لا ينسى الشاب حسن محمد (30 عامًا) كيف "خرج من فم الموت"، على حدّ وصفه، بعد نجاته من حادث سير حتميّ نتج عن فقدانه السيطرة على سيارةٍ استأجرها من إحدى شركات التأجير، بعد أن انفصل فيها الإطار "الكوشوك" عن الدائرة المعدنية خلال سيره على الشارع الالتفافيّ السريع، قبل أن يتدارك الموقف محاولًا التخفيف من سرعته شيئًا فشيئًا حتى استطاع إيقاف السيارة على أول مساحةٍ يمكن التوقف عندها.
تفيد إحصاءاتٌ رسميةٌ للشرطة الفلسطينية حصل عليها موقع "ألترا فلسطين"، أنّ حوادث السير التي كانت السيارات المؤجرة طرفًا فيها عام 2016، بلغت 158 حادثًا من أصل 10600 حادث سير، راح ضحيتها 10 حالات وفاة من أصل 159 حالة وفاة، دون وجود تأكيد على أن الحوادث نتجت عن أعطالٍ ميكانيكية.
لكن عددًا من الأشخاص الذين استأجروا سياراتٍ من عدة شركاتٍ للتأجير، يؤكدون أنهم تحمّلوا أعباء إصلاحها منذ الأيام الأولى من التأجير، رغم أنه لا علاقة لهم بالأعطال، إلّا أنّ عقد التأجير يفرض عليهم صيانة السيارة، ما جعلهم يتحمّلون مسؤولية العيوب الخفيّة التي لم يكتشفوها عند تفقدهم للسيارة قبل استئجارها.
السواد الأعظم من مستأجري السيارات في الضفة الغربية يوقّعون على عقد التأجير دون الاطلاع عليه والانتباه للشروط المجحفة فيه
المحامية دعاء المصري أعدّت رسالة ماجستير حملت عنوان، "التنظيم القانوني لعقد سيارات التأجير في فلسطين بين قصور النظرية وإشكالات التطبيق"، اتخذت منهج الدراسة التحليلية المقارنة، درست فيها عيّنة من عقود تأجير السيارات، فوجدت أنّ 50% من العقود المبحوثة لم يرد فيها أي ذكرٍ للعيوب الخفيّة في عقد التأجير، حيث تُرك الموضوع مُبهمًا بالنسبة للمستأجر.
اقرأ/ي أيضًا: في الضفة: رخص سياقة بالواسطة والرشوة
وأظهرت الدراسة أنّ 38% من العقود أعفت المؤجّر من أي مسؤوليةٍ عن دفع أي عطلٍ وضررٍ قد يلحق بالسيارة جراء خللٍ فنيٍ مفاجئٍ طرأ على السيارة، في حين أن 6% من العقود منحت المستأجر حقّ مراجعة الشركة لعمل صيانة؛ وبعد 7 أيام تكون الصيانة على نفقته، فيما حمّلت 3% من العقود المبحوثة المستأجر مسؤولية العيوب الخفية.
وتنص المادة 20 من قانون حماية المستهلك الفلسطيني رقم 21 لسنة 2005، أنّ على كل مزودٍ ضمان العيوب الخفية التي تنقص من قيمة السلعة أو الخدمة نقصًا محسوبًا، أو تجعلها غير صالحةٍ للاستعمال في ما أعدت إليها وفقًا لطبيعتها أو لأحكام العقد.
أمّا عن آلية تعيين أضرار المركبة في عقد التأجير، فإن 90% من العقود تحدد أضرار المركبة بتعبئتها يدويًا، بينما لم تذكر 10% منها آلية تعيين الأضرار المادية للمركبة، وفقًا لذات العيّنة المبحوثة في رسالة المحامية دعاء المصري.
