صدّق هيثم الرفاعي أن سفره لأداء مناسك العمرة ستكون رحلة "VIP"، وفقًا لوعود الشركة المنفذة التي قبضت منه مبلغ 250 دينارًا، لكن سرعان ما تبددت ظنونه، إذ انتظر لأربع ساعات تجهيز الحافلات التي اكتشف أنها عادية وليس لها خصائص "VIP"، ووجد الفندق الذي وُعد أن يكون 4 أو 5 نجوم؛ فندقًا بنجمتين، هذا إضافة لعدم حصوله ومن معه على أي متابعة أو هتمام من قبل المرشدين.
أما الشاب إبراهيم سليمان، فحرم من زيارة وادي رم ضمن رحلة سياحية مسارها العقبة – البتراء - وادي رم، وقد تذرعت الشركة باحتمالية إغلاق جسر الملك حسين مبكرًا في آخر يوم للرحلة، وأن على المسافرين أن يصلوا للجسر قبل إغلاقه، هذا إضافة لعدم التزام الشركة بالعديد من التفاصيل التي ذكرتها في برنامج الرحلة.
شركات سياحة وأخرى للحج والعمرة تخدع زبائنها بوعود لا تُنفذ وتحقق أرباحًا غير مشروعة على حسابهم
الشابة "س.د" عملت وتدربت لدى عدد من مكاتب السياحة والسفر، كشفت لـ"ألترا فلسطين" عن ما يجري وراء كواليس الرحلات التي تنظمها شركات عديدة، كأن تصحب السياح لأماكن مجانية وتأخذ منهم رسومًا، أو التوجه بهم لأماكن أقل جودة مما يُفترض، لجني أرباحٍ أكثر.
اقرأ/ي أيضًا: سيارات تأجير غير صالحة للسير على الطرقات
تؤكد "س.د" أيضًا، أن بعض الشركات تحتسب رسومًا وهمية على المسافر، مثل رسوم تعبئة طلب الفيزا لبعض الدول التي يمكن تعبئة طلباتها "أونلاين" بشكل مجاني.
وعلم "ألترا فلسطين" بشكاوى عديدة من أشخاص أُلغيت رحلاتهم في اللحظات الأخيرة، بعد أن كانوا قد حجزوها عبر شركات ومكاتب غير مرخصة، أو حتى لا يوجد مقر ثابت أو أي عنوان لها، بعد أن دفعوا ثمن التذكرة.
"ألترا فلسطين" أجرى دراسة لـ30 إعلانًا عن رحلات خارجية تم الإعلان عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تبيّن أن غالبية الرحلات تتبع لشركات عبر الانترنت، لا مقر لها ولا عنوان، هذا إضافة إلى أن 50% من هذه الإعلانات لا تذكر تفاصيل الرحلة، مثل إسم فندق الإقامة، وسير الرحلة، والرسوم المترتبة على الشركة أو المسافر.
وأظهرت الدراسة أيضًا، أن 30% من الشركات التي ذكرت اسم الفندق ومكان الإقامة، أعطت تقييمًا للفندق يزيد بنجمتين أو أكثر من التقييم الحقيقي له.
أما الرحلات الداخلية، خاصة تلك المتوجهة نحو الداخل الفلسطيني المحتل، فإن غالبية الإعلانات عنها شملت إقامة فندقية، والدخول لمناطق محتلة بدون تصاريح وغيرها، وهذا ما "افتخر" به صاحب إحدى هذه الشركات في حديثه لـ"ألترا فلسطين" قائلا: "طبعًا هذه الرحلات تتم من خلال شركات سياحة إسرائيلية بجودة عالية، ولا شو بتفكري؟ هاي الخدمة ما بتقدمها شركات عربية".
وزارة السياحة رصدت عددًا من الشركات الوهمية المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفقًا لما أفادنا به علي أبو سرور مدير عام الإدارة العامة للمهن السياحية والتراخيص في الوزارة، الذي بين أن هذه الشركات تنظم رحلات للداخل بوساطة من شركات سياحة إسرائيلية، أو شركات وهمية تتعامل مع جهات إسرائيلية غير معروفة، لها أهداف أمنية.
شركات وهمية تعمل في مجال السياحة بالضفة الغربية، تتعامل مع شركات إسرائيلية وتقدم رحلات للداخل المحتل دون تصاريح
وقال أبو سرور، إنه تم تحويل عدد من هذه الشركات للنيابة العامة لاتخاذ الاجراءات والعقوبات اللازمة.
