تتسابق مؤسسات إغاثية وحملات شعبية لتقديم مساعدات غذائية في شهر رمضان، دون أن تنسى توثيق تسليم المساعدات لمستحقيها بالصور، ثم مشاركتها على مواقع التواصل، لتقضي بذلك على تعفف عائلات كثيرة.
الستيني فؤاد النادي، طلبت منه جمعية خيرية الحضور لاستلام طرد غذائي، فوافق فورًا. بعد طول انتظار تحت أشعة الشمس، حصل على طرد غذائي شرط التقاط صورة له برفقة الطرد، دون تفسير الأمر. لم يُعطِ حينها أي اهتمام للأمر، بل انشغل الستينيّ باستكشاف محتوى طرده الغذائي.
انتقادات كبيرة لربط تقديم مساعدات لمحتاجين في غزة بتصويرهم ونشر الصور على مواقع التواصل
يُبين النادي لـ الترا فلسطين، أنه بعد يوم من حصوله على الطرد الغذائي، فوجئ بأنّ الجمعية نشرت صوره على صفحتها في موقع "فيسبوك"، لكنه لم يفعل شيئًا خوفًا من حرمانه من أي مساعدة في المرات القادمة. "شو جابرك على المُر غير الأمَر منّه؟" قال النادي.
اقرأ/ي أيضًا: من أين يأتي المحاصرون في غزة بمصاريفهم؟
وبحسب إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في عام 2018، فإن نسبة الفقر في قطاع غزة تجاوزت 80%، فيما بلغ معدل البطالة 43.9%، وكانت النسبة الأعلى للعاطلين عن العمل بين فئة الشباب بواقع 64.7%، ما ساهم بتفاقم الوضع الاقتصادي في قطاع غزة. فيما يعتمد أكثر من مليون شخص على المساعدات الإغاثيّة.
امتهان كرامة الفقراء خلال استلامهم لعيّنات المساعدة، لم يقتصر على بعض المؤسسات الإغاثية، بل رافق بعض الحملات الشابية أيضًا، خاصة مع انتشار موائد "تكيّات" رمضان لهذا العام في قطاع غزة، ما أثار غضب مواطنين في قطاع غزة تجاه التصرفات التي رأى فيها البعض "ظاهرة" سلبية.
واشتدت هذه الانتقادات بعد الكشف عن قصة عائلة رفضت "مؤسسة إغاثية" منحها الطرد الخاص بها؛ بسبب رفض العائلة تصويرها. ووفق ما ورد في القصة، فإن الموزع عرض على العائلة تصوير أحد الجيران وهو يأخذ الطرد، ثم منح الطرد بعد ذلك للعائلة، وهو ما رفضه رب العائلة معتبرًا أنه "ابتزاز على حساب كرامة المحتاجين".
وأطلق نشطاء شبابيون على مواقع التواصل حملة "احترموا مشاعرهم" لوقف ربط تقديم المساعدات بالتصوير، ودعوا إلى مقاطعة المؤسسات والحملات التي تمارس ذلك، ومنع استغلال الأسر الفقيرة من قبل الجمعيات والأفراد، إلّا أن هذه الظاهرة مازالت قائمة.
تُعلل مؤسسات إغاثية ما يحدث بالأسباب المهنية، وهو ما أكدت عليه سوزان أبو رمضان، مديرة العلاقات العامة والإعلام في جمعية "فارس العرب" الخيرية، إذ قالت إن التصوير يهدف إلى التوثيق وضمان النزاهة من أجل الحصول على التمويل من قبل الممولين.
ونفت أبو رمضان لـ الترا فلسطين أن يكون غرض تصوير المستفيد ونشره في مواقع التواصل هو الترويج أو الامتهان، مبيّنة أنّ التصوير الفوتوغرافي يتم من زوايا متعددة وبشكل نسبي حسب نوع المساعدة المقدمة لهم، "ويتم باستئذان صاحب المعونة" وفق قولها.
لكن أحد العاملين في مؤسسة إغاثية "نتحفظ على هويته واسم المؤسسة" أبلغنا بأن بعض الجهات تفرض على المستفيدين التقاط صور لهم خلال تسلّم الطرد الغذائي، بهدف استعطاف الممولين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. وأضاف الشاهد، أنه قد يتم التحايل على المستفيدين أحيانًا إذا رفضوا تصويرهم.
شهادات: تم التحايل على أشخاص رفضوا تصويرهم أثناء تلقي المساعدات، وبعض المستفيدين لم يُبلغوا بسبب تصويرهم
ورغم أهمية دور المؤسسات الإغاثية في غزة في ظل الوضع الاقتصادي المتهالك نتيجة الحصار المتواصل منذ 10 سنوات، إلا أن ذلك يلغي ضرورة أخذ معنويات المستفيدين من المساعدات بعين الاعتبار. تؤكد على ذلك اعتدال الخطيب، الاستشارية في بناء المؤسسات، إذ قالت لـ الترا فلسطين إنّ "ما يحدث من عشوائية وارتجال في تقديم المساعدات الإغاثية من قبل المؤسسات الخيريّة أقرب للاستثمار وليس للخير، فالعمل المؤسساتي الخيري له ضوابط وقوانين، ولكن ما يحدث عكس ذلك، فيضر بكرامة الفقير أكثر مما ينفعه ماديًا".
اقرأ/ي أيضًا: "المحل للإيجار".. الإعلان الأشهر في غزة
وأرجعت الخطيب تنامي هذه الظاهرة إلى "سوء الرقابة من قبل السلطات على عمل تلك المؤسسات الخيريّة التي تمتهن كرامة المحتاجين وتبتز ضعفهم، مقابل حصولهم على معونة بالأساس هي حق لهم".
ورأت أن هناك بدائل عن التصوير يُمكن استخدامها لتوضيح مصداقية العمل الخيري أمام الممول، ومنها الجلوس مع التجار وتصويرهم أثناء شراء المواد الإغاثية لكن دون نشر الصور، وتصوير الفواتير الشرائية، أو إذا اقتضت الضرورة، تصوير المعونة دون إظهار وجوه المستفيدين منها مع الامتناع عن نشر الصور.
وأشارت إلى أنه بالإمكان أخذ عينة عشوائية من المستفيدين والتواصل معهم بشكل خاص، لإثبات مدى مصداقية العمل الخيري.
ودعت الخطيب إلى إلزام كافة الجهات القائمة على العمل الخيرى بالتوقيع على ميثاق حقوق المستفيد، لضمان عملها قانونيًا بما يحفظ كرامة المواطنين المحتاجين.
خليل شاهين، مدير دائرة الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وصف تصرفات هذه الجمعيات والحملات بأنها انسلاخ عن الآدميّة، خاصة لمن يعانون - أصلاً - من انتهاكات في حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.
وأكدّ شاهين لـ الترا فلسطين أن مشاركة مثل هذه الصور مخالف للقوانين والمعايير الدولية التي تشترط الشفافية في التوزيع على أساس عادل، وتراعي أيضًا حماية الكرامة الإنسانية، واحترام الخصوصية، مبينًا أن القانون الأساسي الفلسطيني أقر حماية كافة الأشخاص في أوقات الطوارئ، وكذلك كفالة حصولهم على مستوى معيشي يحترم ذاتهم.
اقرأ/ي أيضًا:
كيف يعيش أهالي غزة تحت أثقال الضغط النفسي؟