بين حواريها القديمة وأزقتها الضيقة، لم يزل دكان "مول" أبو الحكم مخيمر في قرية سبسطية صامدًا يقارع مُر الزمان ومحاولات لتهميشه بداعي الحداثة والتطور.
[[{"fid":"75679","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"6":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":427,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"6"}}]]
لستة عقود يرجع تاريخ "المول"، عندما اتخذ صاحبه الحاج أحمد مخيمر (أبو الحكم) قرارًا بإنشائه خدمة لأهالي القرية ودرءًا لمشقة السفر لمدينة نابلس، رغم قلة من كان يحالفهم الحظ وقتها ويحظوا بركوبٍ للمدينة. حينها كان رأس المال الذي بحوزة الرجل يقدر بخمسة وثمانين دينارًا أردنيًا، آنذاك "كانت المصاري بتحكي" يقول حكم مخيمر، الابن الأكبر لأبو الحكم، وهو الذي يُدير الدكان الآن، مضيفًا، أن والده وضع جُل ما يملكه ليكون رأس ماله، منهيًا بذلك عملاً صعبًا وشاقًا بالنسبة له في تعبيد الطرق ورصفيتها.
6 عقود بلغ عمر "دكان أبو الحكم" في سبسطية، ولا يزال صامدًا بملامحه التي تحكي حقبًا مرت عليه
ببابه الخشبي القديم؛ لم يزل الدكان يقاوم ويحكي حقبًا مرت عليه. منذ سنوات أضيف للدكان بابٌ خارجيٌ من الحديد، زيادة في الأمان ومنعًا لأي اعتداءٍ من قبيل السرقة أو ما شابه، لكن الملامح القديمة لم تزل تُحافظ على رونقها، ليس في الباب فحسب، بل بما احتوته الدكان من أثاث وبضائع مختلفة.
لم يتغير أثاث الدكان شكلاً أو حتى لونًا، فالأخضر يُشع في كل الزوايا رغم قدمه، وقد دلت رفوف الخشب القديمة على إتقان من صنعها، فهي تحمل أوزارًا ثقيلة من المواد التموينية بمختلف أنواعها من البقالة والمعلبات وغيرها، أما غير التموينية فهي بالكاد تُحصى.
[[{"fid":"75674","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":427,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]
تنوعت محتويات الدكان - التي لا يزال بعضها موجودًا - بين مشتقات النفط (كاز وغاز وسولار)، وأحذية، ولوازم المرأة من مساحيق التجميل وغيرها. كما حَوَت لوازم النجارين والفلاحين وقناديل الإضاءة والأدوات المنزلية والمنظفات بمختلف أنواعها، إضافة للقرطاسية المدرسية وألعاب الأطفال.
[[{"fid":"75675","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":427,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]
ما يطلبه الزبائن
"كان الزبائن يجدون كل ما يطلبونه، ويوفرُ والدي سريعًا كل احتياجهم" يقول حكم، ويُبيّن أنهم كانوا يبتاعون اللحوم، حيث يشهد يوم الجمعة وحده - وهو الإجازة - ذبح أربعة خراف.
بعض الشواهد لم تزل قائمة وتدل على طريقة ذبح الخراف وتعليقها ليسهل تقطيعها، مسمار ضخم في جدار الدكان وتوسعة داخلية بإضافة غرفةٍ صغيرةٍ للدكان تبين ذلك. يتحدث مخيمر الابن عن ذلك وهو يتنقل بين ثنايا دكان والده ليطلعنا على تفاصيلها الدقيقة.
[[{"fid":"75676","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":427,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]
"دكان أبو الحكم" في سبسطية كان يوفر كل ما يطلبه الزبائن، بما في ذلك اللحوم، وحتى الحلاقة أيضًا
دخل حكم عقده الثامن ولا يزال يذكر حيثيات دكانهم، فمنها استطاع والده تعليمه وأشقاءه السبعة وتحصيل درجات علمية عاليه أهَّلته لأن يكون أستاذًا في التاريخ لأكثر من أربعة عقود. ومن ذات الدكان أيضًا ابتاع أرضًا تقدر بعشرات الدونمات مكنتهم من عيش كريم.
