15-يوليو-2024
رفعت العرعير

د. رفعت العرعير

 "تُعلّمنا الرواية الحياة، حتى لو عانى البطل أو استُشهد في النهاية، كما أن القصص تصقل مهارة الفلسطينيين اللازمة للحياة"، يقول الشهيد الدكتور رفعت العرعير.

 هو الذي قال أيضًا: "النساء المصوَّرات في القصص قويات ومستقلات ومثقفات وسبّاقات، ففي قصص مثل "الحاء للحياة" لحنان حبشي، و"ألم الأسنان في غزة" لـسميحة علوان، و"الضياع في لحظة" لإلهام حِلِّس، لم يعد دور النساء مقتصرًا على إنجاب الفدائيين، بل صرن هنّ الفدائيات".

بدا واضحًا دعم العرعير اللامتناهي لجيل من الكتّاب لا سيما "بناته" النجيبات في كتابة القصة القصيرة

ليس غريبًا أن معظم الكتّاب الذين اختار أستاذ الأدب الإنجليزي في الجامعة الإسلامية، نشر قصصهم باللغة الإنجليزية في كتابه "غزة تردّ بالكتابة.. قصص قصيرة من كتّابٍ شباب في غزة" الذي جاب الآفاق، هنّ من الإناث.

 لقد بدا واضحًا دعمه اللامتناهي لجيل من الكتّاب، لا سيما "بناته" النجيبات في كتابة القصة القصيرة، حيث شُهد له ببصمات لا تُحصى في تأسيسهن واكتشاف مواهبهن، وغرس فكرة حدّدها بدقة بقوله: "تصبح القصة رحلة من المبادرة، واكتشاف الذات، والنضج".

لقد استحق "رجل الأمل" مع طلابه، هذا ما قاله الناشط والصحفي البريطاني آسا وينستانلي لـ "بي بي سي"، الذي سبق أن عمل مع العرعير: "كان طلابه ومتدربوه جيشًا حقيقيًا، يكتبون باللغة الإنجليزية عن واقع العيش تحت القنابل الإسرائيلية، كان حضورًا أدبيًا لا يقاوم، وأيضًا لا مثيل له في وسائل التواصل الاجتماعي".

جدير بالذكر، أن الشاعر والأكاديمي العرعير اُستشهد في السابع من كانون الأول/ ديسمبر الماضي بعد غارة إسرائيلية استهدفت منزل أخته في مدينة غزة.

حنان حبشي
حنان حبشي

"Wow" بجانب قصة حنان

نشرت مجلة الدراسات الفلسطينية أخيرًا، ترجمة المقالة التي كان قد كتبها العرعير سابقًا، راويًا فيها قصة تحريره لكتاب "غزة ترد بالكتابة"، وكان هذا المقطع مما يلفت الانتباه، وقال فيه: "حنان حبشي هي واحدة من أهم قصص النجاح عندي، فهذه الفتاة الهادئة التي نادرًا ما تحدثت في الصف، والتي لم تكتب أي شيء بالإنجليزية من قبل، فضلًا عن كتابة القصة القصيرة، جاءت بقصة عظيمة مثل "الحاء للحياة". وقصة حنان هي قصتي المفضلة، وقد اخترت أن أبدأ الكتاب بها ليس لأنها ناضجة بشكل لافت فحسب، بل لأن حنان أيضًا، إحدى الشابات الموهوبات اللواتي لا يحتجن إلّا إلى بعض الدعم والتدريب، وكتابة قصتها ساعدتها على أن تصير أكثر نضجًا وثقة بنفسها".

حنان، الكاتبة التي بدت جديرة بما قاله أستاذها عن موهبتها، هي إحدى طلابه، وتعمل مدّرسة لغة إنجليزية، ومهتمة عمومًا بالكتابة الإبداعية ومشاريع المعرفة المجتمعية. 

تقول: "التقيت د. رفعت في مساقين، ثم بعدها بسنوات، كنتُ محظوظة بالعمل معه في قسم اللغة الإنجليزية في الجامعة الإسلامية، وقد تلّقيت الدعم المستمر منه طالبة ومُدّرسة في القسم".

