هُناك امبراطوريّات وقطاعات تعمل داخل السلطة دون أيّ رقابة. وإحدى الجهات الرسميّة أقامت مقرًا باذخًا، وصرفت 50 ألف دولار على تركيب النوافذ التي استُبدلت لاحقًا لأنّها لم تناسب ذوق كبار الموظفين. وبعض المسؤولين يتلقون راتبًا شهريًا يصل 15 ألف دولار، أشكال فساد تحدّث عنها عزمي الشعيبي مستشار مجلس إدارة "أمان"، خلال إطلاق نتائج التقرير السنوي التاسع "واقع النزاهة ومكافحة الفساد لعام 2016"، اليوم الاثنين (3 نيسان/ ابريل).
التقرير الذي أطلق في رام الله وغزة بالتزامن، جاء تحت عنوان "إذا صلُح القضاء صلُح البلد.. من يصلح البلد إذا القضاء فسد"، تناول واقع القضاء الفلسطينيّ وحذّر من انهياره، وتطرّق لملفات هيئة مكافحة الفساد، والتكتّم على اتفاقات الاتصالات والكهرباء، وتطرّق للفساد في ملف التعيينات الحكوميّة.
إساءة استخدام السلطة والائتمان والمال العام، الاختلاس، الرشوة، الواسطة والمحسوبية، غسيل الأموال، وعدم تنفيذ قرارات القضاء
وأظهر التقرير أنّ العام 2016، شهد تراجعًا مُخيفًا في سيادة القانون، وأنّ "هيبة" القضاء تزعزعت، في ظل التراجع في تنفيذ القوانين وتغيّرها وفقًا لأهواء متنفّذين؛ أبرزها تشكيل المحكمة الدستورية الذي يهدف لعدم إمكانيّة إلغاء قرارات رئاسية لدى المحكمة العليا أو الطعن بها، الأمر الذي يؤدي إلى إنهاء القضاء، من خلال التأثير على استقلاليّته، وخلق حالة من التشكيك فيه.
تقرير "أمان" تحدّث أيضًا عن خطر انهيار هيئة التقاعد العام بسبب استمرار الحكومة بعدم تحويل الأموال التي يفترض أن تحوّلها شهريًا. وأشار الشعيبي إلى وجود تضارب في الأرقام حول المبالغ المترتبة على الحكومة، والبالغة مليار و600 مليون شيقل، بينما يتحدّث رئيس الوزراء عن أربعة مليارات فقط.
اقرأ/ي أيضًا: فيديو: هل تفلس الدول؟
وانتقد الشعيبي الحكومة التي قال إنّها ألقت كُلّ العبء في متابعه قضايا الفساد على "هيئة مكافحة الفساد"، وقال إنّ هناك قضايا مُهمّة على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها في مكافحتها، مثل موضوع العطاءات غير الحكومية وإدارة المال العام، وكذلك الاتفاقيات التي تبرمها الحكومة مع القطاع الخاص.
وتحدّث أيضًا عن سوء إدارة المال وتضخم فاتورة الرواتب في القطاع الحكومي، وواقع التعيينيات في المناصب العليا والسلطة القضائية، مبيّنًا أنّ الحكومة فشلت في ضبط هذا القطاع، ففي حين تناضل القطاعات الاجتماعية لتحسين مساعدات العائلات الفقيرة التي قد تصل إلى 250 شيقل شهريًا، فإنّ بعض المسؤولين في السلطة تصل رواتبهم إلى 15 ألف دولار، إلى جانب الحوافز والامتيازات.
وقال إنّه وبالرغم من جهود الحكومة المعلنة لمحاصرة هذه الظاهرة، إلا أنها استمرّت في العام 2016، ما يطرح السؤال عن من يسيطر على القرار داخل الحكومة؟!، مضيفًا: على المجتمع المدني أن يقاتل لإخراج الناس إلى الشارع و الاعتصام لوقف هذه الظاهرة، إذا لم توقفها الحكومة.
في الوقت الذي رفعت فيه الحكومة شعار التقشّف وترشيد النفقات، فإنّ إجماليّ النفقات شهد ارتفاعًا بنسبة 108%.
وعلق الشعيبي على هذه النفقات بالقول إنّه لا تزال هناك امبراطوريات وقطاعات تعمل داخل السلطة بمعزل عن أيّ رقابة أو محاسبة، مشيرًا إلى أنّ سلطة النقد التي من المفترض أنّها تعمل حسب القانون بأموال عامة، قامت ببناء مقر باذخ صُرف عليه أكثر من 50 ألف دولار لتركيب نوافذ زجاجيّة جرى استبدالها لاحقًا لأنها لم تعجب كبار الموظفين فيها.
