16-أكتوبر-2024
قطع الكهرباء عن غزة

(ultrapal) غالبية المحاصرين في قطاع غزة لا يستطيعون تحمل تكاليف وسائل الطاقة البديلة

دخلت الحرب على قطاع غزة عامها الثاني، مع استمرار أزمة الكهرباء الناتجة عن سياسة إسرائيلية ممنهجة، جعلت غالبية الفلسطينيين المحاصرين في غزة يعيشون ليالي الحرب الطويلة في ظلام دامس، لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف وسائل الطاقة البديلة، كألواح الطاقة الشمسية التي باتت حلًا للباحثين عن الكهرباء، ونتيجة الطلب عليها ارتفعت أسعارها بشكل هائل.

يكافح الغزيون للتغلب على واقعهم المأساوي بإيجاد بدائل عن الكهرباء، غير أن هذه البدائل ليست في متناول يد غالبية المحاصرين في القطاع

وألقت أزمة انقطاع الكهرباء بظلالها الثقيلة على مناحي الحياة كافة، وزادت حياة الغزيين مأساوية، حيث الظلام يلف أرجاء ما تبقى في قطاع غزة من منازل سكنية، ومستشفيات، كما توقفت عجلة الإنتاج في المنشآت الصناعية والتجارية، وغرقت الخيام ومراكز الإيواء في "ظلام لا ينتهي".

وبدأت سياسة قطع الكهرباء عن قطاع غزة منذ الساعات الأولى التي تلت عملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر، عندما خرج وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت معلنًا فرض حصار كامل على قطاع غزة يشمل الكهرباء والغذاء. وقال غالانت: "لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة. لن يكون هناك كهرباء ولا طعام. نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف وفقًا لذلك".

إثر ذلك، سارع وزير الطاقة في حكومة الاحتلال، آنذاك، يسرائيل كاتس، لإعلان قطع إمدادات الكهرباء عن القطاع في اليوم ذاته، ثم إعلان غالانت منع دخول أي شاحنة تحمل الوقود إلى القطاع.

بدائل للكهرباء

ويكافح الغزيون للتغلب على واقعهم المأساوي بإيجاد بدائل عن الكهرباء، لتوفير الطاقة لمنازلهم من جهة، ولاستخراج المياه من آبار بدائية من جهة أخرى، وكذلك لتشغيل الخدمات والقطاعات الضرورية مثل القطاع الصحي، غير أن هذه البدائل ليست في متناول يد غالبية المحاصرين في القطاع.

قطع الكهرباء عن غزة
استبدل غزيون الوقود بزيت الطهي لتشغيل سيارات ومولدات كهربائية

الشاب الثلاثيني محمد أبو جاد، اضطر لشراء لوحة طاقة شمسية بأكثر من 5 أضعاف سعرها الأصلي من أجل توفير الكهرباء لشقته السكنية في مدينة خانيونس، التي عاد للسكن فيها مع أسرته رغم ما لحق بها من دمار أثناء فترة الاجتياح الإسرائيلي للمدينة، الذي بدأ في مطلع كانون الأول/ديسمبر 2023، واستمر نحو أربعة شهور.

وكشاب عاطل عن العمل، فقد عمله في أحد المصانع الصغيرة بمدينة غزة جراء الحرب، فإن محمد أبو جاد ليس بمقدوره شراء لوحة طاقة شمسية بمبلغ 4300 شيقل، فاضطر إلى استدانة ثمنها من عائلة زوجته، ويقول إنها توفر لمنزله الكهرباء، وفي الوقت ذاته تدر عليه القليل من المال من خلال شحن الهواتف النقالة لبعض الجيران، ممن لا تتوفر لديهم وسائل لتوليد الطاقة.