تقول إحدى طالبات رفعت العرعير: "لقد ساعدنا دائمًا أن نبحث عن صوتنا وهويتنا، ومن ثم سردها عن طريق القصة القصيرة"

حنان قبل كتابة قصتها الأولى لم تفكر يومًا أن تصبح كاتبة، مستدركة حديثها لنا: "لكنه كان سببًا في أن أدرك مكامن قدراتي، أحب القصة والقراءة منذ الطفولة، وبفضل د. رفعت اكتشفت أني أحب الكتابة أيضًا، لقد وهبنا جميعًا فرصة ثمينة جدًا لاكتشاف أنفسنا عبر الكتابة".

وعن تلك القصة تسترجع المشهد: "عندما سلّمتها كنت أشعر بالخجل الشديد، لم أتوقع أنها ستعجبه أصلًا، ما أذكره هو كتابته كلمة "واو" بجانب فقرة من القصة، أعتقد أنها كانت من أسعد لحظات حياتي الجامعية".

 "ما شكّل الفارق الذي أحدثه في حياتك؟"، صمتت، ومن ثم أجابت: "اِسألي هذا السؤال لأي طالب من طلابه، ستكون الإجابة واحدة "الفارق كله"، في محاضراته كلها كان يطلب منا أن نفكر، أن ننقد، لا أتذكر أنه تحدث سابقًا عن فكرة كأنها حقيقة مطلقة، دائمًا شجّعنا على أن نشكّك في الحقائق والسرديات المتبناة".

إيمانه إلى هذا الحد بأهمية القصص في تغيير شكل العالم، تفسره حبشي حسب رأيها: "طلب منا ذات مرة كتابة قصة قصيرة لاجتياز المساق، شعرنا بضغط كبير واستصعبنا الأمر، لكن أستاذنا رفعت كان يؤمن أننا نمتلئ بالقصص التي تستحق الرواية، لقد ساعدنا دائمًا أن نبحث عن صوتنا وهويتنا، ومن ثم سردها عن طريق القصة القصيرة".

وقالت عن اختيار العرعير قصتها للحديث عنها في مقاله الافتتاحي للكتاب: "ما كتبه عني غيرّ بي الكثير، أصبحت الكتابة باللغة الإنجليزية شغفًا وأداة استخدمتها في تجربتي التدريسية لاحقًا، حقًا كان إيمانه بقدرة طلابه على خلق قصص وحيوات جديدة دون حد ويصحب بالدعم المستمر".

رفعت العرعير في لقاء مع الأطفال ليحدثهم عن أهمية القصة
رفعت العرعير في لقاء مع الأطفال ليحدثهم عن أهمية القصة

وجدت هدى طريقها ولكن..

توقّفت عند ما كتبه أحد تلامذة الدكتور رفعت العرعير وأقربهم إليه، أحمد نهاد الشيخ خليل، حيث تحدث عن أدّق التفاصيل التي تشرّبها منه، كل أساليب وأدوات البلاغة وعلامات الترقيم وتراكيب الجمل، وفي دعابة منه، قال: "حتى "السيمي كولن" -الفاصلة المنقوطة- عندما تعلّمتها منه أصبحت أضعها عشر مرات في كل نص، إلى أن نبّهني "بروح النكتة" للتقليل منها، الآن كلما انتهيت من نص راجعته جيدًا، وتخيلّته فوق رأسي يحذف الفذلكات الزائدة".

يقول الشيخ خليل إن "فضل د. رفعت كان عظيمًا على الطلاب في مشاريع التدريب والتوظيف التي كانت تُنفّذ في "حواضن التكنولوجيا والعمل الحر"، حيث دربّا سويًا مئات الطلاب، وكلهم تغيرت حياتهم بسببه، فـ"الحيوات والمواهب التي أحياها واكتشفها د. رفعت كثيرة"، يقول ذلك بينما تنسكب في ذاكرة أحمد مواقف عدة، فتخطر بباله، الشهيدة هدى السوسي.

بعد أن وجدت طريقها، العرعير يرثي طالبته.. "استُشهدت هدى في بداية الحرب، وبكيناها أنا ورفعت، قلنا يا له من توقيت لَعين اختاروه ليقضوا على حياتها بعد أن وجدت طريقها أخيرًا"

هدى التي استُشهدت في بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، جاءت إلى الحاضنة منهمكة بمشاغل الأمومة والبيت، ومنقطعة منذ سنوات عن اللغة والكتابة والعمل، تبعًا لحديثه.

