27-نوفمبر-2018

داخل غرفتها تجمع زينة عودة أشقاءها الأصغر منها سنًا وحتى من هم أكبر، لتبدأ معهم درسًا -أضحى شبه يومي- في الحساب الذهني الذي صارت زينة تبدعه وتحقق فيه انتصاراتٍ كبيرةٍ محليًا وعربيًا ودوليًا.

يُعدُّ الحساب الذهني (العقلي) علمًا رياضيًا حديث العهد في فلسطين، لكنه ورغم ذلك حقق تقدمًا كبيرًا عند الجيل الناشئ، وشهدت المراكز التي تدرب الطلاب إقبالاً شديدًا وبالمستويات المختلفة من الأول للعاشر.

الحساب الذهني علمٌ رياضيٌ حديث العهد في فلسطين، لكنه حقق تقدمًا كبيرًا عند الجيل الناشئ

على طاولة وسط منزلها في قرية كفر ثلث شرق مدينة قلقيلية كانت زينة تفرض نفسها بين أقرانها من الأشقاء لتعلمهم مسألة في الحساب الذهني، فهذا جزءٌ من الحلم الذي يراودها وتطمح لأن يتحول إلى حقيقة في القريب.

اقرأ/ي أيضًا: طفلة كفيفة تلعب الكاراتيه في غزة

تترأس الجلسة عند رأس الطاولة ثم تطرح المسألة، لتبدأ وأشقاؤها بحلها والإجابة على عشرات الأسئلة المماثلة، وكأنها تسقط ما تعلمته واقعًا في بيتها.

التحقت زينة (10 سنوات) وفق حديثها لـ الترا فلسطين بمركز المستقبل للذكاء العقلي (الخوارزمي الصغير) المنتشر في غالب المدن الفلسطينية، ويقوم عليه معلمون ومدربون محترفون قبل 15 شهرًا، واستطاعت بعد تدريبٍ مكثفٍ اجتياز المستويات الأول والثاني والثالث، ثم وصلت للمستوى الرابع بحل مساءل رياضيةٍ معقدةٍ في الجمع والطرح والضرب.

كان تقدمها واضحًا بمشاركاتها بمسابقات عدة محليًا ودوليًا ونيلها أعلى الدرجات، كما هو الحال في الأردن عندما تنافست مع 500 متسابق واستطاعت حلَّ 140 سؤالاً في ثمان دقائق، ثم بمشاركتها بتركيا -قبل شهر- عندما أنهت حل 168 مسألة بأقل من سبع دقائق، لتفوز في المرتبة الأولى من بين 200 مشاركةٍ وتحظى باهتمام جيد وواسع.

ثقة وفوز

بدت ثقة الطفلة الصغيرة بنفسها عالية جدًا وهي تلقي على مسامع الأطفال في المنزل مساءل مختلفة، أرادت أن تنقل لهم ما تعلمته ليصبحوا متقدمين مثلها، لا سيما أن حلا شقيقتها الكبرى تدربت واستطاعت تحقيق تقدمٍ ملحوظ. زادت ثقتها بنفسها أكثر عندما عادت من مشاركاتها الدولية حاملةً درجاتٍ عالية. يقول والدها داوود عودة، إنها حظيت باهتمامٍ واسعٍ في الاستقبال من عائلتها ومعلميها وآلاف المواطنين في قريتها وعموم المدن الفلسطينية خاصة مدينتها قلقيلية.

زينة عودة من قلقيلية حققت نجاحات كبيرة في مسابقات عالمية للحساب الذهني، فهي تحل المسائل الرياضية في ثوانٍ ودون أوراق

لكن الاهتمام بزينة لم يكن وليد الصدفة منذ أكثر من عام، بل كانت العائلة تراقب نشاطها وذكاءها منذ الصغر، فقد أُلحقت في الصف الأول قبل نظرائها "وكانت بادية عليها علامات التفوق والذكاء" يضيف الوالد، إذ كانت ولا تزال تصنف بأنها "الأولى" على صفها ومدرستها في قريتها كفر ثلث.