ألواح الطاقة الشمسية في غزة
ألواح الطاقة الشمسية تُستخدم في توفير دخل في غزة

ويقول المختص بأنظمة الطاقة البديلة أحمد عوض، إن الطلب على الألواح الشمسية والبطاريات يفوق الكميات المتوفرة في الأسواق، وهذا تسبب في ارتفاع الأسعار بشكل هائل، مثلًا ارتفع ثمن اللوحة الشمسية بقدرة 660 واط من حوالي 200 دولار قبل اندلاع الحرب إلى أكثر من 1400 دولار حاليًا.

الطلب على الألواح الشمسية والبطاريات يفوق الكميات المتوفرة في الأسواق، وهذا تسبب في ارتفاع الأسعار بشكل هائل، مثلًا ارتفع ثمن اللوحة الشمسية بقدرة 660 واط من حوالي 200 دولار قبل اندلاع الحرب إلى أكثر من 1400 دولار حاليًا

ويؤكد أحمد عوض، أن الاحتلال لعب دورًا في ارتفاع الأسعار عبر منع إدخال اللوحات والبطاريات، والتدمير الهائل الذي أصاب أنظمة الطاقة الشمسية فوق المنازل السكنية والمباني والمرافق العامة.

أزمة ممتدة وإبادة جماعية

وأزمة الكهرباء الخانقة في غزة ليست وليدة الحرب، وتعود لنحو عقدين من الزمان عندما دمرت إسرائيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة عام 2006، وفرضت حصارًا خانقًا على القطاع.

وبحسب بيانات شركة توزيع الكهرباء، قبل الحرب على غزة، فإن قطاع غزة يحتاج إلى حوالي 500 ميغاواط، وتزيد إلى 600 ميغاواط خلال فصل الشتاء. ونتيجة العجز الهائل كانت الشركة تعمل وفق برنامج طوارئ 8 ساعات وصل و8 ساعات قطع للكهرباء.

ومع اندلاع الحرب لم تكتف إسرائيل بالإجراءات السياسية لحرمان الغزيين من الكهرباء والاحتياجات الحيوية، بل شنت هجمات منهجية وواسعة النطاق على مصادر الطاقة البديلة التي اعتمد عليها بعض السكان والمنشآت الخدمية، حيث استهدفت أنظمة وألواح الطاقة الشمسية المثبتة على أسطح المباني والمنشآت العامة والخاصة، بما في ذلك تلك المقامة في المستشفيات، والمطاعم، والمخابز، ومراكز التسوق.

أزمة كهرباء غزة
تنتشر ألواح الطاقة الشمسية في الشوارع وفوق أسطح المنازل شبه المدمرة في جنوب قطاع غزة 

يقول المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن هذا القصف "يدل على وجود سياسة منظمة لدى إسرائيل لتدمير أي مصدر للكهرباء ولو جزئي، لضمان إغراق القطاع في ظلام دامس".

وقصف الاحتلال في الآونة الأخيرة المنازل والنقاط المعروفة لشحن الكهرباء والتزود بالإنترنت، التي تعتمد على ألواح طاقة محدودة، وقد وثق المرصد الأورومتوسطي عشرات المنازل والنقاط التي قصفت، فيما يبدو لهذا الهدف تحديدًا، "دون أي ضرورة أمنية أو عسكرية".

عام على حرب غزة بدون كهرباء
استخدم غزيون مولدات الكهرباء بدل غاز الطهي في إعداد الطعام

وبحسب المرصد، فإن قطع الكهرباء عن مساحة جغرافية بحجم 365 كيلو متر مربع، يسكنها 2.3 مليون إنسان، لما يقرب من عام كامل، "يكاد يكون إجراءً غير مسبوق في تاريخ الصراعات والحروب".

انهيار مرافق حياتية

ونتيجة للقطع التعسفي المتعمد للكهرباء، واجه القطاع الصحي أزمات خانقة متكررة، حيث اضطرت المستشفيات والمراكز الصحية إلى التوقف عن العمل عدة مرات بعد تدمير مولدات الكهرباء وأنظمة الطاقة الشمسية، علاوة على نقص الوقود وتعطل المولدات المتبقية نتيجة الاستخدام المتواصل، ما فاقم الوضع أكثر.