ويخبر "الترا فلسطين" بقصتها: "لم يؤمن أحد بهدى، إلا هو، رأيته يجلس ساعات معها أمام الحاسوب، يوجهها ويصحّح أخطاءها ويعيد شرح بعض المفاهيم لها، وكنا، نحن بقية المدربين لا نضغط عليها بالمهام والتوجيه لانشغالها، إلى أن جاء د. رفعت في نهاية دوام أحد أيامنا التدريبية، وقف أمام الباب، ثم أعطاها نظرة التحدي خاصته، تلك التي نحفظها"، وقال: "هدى، إن ما أجيتي اللقاء الجاي وأنتِ جايبة فلوس من أول وظيفة إلك ما تيجي".

الشهيدة هدى السوسي التي تعهد د.رفعت موهبتها بالرعاية
الشهيدة هدى السوسي التي تعهد  العرعير موهبتها بالرعاية

لم تكذّب هدى خبرًا، وظلت طيلة اليوم تقدّم للوظائف، وأتت في اللقاء التالي بأول 25 دولارًا، ومضت أسابيع قليلة، وكتبت أول قصة صحفية، ونشرتها في موقع "الانتفاضة الإلكترونية" بعد أيام من العمل مع د. رفعت على تنقيح النص، "لم أرَ هدى بهذه الثقة والنشاط من قبل". 

ثم تمكنت من نشر نصوص أكثر، وحصلت على وظائف في الكتابة والترجمة، ينهي قصتها بأسف: "استُشهدت هدى في بداية الحرب، وبكيناها أنا ورفعت، قلنا يا له من توقيت لَعين اختاروه ليقضوا على حياتها بعد أن وجدت طريقها أخيرًا". 

ويُحمّل الشيخ خليل نفسه وأقرانه الشباب من كتّاب غزة هذه الأمانة، بقوله: "مهمتنا جميعًا أن نكمل طريقه، نحتاج جهودًا جماعية مكثفة لنكمل مشواره وننتهي من المشاريع التي بدأها وخطّط لها ولم يكملها، لنستمر على ما علّمنا القيام به".

د.رفعت في جلسة مع طلابه
العرعير في جلسة مع طلابه

بعد إيمان فلتُكسر الأقلام

"إيمان بشير" التي تحظى هي أيضًا بمكانة عند ملهمها، وهي معلمة للغة الإنجليزية تعمل في وكالة الغوث، لكن لم يسبق له تدريسها، بخلاف أحمد. 

كان رفعت العرعير جزءًا مهمًا من عالم إيمان، وفي نظرها "يلعب دور الراوي الساحر" وفقًا لوصفها، تدعو له من قلبها، بل من عمق روحها، وتقول بمجرد تذكره: "ألف رحمة ونور يا راجل يا طيب.. يارب نلاقي الحكمة من غيابك".

وتضيف: "عندما أعلنت إسرائيل حربها الحالية على غزة، حثّنا على البدء في الكتابة، وقال لنا إن أصواتنا يجب أن تُسمع في جميع أنحاء العالم".

إيمان بشير
إيمان بشير

كان لا مفر من أن تشاركنا الحديث، لتحكي على عُجالة، قصتها في اكتشافه موهبتها، وقالت إنها كانت في الماضي، تكتب في صفحتها الشخصية في "فيسبوك" منشورات مضحكة، تُنّفس بواسطتها عن غضبها من الحياة، وتحكي أحيانًا عن عائلتها وغزة، إلى أن كتب لها رفعت ذات مرة تعليقًا، نصحها فيه بضرورة أن تكتب باللغة الإنجليزية.

تقول: "بدا لي ثناءً عاديًا كأي أحد غريب، لم آخذ كلامه على محمل الجد، كما أني كنت أحب الكتابة بالعربية أكثر، ولا أفضّل الإنجليزية".

‏وتضيف: "دعاني إلى المشاركة في دورة له عن الكتابة الإبداعية، وحين رآني أتلكأ، سجّل الطلب وألحقني بها، رغمّا عني، كنت وقتها متعبة بسبب الحمل، وذهبت على مضض".

تكمل القصة: "ذات مرة طلب منا واجب قصة قصيرة، وظل يهدد ويتوعد إلى أن كتبت قصة غير مكتملة، والكتابة عند رفعت العرعير أمر عظيم لا يجامل فيه البتّة، المهم أني نشرت قصتي في المجموعة الخاصة بالطلاب المشاركين في الدورة، وإذ به يكتب تعليقًا غيّر حياتي إلى الأبد: بعد إيمان فلتُكسر الأقلام".