وتخضع مكاتب السياحة والسفر لقانون السياحة رقم 45 للعام 1965، وهو، حسب أبو سرور، قانون قديم جدًا ولا يلبي طموحات واحتياجات ومشاكل السوق اليوم، ولا يقر عقوبات رادعة.
اقرأ/ي أيضًا: الضفة: محلات إلكترونيات تسرق زبائنها
وبين أبو سرور، أن الوزارة أصدرت عددًا من التعليمات لضبط هذا القطاع، كما وضعت مسودة قانون للسياحة جديدٍ على طاولة الحكومة بانتظار إقراره.
وتنص المادة (10) من قانون السياحة رقم (45) للعام 1965 على أن "كل من يخالف أحكام هذا القانون أو الأنظمة الصادرة بموجبه، يقدم للمحاكمة أمام قاضي الصلح، ولدى إدانته يغرّم بغرامة مالية لاتزيد عن مائة دينار، أو بحبس لمدة لاتتجاوز الثلاثة أشهر أو بكلتا العقوبتين".
توجهنا إلى وزارة الأوقاف سائلين عن موقفها من الشكاوى حول رحلات الحج والعمرة. سليم الأشقر مدير الإدارة العامة للحج والعمرة، شكك في بعض المعلومات، وقال، إن طواقم وزارة الأوقاف تنتشر على كافة النقاط الحدودية وتراقب أحوال المعتمرين، وترصد المخالفات والشكاوى، وتتأكد من توقيع عقود بين المعتمرين والشركة .
وأشار أن وزارته تتابع كافة الشكاوى المعروضة عليها، وفي حال ثبوتها فإنها تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة التي تتراوح بين غرامات مالية أو إغلاق الشركة. فيما أكد 50 معتمرًا من كافة أنحاء الضفة الغربية سافروا من خلال عدة شركات، أنهم لم يوقعوا أي عقد مع شركات العمرة عندما توجهوا لأداء مناسك العمرة.
وتنص المادة (11) من قانون السياحة رقم (45) للعام 1965، على أنه "يحق للمجلس المخول القيام بمهام السلطة أن يصنف أية صناعة من الصناعات السياحية، باستثناء مكاتب وشركات السياحة والسفر، إلى فئات، في ضوء مستويات خدماتها. كما يحق له أن يحدد أسعار الخدمات التي تقدم للسياح أفرادًا وجماعات".
يعلق كاظم حسونة عضو جمعية وكلاء السياحة والسفر، أن الشركات التي ترتكب مخالفات، سواء كانت مرخصة أو غير مرخصة، تنقسم لقسمين، فقد تكون سماسرة لشركات خارجية وتحصل منها على نسبة أو"كمسيون" على كل رحلة، مضيفًا، أن هذه الشركات، ربما، لا تعرف تفاصيل الرحلة فعلاً، وحتى إن عرفت فإنها لا تملك قرار التغيير أو التعديل، وهدفها الحصول على حصتها فقط.
شركات سياحة في فلسطين تعمل سماسرة لأخرى في الخارج، وأخرى تقدم خدمات بجودة سيئة لسداد ديون تورطت بها
ويبين حسونة لـ"ألترا فلسطين"، أن النوع الثاني من هذه الشركات، هي شركاتٌ ومكاتب عليها شيكات أو دفعات أو ديون مالية تحاول تسديدها عبر بيع برامج الرحلات بمبالغ أرخص، وتقليل جودة الخدمة المقدمة لإيفاء الديون المستحقة على الشركة .
ويرى حسونة، أن الفوضى في هذا السوق سببها عدم وجود قوانين رادعة، وغياب الرقابة والمتابعة من قبل الجهات المختصة، مضيفًا، "الشركات لا ترى الشرطة السياحية إلا في مواعيد الترخيص". وتابع، "هذا عدا عن انتشار المكاتب والشركات غير المرخصة عبر الإنترنت، وهذه تأخذ حصة الشركات المرخصة في السوق، ولا تدفع ضرائب أو أجرة موظفين ومقرات، أو أي مصاريف تشغيلية أخرى، وهذه الحالات أشبه بتجارة البسطات".
يذكر أن عدد شركات السياحة والسفر المرخصة في الضفة الغربية وقطاع غزة بلغ 124 شركة مقسمة إلى شركات سفر، وشركات سياحة، وشركات سياحة وسفر، أكثرها عددًا في محافظة رام الله التي تضم 44 شركة، وأقلها في غزة العيزرية وقلقيلية بواقع شركة واحدةٍ فقط في كل محافظة.
اقرأ/ي أيضًا:
شركات خاصة لاستغلال الفتيات في الضفة
في الضفة.. رخص سياقة بالواسطة والرشوة
مليونيرية يقودون عصابات الشيكات البنكية