وحسب المادة 10 من قانون حماية المستهلك الفلسطيني رقم 21 لسنة 2005، فإن المزوّد النهائي يكون مسؤولًا عن الضرر الناجم عن استخدام أو استهلاك المنتج المحلي أو المستورد الذي لا تتوافر فيه شروط السلامة أو الصحة، أو عدم الالتزام بالضمانات المعلن عنها أو المتفق عليها، ما لم يثبت هوية من زوده بالمنتج، ويثبت كذلك عدم مسؤوليته عن الضرر الناجم.
يؤكد أحمد ضمرة مدير دائرة النقل الخاص بمديرية النقل والمواصلات في محافظة رام الله والبيرة، أنّ دائرة المتابعة والتفتيش تقوم بمراقبة كافة الدوائر المنضوية تحت الإدارة العامة لمراقب المرور؛ بما فيها دائرة النقل الخاص.
ويوضح ضمرة لـ"ألترا فلسطين" أنّ الوزارة ترخّص المركبات التابعة لشركات التأجير سنويًا بعد اجتيازها لكافة الاختبارات الفنيّة، وعليه تمنح لها الرخص من سلطة الترخيص، مضيفًا أنّ أي خللٍ في السيارة بما في ذلك بطاقة البيان أنها سيارة تأجيرٍ سيقف حائلاً أمام ترخيصها.
يقول ضمرة، إن النقل والمواصلات ليس لديها طاقمٌ كافٍ للقيام بكشفٍ دوري على شركات التأجير، إلا أن المفتشين يقومون ببعض الجولات التفتيشية لمراقبة الشركات من حيث إبراز اليافطة، وطبيعة مكان الشركة، بأن يكون مناسبًا ومفتوحًا، وللتأكد من ترخيص المركبات.
وبعد البحث وجدنا أن مدير دائرة المتابعة والتفتيش بالوزارة هو الوحيد الذي يعمل بدائرته، دون موظفين آخرين يقومون بدور المتابعة والتفتيش.
أمّا عن آلية العقود وبنودها؛ فإنّ وزارة النقل والمواصلات، حسب ضمرة، لا تتدخل في بنود العقود بين شركة التأجير والمستأجر، إلّا في نقاطٍ تتعلق بالمستأجر، مثل امتلاكه رخصةً سارية المفعول لا تقل عن سنة، وأن لا يقل عمر السائق عن 24 عامًا، وأن تكون السيارة مؤمنة تأمينًا شاملًا.
اقرأ/ي أيضًا: "أكتوبر".. الأكثر وجعًا في الموت على الطرق
وتجيز المادة 23 من قانون حماية المستهلك للمجلس الفلسطيني لحماية المستهلك أن يراجع مدى معقولية وعدالة الشروط الواردة في عقود الاستهلاك والعقود النموذجية، وأن يوصى إلى الوزير أو الجهة التي تصدر عنها هذه العقود إزالة الشروط التي ترى أنها مجحفة بحق المستهلك، أو يطلب إعادة النظر بها، على أن يصدر مجلس الوزراء نظامًا يحدد معاييرًا لتقدير البنود التي يمكن اعتبارها تعسفيّة في عقود الاستهلاك.
فيما يؤكد إبراهيم مناصرة من دوريات السلامة على الطرق في الخليل لـ"ألترا فلسطين"، أنّ حوالي 30% من السيارات المؤجرة التي يتم فحصها خلال الدوريات بالشارع، هي سيارات غير صالحة للسير على الطرق.
شركاتٌ لتأجير السيارات في الضفة الغربية لا تجري صيانة لسياراتها، وبعضها تغش في الفحص، وثلث السيارات المؤجرة غير صالحة للسير على الطرق
حملنا هذه المعلومة إلى محمد حمدان الناطق الإعلامي لوزراة النقل والمواصلات، فأكد لنا أنّ بعض شركات تأجير السيارات لا تقوم فعلًا بصيانة سياراتها، خاصة التي تؤجَّر بمبالغ زهيدة، إضافة لبعض الشركات في القرى.
