية حول ما إذا كان سيتم تقديم اقتراح الوساطة للصفقة ومتى، على خلفية خلاف في واشنطن حول عدم نجاحهم. والأميركيون يخافون من الإذلال، وبسبب الحملة الانتخابية لا يريدون مواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي. وفي هذه الأثناء، هناك تشاؤم كبير في إسرائيل بشأن احتمالات التوصل إلى اتفاق".

المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تضغط

بدوره، وفي السياق الضغوط التي تمارسها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في سياق محاولة التوصل إلى صفقة تبادل، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هليفي: "لا يجب التخلي عن أي من أهداف الحرب. يواصل الجيش الإسرائيلي مواجهة الجناح العسكري لحماس ويبذل قصارى جهده لإعادة المختطفين أحياء. الآن سيكون أمامنا سنوات عديدة قادمة، وسيتم القضاء على كل إرهابي في النهاية".

يشار إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أكدت على إمكانية الانسحاب من محور فيلادلفيا، في سياق صفقة تبادل.

كما دعا الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ إلى التوصل إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن. وقال: "علينا أن نتحرك بقوة أكبر الآن، وبشكل عاجل للغاية، لإنقاذ إخواننا وأخواتنا الموجودين في وداي الموت. بروح مفهوم شمعون بيريز (الكلمة في مناسبة خاصة به)، يجب على دولة إسرائيل وصناع القرار زيادة وتعزيز الجهود قدر الإمكان والعمل بشكل خلاق، الأمر الذي سيؤدي إلى اتفاق فوري وعاجل لعودة جميع المختطفين. المختطفون لا زالوا هناك وحياتهم في خطر رهيب، وعودتهم هي أمر أخلاقي أسمى".

وفي وقت سابق، اعتبر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في إفادة صحافية الليلة الماضية، أنه يتعين على إسرائيل وحركة حماس حل القضايا المتبقية من أجل إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة. وقال بلينكن إنه "بناء على ما رأيته، جرى التوافق على نحو 90 بالمئة، لكن هناك قضايا قليلة بالغة الأهمية لا تزال عالقة"، بما في ذلك موضوع محور فيلادلفيا.

وذكر أن هناك أيضا بعض الخلافات حول كيفية تنفيذ اتفاق تبادل أسرى. وأضاف بلينكن أنه "أتوقع في الأيام المقبلة أن ننقل لإسرائيل، وأن تنقل قطر ومصر لحماس، أفكارنا نحن الثلاثة، بشأن كيفية حل المسائل العالقة المتبقية".

تكتيكات نتنياهو تتغير أحيانًا، ولكن استراتيجيته لا تتغير

بدوره، قال معلق الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل: "لم يستغرق الأمر أكثر من 24 ساعة لإخراج القطة من الكيس هذا الأسبوع. ففي مساء يوم الإثنين ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خطابًا للأمة ودفن - بشكل دائم، كما يبدو في الوقت الحالي - احتمالات التوصل إلى صفقة تبادل مع حماس. وأوضح أنه لا ينوي ترك طريق فيلادلفيا، على طول الحدود بين مصر وغزة - لا في اتفاق مؤقت ولا في اتفاق دائم. وزعم أن المخاطر كبيرة للغاية".

وتابع هارئيل: "في اليوم التالي، ذكرت صحيفة ’هآرتس’ أن مدير الموساد ديفيد برنياع صرح في اجتماع عقد في قطر بأن إسرائيل مستعدة بالفعل للانسحاب من ’الطريق المقدس’، ولكن هذا لن يحدث إلا في المرحلة الثانية من الصفقة. ولم ينف مكتب نتنياهو هذا التقرير".

واستمر هارئيل في القول: "إن التناقض الصارخ والمباشر يذكرني بقول أريئيل شارون، في إشارة إلى نتنياهو، إنه لا يعرف أي بيبي يصدق، يده اليمنى أم يده اليسرى. ومن غير المرجح أن يهتم نتنياهو بذلك. ذلك أن الرواية التي بناها للجمهور، والتي تستهدف في المقام الأول أنصاره المعلنين (والتي يروج لها بحماس من قِبَل أتباعه)، تؤكد أن كل شيء يدور حول طريق فيلادلفيا".

وحول محور صلاح الدين، قال هارئيل: "فجأة، وبعد ثلاثين عامًا من التعامل مع قضية غزة، أدرك أن "أكسجين" حماس يمر عبر الأنفاق تحت الحدود المصرية. وعلى هذا، فرغم أنه أيد معظم المراحل التي مرت بها عملية الموافقة على خطة فك الارتباط في عام 2005 في عهد أريئيل شارون، ورغم أنه تخلى عن فرصة الاستيلاء على الممر في جولات القتال منذ ذلك الحين، ومن تشرين الأول/أكتوبر إلى أيار/مايو في الحرب الحالية، فإن إسرائيل لا ينبغي لها الآن أن تنسحب منه تحت أي ظرف من الظروف".

وأضاف: "من الناحية العملية، لا يوجد أي تناقض تقريبًا بين الرسالة الموجهة إلى الجمهور الإسرائيلي والرسالة الموجهة إلى القطريين، لأن النتيجة النهائية ــ على النقيض من حجج نتنياهو ــ هي أنه لا يبدو أنه ينوي التوصل إلى اتفاق في هذا الوقت. ولا خيار أمامه سوى تكرار هذه الحقيقة مرارًا وتكرارًا: إن الاعتبار الرئيسي بالنسبة له هو بقاؤه السياسي".