وتناول التقرير السنويّ نظام التأمين الصحي الحالي، حيث أشار إلى أنّه وبسبب القرارات الإدارية الخاطئة تحمّلت وزارة الصحة عبئًا كبيرا للإنفاق على التأمين الصحيّ أكثر من إنفاقها على تحسين الخدمات الصحية. وقال الشعيبي إنّه بات من الضروريّ إصدار نظام تأمين صحي شامل جديد، مع إلغاء كل القرارات الاستثنائية المتخذة سابقًا.
اقرأ/ي أيضًا: مليونيرية يقودون عصابات "الشيكات البنكيّة"
وكما الأعوام السابقة، تناول التقرير الميزانية العالية للأجهزة الأمنيّة من الميزانية العامة، مطالبًا بإعادة تدوير أفراد من الأجهزة الأمنية لصالح الشرطة والضابطة الجمركية، وذلك للنقص الواضح في أعداد هذين الجهازين.
تناول التقرير الميزانية العالية للأجهزة الأمنيّة من الميزانية العامة
ولم يُغفل التقرير الاتفاقيات التي وقّعتها الحكومة بشأن الكهرباء والمياه مع الاحتلال، وتجديد رخصة شركة الاتصالات الفلسطينية (بالتل)، هذه الاتفاقيات التي بقيت سرية لم يفصح عنها حتى الآن، وجعلت الخدمات الأساسية للمواطن حكرًا لدى الحاصلين على امتيازاتها، وفي المقابل ظلّ المواطن مجبرًا على دفع تكلفتها في ظل غياب أو عدم تفعيل مجالس تنظيمها.
وقال الشعيبي إنّ الحكومة وقّعت على هذه الاتفاقيات باسم الشعب الفلسطيني، ولكنّها ترفض نشر تفاصيل الاتفاقيّات، رغم أنّها وصفت بعض الاتفاقيّات بـ "الإنجاز التاريخي"، مطالبًا بنشر تفاصيلها حتى يحتفل الشعب بهذا "الإنجاز التاريخي".
اقرأ/ي أيضًا: فلسطينيون لشركات الاتصالات: "بكفّي!"
الخبير الاقتصاديّ نصر عبد الكريم، قال لـ "الترا فلسطين" إنّ أيّ اتفاقيات تعطي تفويضًا حصريًا، تقع في إطار الاحتكار، ويفترض أن تُعرض بشكل شفّاف لإبداء الرأي والإجماع، وحتى إجراءات التفاوض مع هذه الشركات يجب أن يكون معلومًا للناس، لا أن يظلّ سرًا، فالمواطن هو من سيتضرر أو يتلقى الخدمة.
وأضاف أنّه في موضوع الاتفاقيّة مع "الاتصالات"، فإنّ هُناك خللًا في التفاوض لتوقيع الاتفاقية، فالقانون يشير إلى أنّه يجب أن تقوم بالتفاوض مع الشركة الخاصّة، هيئة مستقلة، يكون لديها وجهة نظر محايدة، وهو ما لم يحدث رغم صدور قانون بهذا الشأن قبل سنوات.
"إدارة الحكومة للشأن العامّ الاقتصادي تعاني خللًا، وهي إدارة مرتبكة وغير منهجية، وتعتمد على حلّ أزمات دون رؤى شاملة، وما يغسل عقل الحكومة هو تأمين الرواتب وأي أهداف أخرى تتجاهلها وتغفل عنها"، يضيف عبد الكريم.
اقرأ/ي أيضًا: لا شفافية في تجديد السلطة عقود "بالتل"
وتحدّثت النائب في المجلس التشريعي خالدة جرار، لـ "الترا فلسطين" أنّه وفي ظل غياب المجلس التشريعي تم إثارة قضية الاتفاقيات خلال اجتماعات اللجنة التنفيذية، وجرت المطالبة بإعلان مضامين الاتفاقيّات خاصّة مع الاحتلال الإسرائيلي، وكيف تمّت، إلّا أنّه وللآن، لم نتلقَ جوابًا.
واعتبرت أنّ هذا جزء من الخلل في النظام العام، والتأثير السلبي لهذه الاتفاقيات التي تحتكر الخدمات الأساسية للمواطن، قد تدفع المواطن للخروج للمطالبة بحقّه في الشارع.
أمّا عن جدوى هذا التقرير السنويّ الذي أصدره الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان"، في ظلّ عدم الأخذ بتوصياته من قبل الحكومة، قالت جرّار إنّ "هذه التقارير تنبّه صانع القرار إن كان معنيًا بمتابعة القضايا الفساد، إلى جانب تنبيه المواطن ضدّ الفساد.
اقرأ/ي أيضًا:
السلطة الفلسطينية.. فشلت حتى في زراعة البطيخ