دكان الجيش
يذكر حكم عناصر الجيش الأردني لا سيما "الكتيبة السادسة" وهم يتقاطرون بالعشرات لدكان والده لشراء اللحوم، كان ذلك مطلع الستينيات حيث كانت الضفة الغربية خاضعة للحكم الأردني، وكان الجنود يقيمون مع عائلاتهم في معسكر المحطة القريب الذي تجثم مستوطنة "شافي شمرون" مكانه اليوم. "حينها كنا شبانا صغارًا نناظرهم وهم يأتون للتبضع، حيث لم يكن دكانٌ آخر في القرية" قال حكم.
كان جنود الجيش الأردني يتقاطرون من معسكر المحطة لدكان أبو الحكم في سبسطية لشراء اللحوم
كان دكان مخيمر وقتها أشبه "بالمول" التجاري الآن، إذ قلما تجد حينها مكانًا مثله يوفر لزبائنه كل احتياجاتهم، ربما أكسبه موقعه في قرية تاريخية مثل سبسيطة أهمية أخرى، رغم أنه لم يكن مقصدًا للسياح الذي يأتون لزيارتها.
عام 2010 تسلم حكم دكان والده الحاج أبو الحكم الذي تُوفي وهو لا يزال يرعى دكانه ويعمل به رغم بلوغه نحو مئة من السنين، وقبل وفاته بسنوات قليلة كان الابن قد اكتسب خبرة جيدة بالعمل في دكانه والده مكنته من استمرار العمل فيه حتى الآن.
في سبسطية الكنعانية التي أنشاها الملك هيروديس قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، كان السوق مركزًا أساسيًا في "المملكة الصغيرة"، ولا تزال بعض الشواهد حية وتحكي الحال في الأزمنة الغابرة. مثلها تمامًا تربض دكان مخيمر في عرينها وسط بيوت القرية وأزقتها العتيقة لتروي كل تفاصيل الجمال وحكاياته، لا سيما شارع الأعمدة ومقامات الأنبياء وساحة البازليكا والمسرح الروماني.
[[{"fid":"75677","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":427,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"4"}}]]
[[{"fid":"75678","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"5":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":427,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"5"}}]]
كل تلك المعالم لم تزل حية أيضًا في ذاكرة الحاجة سامية محمود، فهي تتذكر جيدًا - رغم سنها الثمانيني - دكان عمها حين كانت تبتاع وأشقاؤها مشترياتهم لا سيما حلوى "الهريسة" والبزورات.
بيع بالمقايضة
لم تكن السيولة متوفرة لدى كثير من المواطنين "لذلك كنا نبتاع بالمقايضة، فمقابل بيضة نحصل عبوة من الكاز وهكذا" تقول الحاجة سامية، فالناس حينها لم يكونوا يعيشون رفاهية في حياتهم ويقتاتون على أبسط الطعام وأقله ثمنًا.
وتُضيف أن عمل عمها في دكانه لم يكن ليقتصر على البقالة وبيع الطعام والشراب، بل كان "يحلق للأطفال شعورهم أيضًا مقابل أجر معين".
في منزله قرب دكان والده يجلس حكم منتظرًا الشفاء من عارضٍ صحيٍ ألم به قبل أيام قليلة، ليعود مجددًا لفتح الدكان والعمل به حتى وإن لم يعد ذلك مجديًا - كما في السابق - الاعتماد عليه "كمصدر رزق وفير" في ظل توسع المحال التجارية وانتشارها في القرية.
اقرأ/ي أيضًا:
صور | "عصر الفضاء".. بوظة الأرض
صور | كريمة قاهرة العسكر والمعسكر
صور | منتهى ياسين.. بالورد تحيا