كان دخولنا إلى سجن عوفر في نهاية، تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث بداية البرد الشديد في هذا السجن الواقع في منطقة منخفضة باردة من مدينة بيتونيا الملاصقة لمدينة رام الله.
يواصل الأسير السابق عقل ربيع سرد تفاصيل ما كابده في سجن عوفر الإسرائيليّ، فكتب عن تقليص كميّات الطعام، ومعاناة الأسرى مع حلاقة الشعر، ويكتب اليوم عن معارك الأسرى جرّاء حرمانهم من ملابسهم
قبل وصولنا إلى السجن، صادرت الإدارة ملابس الأسرى القدماء تاركة (غيارًا) واحدًا لكل أسير، يشمل القميص والبنطال ولباسًا داخليًا واحدًا، وصادرت "الحرامات" الشتوية والبطانيّات تاركة حرامًا واحدًا أو بطانيّة لكل أسير. وصادرت زجاج الشبابيك تاركةً الغرف مفتوحة للريح، ووضعت في كل غرفة 12 أسيرًا، رغم أنّها مصممة لستة فقط، فكان ستّة أسرى على أبراش حديديّة مهترئة، وستّة على الأرض الباردة.
وقبل نقلنا إلى الغرف، احتجزت الإدارة ملابسنا التي كُنّا نلبسها ليلة الاعتقال، وقدّمت لكل واحد منّا بنطالًا وقميصًا خفيفًا باللون البنيّ الموحّد وبابوجًا/حذاءً من البلاستيك.
كُنّا نظنُّ أن الأسرى القدماء يحتفظون بملابس كافية تحل مشكلتنا، فوجدناهم يبحثون عن حلّ لمشكلتهم، ولم يكن أمامنا من خيار سوى العيش في هذا الظرف الصعب.
بعد أيّام قررت إدارة السجن نقل أحد الأسرى القدماء إلى سجن النقب، وكان يرتدي بلوزة حمراء فاقعة اللون واسعة الأكمام مرتخية الأكتاف، فخلعها عن جسده، وألقاها عليّ بإصرار، فصرتُ بها معروفًا في القسم كلّه، إذا لا توجد غيرها بلونها، ولمّا سألني أحد الأسرى مُتندِّرًا عن تفرّدي بهذا اللون ضحكت، وقلت له: "بعد الكبرة جبّة حمرة".
كان غسل الأسير للباسه الداخلي يعني أن يظلّ بلا لباس حتى يجف، أمّا تجفيف اللباس فكان معركة أخرى!
كان غسل لباس داخلي يعني أن تظلّ بلا لباس حتى يجف، وكان تجفيف اللباس معركة أخرى. فنحن نعلّقها على خيوط نربطها بين زوايا الأسرّة الحديدية (الأبراش). وكلّما دخل الجنود الغرف قطعوها. فنبدأ رحلة البحث عن خيوط جديدة، وما أصعبها من رحلة!
ذات صباح نُقِلْنَا من غرفة إلى أخرى، فوجدت في زاويتها لباسًا داخليًا مهترئًا ما بين رجليه، ربما استخدمه الأسرى قبلنا ممسحة للأرض. فانقضضت عليه، وغسلته جيّدًا، وتسللت ذات يوم بعد صلاة المغرب إلى برش أسير أكاديميّ مهذّب وقدّمته له، فانفرجت أساريره، وقال وهو يدُسّه تحت فرشته: "والله إن هذه لأغلى هدية وصلتني من قبل. الآن أغسل لباسًا وألبس آخر".