اقرأ/ي أيضًا: نانا تكسر ذكورية عزف الإيقاع في غزة

لا تستخدم زينة أي أدواتٍ للمساعدة في حلها للمسائل الرياضية من آلة حاسبة وأقلام وأوراق، بل تُعطى لها المسألة لتباشر بحلها ببضع ثوانٍ محركةً أصابع يدها يمنة ويسرة وثالثة فوق رأسها لتعصف ذاكرتها وتعطي الإجابة الأصح.

يقول والدها إن قضية الحساب الذهني تقوم أساسًا على التخيل في حل المسائل؛ لا وفق نظام تدريس الرياضيات الذي يستخدم الشق الأيسر من الدماغ. ويضيف أن الحساب العقلي السريع يستخدم الشق الأيمن من الدماغ والمعروف بشق التخيل، وبالتالي استخدام "العداد الصيني (الأباكس)" للحل الأفضل والأسرع.

المدربة.. حلم

ولتطوير مهاراتها أكثر، سعت زينة لمطالعة مستوياتٍ أعلى والتدريب على حل مئات المسائل قبل أية مسابقة لها، وهذا ما فعلته في تركيا عندما حلت أكثر من سبعة آلاف مسألة قبل مشاركتها بيومين، وهي تتدرب جيدًا في المنزل لساعة على الأقل يوميًا.

تحلم الطفلة زينة عودة بأن تُصبح مدربة في الحساب الذهني، وقد بدأت شقَّ طريقها في هذا الاتجاه من خلال عائلتها

يقوم والدها ووالدتها بهذا التدريب اليومي لها، وهما يتناوبان على ذلك رغم مشاغل الحياة والعمل ورعايتهما لبقية أفراد الأسرة، لكنهما حرصا -لا سيما الوالدة- منذ اليوم الأول لظهور نباهة الطفلة ونباغتها على إلحاقها فورًا بمركز تدريب الذكاء الذهني.

ويخشى والدها أكثر كلما تقدمت فتاته في حل المسائل الرياضية، فهو يرقبها وهي تسعى للحصول على أفضل الدرجات وأعلاها "وأخاف إن تراجعت بعض الشيء لأسباب لا قوة لنا بها ألا تتقبل الأمر، لأن ثقتها بنفسها فاقت كل شيء".

في غرفتها داخل المنزل لم تزل زينة تحتفظ بعديد الكؤوس والميداليات والدروع التقديرية التي حصلت عليها عبر مشاركاتها المختلفة، أو بتكريمٍ من المؤسسات المحلية والوطنية احتفاءً بها، إذ تُوجت الاحتفالات بمهرجان مركزي في قريتها حضره ما يقرب من خمسة آلاف مواطن تقديرًا لها.

مثل زينة تجتهد زميلتها وابنة قريتها بشرى شواهنة في إعداد وتدريب نفسها جيدًا، شاركت هي الأخرى بمسابقات محلية وعالمية وحصلت على المرتبة الثانية بمسابقة الذكاء العقلي في تركيا، والمرتبة الأولى بالمسابقة الدولية التي أقيمت بعمان وكذلك الحال على مستوى الوطن.

الطفلة بشرى شواهنة

لم تدخر الطفلة الصغيرة جهدًا إلا وسعت من خلاله لتدريب أشقائها، ترى أن هذه فرصتها لتطويرهم وتحسين أدائها في الوقت نفسه والذهاب للعالمية ولكن بمستويات متقدمة.

تقول بشرى إنها وزينة وغيرهم الكثير من أطفال فلسطين لاقوا اهتمامًا واسعًا من ذويهم الذين حرصوا على اكتشافهم مواهبهم، وهي تأمل أن يحالفهم الحظ ويحققوا نجاحات أكبر، مؤكدة أن هذا لا يتعارض مع دراستهم المنهجية "بل بالعكس ينمي قدراتهم أكثر".

"المدربة الصغيرة" حلم بات يراود زينة وبشرى، ومشوار الأمل الذي بدأه ذويهن للوصول بهن إلى ما يسمون، ولهذا سيكون العام المقبل موعدهن مع الحلم وقد صار حقيقة.


اقرأ/ي أيضًا:

غزة: أطفال يلعبون.. وأطفال في خدمتهم

فيديو | ألعاب "أيام زمان" باقية في مخيم الشاطئ 

فيديو | تالا وراما.. "جيتار" وطرب على شاطئ بحر غزة