وبيّن حمدان لـ"ألترا فلسطين"، أنّ بعض الشركات تبدّل الإطارات الصالحة للاستخدام عند عملية فحص الترخيص، وبعد الحصول على الترخيص تضع إطاراتٍ أخرى رديئة الجودة. ورغم ذلك فإنّ حمدان يقول إن وضع شركات التأجير في الضفة الغربية جيّد، بشكل عام، وأنّ معظم الشركات تمتلك سيارات حديثة ومتقدّمة وصالحة للاستخدام.
اقرأ/ي أيضًا: الضفة: محلات إلكترونية تسرق زبائنها
يقول محاضر القانون في جامعة القدس أنور أبو عيشة، إنّه لا يوجد قانونٌ خاصٌ بالعقد، وإنما ينطبق عليه المبادئ العامة في القانون؛ وهي القانون شريعة المتعاقدين، الأهليّة والإرادة والحرية.
ويوضح أبو عيشة لـ"ألترا فلسطين"، أنّ ما ينظّم علاقة المؤجر والمستأجر هو قانون حماية المستهلك، وأنه إذا أثبت المستأجر إهمال المؤجّر في صيانة السيارة؛ فإنّه يستطيع رفع دعوى أمام القضاء الذي قد يدينه إذا ثبت فعل الإهمال، ويترتب على ذلك تعويضات ماليّة يقدمها المؤجِّر للمستأجر.
ويؤكد أبو عيشة أنّ شرط الإعفاء من المسؤولية الذي يدرجه المؤجر في العقد يعتبر باطلًا في حالتيّ الغش والإهمال.
في المقابل، يتحدث مازن اللمداني رئيس اتحاد شركات تأجير السيارات عن ما وصفها بـ"ممارسات خاطئة لبعض المستأجرين تؤدي إلى تعطيل السيارات أو تآكلها مع مرور الوقت"، وفق قوله، مضيفًا أنّ "ثقافة أصحاب الشركات هي الحفاظ على المال، وهو ما يستدعي الصيانة الدورية للسيارات".
ويقول اللمداني لـ"ألترا فلسطين"، إن "أرواح المواطنين والتأمين ثم السيارة نفسها من أهم الأمور التي تسعى الشركة للحفاظ عليها"، مضيفًا، "أي سيارة شغّالة في علم الميكانيك فإنها صالحة للسير"، حسب قوله.
ويبين، أنّ العقود لا تختلف في غالبها ما بين الشركات، "ومن الطبيعي أن يتحمّل المواطن مسؤولية أي خللٍ ميكانيكيٍ مفتعلٍ في السيارة، لأنّ شركات التأجير أصبحت غير قادرةٍ على تحمُّل أعباء الصيانة، إضافة للأعباء المالية الأخرى من تأمينٍ وضرائب وتحديثٍ لأسطول السيارات".
وتابع، "في ذات الوقت فقد أنصف الاتحاد عددًا من المواطنين في الحالات التي يثبت فيها حقه".
يُحمّل اتحاد شركات تأجير السيارات، الزبائن مسؤولية الأعطال في السيارات بسبب ما يصفها "ممارسات غير مسؤولة"
وتعقيبًا على تمسّك شركات تأجير السيارات بتأجير سياراتٍ توقفها دوريات السلامة على الطرق، يقول اللمداني إن الاتحاد لم تصله أي شكوى أو إحصائية عن توقيف سيارات التأجير عن السير بسبب خللٍ أو أعطالٍ ميكانيكية.
يذكر أن عدد شركات تأجير السيارات عام 1995، بلغ 520 شركة، ثم تضاءل تدريجيًا ليصل إلى 250 شركة حتى عام 2015، حيث ارتفع إلى 340 شركة بعد قيام وزارة المواصلات بفتح تراخيص لشركات جديدة.
ويُقدّر حجم الاستثمار في قطاع تأجير السيارات بالضفة الغربيّة بحوالي 500 مليون شيقل، فيما يُقدّر عدد سيارات التأجير بحوالي أربعة آلاف سيارة، وفقًا لأرقامٍ تقديرية لاتحاد شركات التأجير.
اقرأ/ي أيضًا:
مليونيرية يقودون عصابات "الشيكات البنكيّة"