واستطردت: "بعدها تشجّعت وكتبت قصتين، ساعدني على نشر إحداهما، ثم نشرتُ تغريدة تطرقت فيها إلى معاناة الأمهات في الحرب، وأهمية الكتابة باعتبارها أداة لتبيان حقيقة الصراع في فلسطين، وإذ برشيدة طليب -عضوة الكونغرس الأميركي من أصل فلسطيني- تستشهد بالتغريدة في خطاب لها أمام البيت الأبيض". 

‏بعد هذا الحدث، مازحته إيمان بقولها إنها فاقته شهرةً، ومن ثم جمعتهما اللقاءات الدورية التي استهدف بها رفعت الطلاب الذين توسَّم فيهم النور، وعملت معه في مشروع، وأعطت برفقته تدريبًا يختص بالكتابة الكوميدية، ثم أصبحت العلاقة عائلية.

ولعل من اللطيف الإشارة إلى صداقة عذبة جمعت رفعت بهذين الاثنين، إيمان وأحمد، حيث يروي الأخير لـ "الترا فلسطين" قصة قصيرة "شخصية": "حكى لنا رفعت قصصًا كثيرة عن مشاكساته في الطفولة، كان هناك شخص دائم الحضور اسمه فادي، لم نقابله ولو لمرة، وبحكم الزمالة والصداقة والعلاقة العائلية بتُ أعرف الناس كلها في قصصه تقريبًا، خصوصًا دائمي الذكر، إلا فادي الذي لم أقابله أو أسمع عنه من أحد غيره، ومع الوقت بدأنا أنا وإيمان نبني "نظرية مؤامرة" تقوم على أن فادي هو د. رفعت نفسه، كأننا في فيلم "Fight Club"، وفي مرة، صوّر لنا مقطعًا مع صديقه "فادي بكرون"، ليثبت لنا أنه "حقيقي"، وذلك من شدة متانة نظرية المؤامرة التي بنيناها، لكننا لم نتنازل، ولُمنا الذكاء الاصطناعي حينها". 

سحبَ رشا إلى النور

عملت رشا غباين مسؤولة "قسم الترجمة والإعلام الأجنبي" في وزارة الأسرى والمحررين.وأصبحت تغرق هذه الأيام في شقاء النزوح، وقد تعبت من قولها "تَعبت"، تتشبث جاهدة بما حاول أن يفني "رائد القصة"- كما يُطلق عليه- عمره في سبيل أن تتجذّر رؤيته: "نحن الفلسطينيون، ومهما كانت نتيجة ما يحدث، لم نفشل، فعلنا ما بوسعنا، ولم نخسر إنسانيتنا".

تذكر أنها تعرّفت عن قرب إلى الأستاذ رفعت العرعير في عامها الجامعي الرابع، حين درّسها مساق "الأدب الرومانسي"، ووصفته: "كان أول شخص جعلني أؤمن حقًا بنفسي، رأى جانبًا في شخصيتي لم أكن أعيره الكثير من الاهتمام، منحني الثقة أنني أستطيع مجاراة غيري ممن يمتلكون موهبة الكتابة والتعبير، بتّ أكثر جرأة وقدرة على الخوض في ميادين الكتابة وخاصة ما يتصل بالمحتوى الإبداعي".

وتشير إلى أنه كان من ضمن متطلبات المساق المذكور، تكليف له نصيبٌ كبير من العلامات، وبموجبه عدد من الخيارات إحداها كتابة القصة القصيرة، شرط أن تحتوي على الملامح الأساسية لتلك الحقبة الأدبية.

د.رفعت مع طلبته في الجامعة الإسلامية
العرعير مع طلبته في الجامعة الإسلامية

تواصل في السياق ذاته: "كتبتُ حينها قصة عن عالمٍ خيالي سافرت إليه، وقبل التسليم عرضتها على إحدى طالباته السابقات، طمأنتني أنها ستلقى إعجابه وخفّفت تردّدي، كانت هذه بداية معرفة رفعت بي، أنا التي كنت أفضّل الظلّ في كل حياتي، بدأ هو بسحبي إلى النور خطوة خطوة، هو يعرفُ الكاتب بمجرد رؤيته، أخبرني أنني كتبت قصة رائعة، وأنه عاشها بكل تفاصيلها، مؤكدًا أني أتقن إحدى مهارات الكتابة الأساسية، وهي جعل القارئ يعيش ويتخيل كل ما كُتب". 