وأوضح معلق "هآرتس": "لكن ما دام شركاؤه في أقصى اليمين يهددون بالانسحاب من الائتلاف الحاكم إذا أبرم صفقة تتضمن إطلاق سراح أعداد كبيرة من السجناء الفلسطينيين وانسحاب القوات الإسرائيلية من ممرات فيلادلفيا ونيتساريم، فلن تكون لديه حكومة. وكل ما تبقى ثانوي ـ بما في ذلك حياة الرهائن المتبقين. وسوف يستمر المزيد والمزيد منهم في الموت".

وتابع هارئيل: "إن التصريحين يكملان بعضهما البعض، وهما لا يستهدفان القطريين أو الأميركيين بقدر ما يستهدفان الشخص الذي يهم حقًا: زعيم حماس يحيى السنوار. إن تكتيكات نتنياهو تتغير أحيانًا، ولكن استراتيجيته لا تتغير. فهو يحرص مرارًا وتكرارًا على توضيح للسنوار أنه لن يكون هناك اتفاق".

واستمر هارئيل في تفصيل سلوك نتنياهو في المفاوضات، بالقول: "تتضمن الخطوة التكميلية التي اتخذها نتنياهو إبعاد وزير الأمن يوآف غالانت، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي الفريق هرتسي هليفي، ورئيس قسم الأسرى والمفقودين في الجيش الإسرائيلي نيتسان ألون، عن مراكز صنع القرار فيما يتصل باستمرار الحرب ومستقبل المفاوضات. ورغم أن المشاعر كانت مشتعلة هذا الأسبوع، وعاد الإسرائيليون إلى الشوارع بأعداد كبيرة في أعقاب الأنباء المروعة من رفح، فمن غير المرجح في الأمد البعيد أن يشعر نتنياهو بالتهديد بشكل خاص".

وأوضح هارئيل: "يبدو الائتلاف مستقرًا تمامًا، وهو تحالف بين المصالح الخاصة بين المتشككين الذين ينهبون الخزائن العامة؛ ولم تجد حركة الاحتجاج بعد طريقة لهز الساحة السياسية؛ ويتنقل وزراء الائتلاف والمشرعون بين الاحتفالات العائلية لأعضاء اللجنة المركزية لحزب الليكود، ولا تستطيع إدارة بايدن معرفة كيفية فرض صفقة على نتنياهو".

وتطرق المعلق العسكري إلى مؤتمر بيني غانتس وغادي آيزنكوت، قائلًا: "كان المؤتمر أقل وضوحًا وتعقيدًا وجاذبية مما تصوره نتنياهو، لكن كلمات الحقيقة كانت واضحة".

واستمر في القول: "لقد أكد رئيسا الأركان السابقان أن فيلادلفيا، سوف يتحول قريبًا جدًا إلى نسخة ملطخة بالدماء من المنطقة الأمنية السابقة في جنوب لبنان. ولسبب وجيه، لم يقتنع الاثنان بزعم نتنياهو بأن إسرائيل لا ينبغي لها أن تنسحب من الممر، حتى خلال الأيام الـ 42 من المرحلة الأولى من الصفقة، لأنه بعد ذلك سيكون من المستحيل العودة إليه".

وقال ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي لصحيفة "هآرتس" نفس الشيء تقريباً. فقد قال أحدهم: "لن نجد صعوبة في العودة بعد ستة أسابيع. بالتأكيد إذا كان ذلك سيمكننا من إنقاذ عشرين إلى ثلاثين من أبناء شعبنا من الأسر وربما تسوية الأمور في الشمال، ولو مؤقتًا على الأقل. إن حزب الله يريد بشدة النزول عن شجرة الحرب المطولة. وهو يحتاج إلى ذريعة وقف إطلاق النار في الجنوب".

وتعترف المصادر العسكرية الإسرائيلية أيضًا بأن إصرار نتنياهو "على استمرار الحرب إلى الأبد في غزة يجعل القوات بلا الكثير من المهام الواضحة. فالكثير من النشاط في الفرق المتمركزة في غزة يتركز الآن على الدفاع عن النفس، أو في عمليات البحث المحلية التي تهدف إلى زيادة عدد جثث عناصر الفصائل الفلسطينية الذين قتلوا. ومن الصعب الحديث عن المزيد من العمليات لتحرير الرهائن الآن، وخاصة تلك التي تتم تحت الأرض، بعد أن أصبح من الواضح أن تعليمات حماس لأفرادها هي قتل الرهائن في كل حالة يقترب فيها الجيش الإسرائيلي".

وصرح مسؤول كبير سابق في مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي لصحيفة "هآرتس"، بأن تحركات نتنياهو فيما يتصل في محور فيلادلفيا تذكره بنهجه في التعامل مع قضية المشروع النووي الإيراني. وأوضح: "إن نتنياهو يأخذ مشكلة حقيقية ويضخمها إلى أبعاد هائلة من أجل نسف التهديد السياسي الذي يواجهه. ليس الأمر أن المشكلة النووية لم تكن موجودة، ولكن نتنياهو ضخمها في ذلك الوقت إلى ما هو أبعد من أبعادها الحقيقية وبالتالي أرجأ الضغوط الأميركية والدولية للتعامل مع القضية الفلسطينية، طالما ظلت القضية النووية مفتوحة. إنه يعلم أن النصر الكامل في غزة لن يحدث وأن فيلادلفيا ليست بهذه الأهمية. ولكن تضخيم قضية الممر سوف يمنحه ذريعة وسوف يضمن استقرار الائتلاف لسنوات".

ويضيف إيلي بحر، المحامي والمستشار القانوني السابق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت)، أن "فيلادلفيا" يعني البقاء في غزة كقوة احتلال إلى أجل غير مسمى وتجنب أي شكل من أشكال التسوية مع الفلسطينيين في الضفة الغربية. وهذا هو الهدف الأسمى لنتنياهو.