ويؤكد مدير دائرة الهندسة والصيانة في وزارة الصحة، علاء أبو عودة، أن المستشفيات ستنهار كليًا وتخرج عن الخدمة تباعًا خلال أسبوع فقط، حيث المولدات مهددة بخطر التوقف في أي لحظة، بسبب منع الاحتلال إدخال قطع الغيار والزيوت والفلاتر.

وأوضح علاء أبو عودة لـ "الترا فلسطين"، أن المولدات في المستشفيات مستنزفة نتيجة عملها المتواصل دون راحة على مدار شهور الحرب، لتعويض قطع الاحتلال إمدادات الكهرباء بالكامل، وفي حال توقفها عن العمل فإن هذا يعني "حكمًا بالإعدام" على آلاف المرضى والجرحى، خاصة المواليد حديثي الولادة في الحضانات، ومن هم على أجهزة التنفس الصناعي.

وإضافة لخطر انهيار المنظومة الصحية، فقد ساهم الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للكهرباء في التعطيش، مع توقف أو عرقلة عمل محطات تحلية المياه خاصة في شمال القطاع.

كما أن قطع الكهرباء وعدم توفر الوقود عطّل أيضًا قدرة البلديات على استخراج المياه من الآبار أو إيصال المياه في حال تمكنها من استخراجها. ونتيجة لذلك، اضطر مئات آلاف السكان والنازحين لشرب مياه ملوثة، وتراجعت حصة الفرد في القطاع من المياه بنسبة 97 في المئة، وسط دمار كبير حل بالبنية التحتية للمياه.

المولدات في المستشفيات مستنزفة نتيجة عملها المتواصل دون راحة على مدار شهور الحرب، وفي حال توقفها عن العمل فإن هذا يعني "حكمًا بالإعدام" على آلاف المرضى والجرحى، خاصة المواليد حديثي الولادة في الحضانات

ويؤكد المرصد الأورومتوسطي، أن الاحتلال يستخدم المياه كأداة لتفريغ مناطق شمال قطاع غزة من سكانها بشكل ممنهج.

وأظهر تقرير مشترك صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة المياه الفلسطينية، أن حصة الفرد الواحد من المياه في غزة انخفضت إلى 3-15 لترًا يوميًا مقابل معدل استهلاك بنحو 84.6 لترًا للفرد يوميًا خلال العام 2022.

وبالعودة إلى محمد أبو جاد، فإنه يضطر إلى شراء المياه العذبة للشرب، وكذلك للاستخدامات المنزلية، ويضطر إلى رفعها يدويًا لشقته في الطابق الثاني من عمارة سكنية، بسبب دمار شبكة المياه وعدم توفر كهرباء أو وقود لتشغيل مضخة لرفع المياه فوق الأسطح، فضلًا عن تدمير الاحتلال غالبية خزانات المياه البلاستيكية فوق أسطح المنازل.

ووفق تقرير الإحصاء وسلطة المياه، فقد أدى انقطاع الكهرباء إلى توقف نحو 65 مضخة صرف صحي، و6 محطات لمعالجة المياه العادمة، ما تسبب بمشكلات بيئية، وساهم في انتشار الأوبئة وتلوث الخزان الجوفي. ونتيجة لذلك، تفشت الأمراض الجلدية والتنفسية والكبد الوبائي، وغيرها من الأمراض المعدية.

وأكد المرصد الأورومتوسطي، أن تأثيرات انقطاع الكهرباء امتدت إلى كل مرافق الحياة الأخرى، ومنها تعطيل ما تبقى من أشكال تصنيع ولو بدائية ومحدودية، وتعطيل عمليات ري الأراضي الزراعية، والتسبب بتلف عشرات الأطنان من كميات المساعدات التي تحتاج إلى تبريد، وتشويش وتعطيل محاولات التعليم الإلكتروني عن بعد، والقضاء على آلاف فرص العمل عن بعد.