والنتيجة، أن الشهيد رفعت منحها علامة A- لأنه لم يكن مقتنعًا كثيرًا بالخاتمة، كما توضح، "هذه علامة مرتفعة مقارنة بغيري، والخبر السار أنه طلب مني إعادة تشكيل الخاتمة لرغبته بالاحتفاظ بنسخة من القصة، وهكذا حفظ اسمي، وأخذ يدعوني لورشات عمل تتصل بالكتابة حتى يتسنى لي الاطلاع من كثب على ما يحدث في عالم القصة".

حرصت رشا على متابعة ما ينشره أستاذها دومًا، مستفيدة من ملاحظاته القيّمة لما تكتبه، مضيفة: "ما عرفته منه يقينًا أن الكاتب يجب أن ينفرد بأسلوبه بعيدًا عن تقليد أحد".

ومن امتنانها له، تؤكد أنه كان داعمًا جدًا في النواحي كلها، حتى في المسائل التي لا علاقة لها بالكتابة، وتزيد بالقول: "آخر محادثة بيننا كانت استشارة للتسجيل في برنامج الماجستير، فأسدى لي نصائح عدة".

وأضافت: "في عام 2022، وبحكم عملي في وزارة الأسرى وقتئذ، نظّمت مسابقة على مستوى الوطن العربي في كتابة القصة القصيرة باللغة الإنجليزية، بحيث يتقدم المتسابقون بقصة تدور بشكل أو بآخر عن حياة الأسرى أو جوانب معاناتهم أو ما يتعلق بنصرتهم، طلبت من رفعت أن يكون عضوًا في لجنة التحكيم، ولم يرفض طلبي رغم انشغاله، وسلّمته ما يربو عن 30 قصة لقراءتها وتقييمها، ولم يبخل بدعم هذا النشاط حتى لحظة إعلان النتائج".

وتأسف لما آل إليه مصير تلك القصص، حيث جُمعت وطُبعت في كتاب لنشرها، لكن الحرب منعت إتمام الخطوة الأخيرة وهي توزيعه، جراء احتراق نسخ الكتاب جميعها.

حفظت رشا قصيدته التي فاحَ مسكها، عن ظهر قلب "إذا كان لابد أن أموت فعليك أن تعيش أنت لتروي حكايتي"

ومن جهة أخرى، حفظت رشا قصيدته التي ذاع صيتها، عن ظهر قلب "إذا كان لا بد أن أموت فعليك أن تعيش أنت لتروي حكايتي".

تقول في هذا الصدد: "بعد استشهاده صار وقعها على النفس أصعب، أذكرُ يومها أني بكيت كثيرًا، وكلما قرأتها أجهشت في البكاء، في كلّ مرة أرى اسمه أو صورته أو أرى صورة أحد يرفع هذه القصيدة عاليًا، أتمنى لو أنه لم يمت، لو أنه عاش طويلًا ليشهد الحكايا كلها لنرويها معًا".

وترى غباين أنه كان يستحقُ أن يعيش ليرى حفيده الأول، وأن يشيخَ بين أحفاده ليروي لهم القصص بطريقته، ليكون معلمهم الأول، حسب تعبيرها.

موضحةً: "كان شجاعًا معطاءً لا يثنيه عن بلاده شيء، صاحب مبدأ في الحياة، يسخّر جُلّ وقته وعلمه ليناقش وينشر ويلقي الضوء، سلاحه هو عقله ولسانه ويده، مسلطًا إياهم على كل من مسَّ حق الفلسطيني بسوء، وعلى كل من تخاذل".

وبدورها، توجه رسالة لجيل الشباب المهتم بالكتابة: "ما نعيشه الآن يستلزم من الجَمع المثقف في البلاد أن يحشد طاقته ليدحض الصور كلها التي يُصدّرها أعداء القضية، هناك أمل، صوتنا الفلسطيني أخذ يصل وينتشر، وهذا ما رأيناه بعد رحيل أستاذنا في المظاهرات الطلابية في مختلف بِقاع الأرض".