24-نوفمبر-2016

يحبس سكان خمس قرى تقع جنوب مدينة دورا أنفسهم داخل منازلهم، على مدار العام، ويغلقون نوافذها وأبوابها مفضلين الاختناق داخلها، على استنشاق رائحة مجاري المستوطنات التي تمر بالقرب من منازلهم، ومحاولين منع دخول البعوض المُقبل على المجاري إليها، غير أن المشكلة لا تكمن هنا فقط، فهذه المجاري "أهلكت الحرث والنسل"، كما يقولون.

قرى "أبو العسجا" و"أبو الغزلان" و"أبو العرجان" و"رابود" و"كرزا" التي يسكنها 6400 نسمة، ويجمعها مجلس بلدي واحد، تعاني منذ ثمانينات القرن الماضي أزمةً معيشيةً متفاقمةً جراء مرور مجاري مستوطنات "كريات أربع" و"خارصينا" و"حجاي" و"عتنائيل" من أراضيهم، وانضمام مجاري بلدية الخليل وبلدية يطا إلى جانبها أيضًا، دون أي حلول أو حتى وعود حقيقية بالحل.

تبلغ كمية المياه العادمة التي تضخها المستوطنات في الضفة 40 مليون متر مكعب سنويًا، و90% من المياه العادمة غير معالجة

يتحدث نعيم النمورة (57 عامًا) عن حرمانهم من هواءٍ نظيفٍ، وانبعاث الروائح الكريهة في كل حينٍ ملوثة أي نفسٍ يحاولون استنشاقه، هذا إضافةً إلى هلاك أشجار الزيتون المزروعة في الأراضي التي تمر منها المجاري، نتيجة الأضرار التي لحقت بالتربة والمياه الجوفية.

اقرأ/ي أيضا: نفايات "ديمونا".. قاتل صامت في الخليل

فيما يقول محمد النمورة (52 عامًا)، إن الزواحف والقوارض التي تخرج من المجاري حولت منزله إلى سجن، حتى أصبح يفكر بالهروب من المنطقة لكنه لا يجد بديلاً، موضحًا، أن أبناءه وأبناء جيرانه أصيبوا بأمراضٍ جلديةٍ نتيجة لدغات الحشرات التي تتكاثر على جنبات المجاري.

وتبلغ كمية المياه العادمة التي تضخها المستوطنات المقامة في الضفة الغربية حوالي 40 مليون متر مكعبٍ سنويًا، كما أن 90% من المياه العادمة غير معالجة، وتصرف في الأودية الفلسطينية والأراضي الزراعية مثل وادي النار، ومناطق جنوب مدينة الخليل، ووادي قانا، حسب أرقام وزارة البيئة.

وتصاعدت الأزمة في تجمعات القرى بعد قيام بعض مصانع الحجر في مدينتي الخليل ويطا بضخ مياه مصانعها إلى المجاري ذاتها.

ولفت سمير النمورة رئيس المجلس البلدي المشترك للقرى الخمسة إلى عدم استجابة الجهات الرسمية للمناشدات والرسائل الصادرة من المجلس والسكان، التي طالبت بوقف الانتهاكات بحق الأهالي والبيئة الفلسطينية، ووضع حد للخرق الفاضح للقانون الفلسطيني.

وأكد النمورة، أن مسؤولين كثر زاروا المنطقة مرارًا واطلعوا على حجم الأضرار التي تلحق بهم، وأطلقوا وعودًا لم تدخل حيز التنفيذ، ولم تعد تجد من يصدقها من سكان القرى، مضيفًا، "يجب على الأقل أن يتم رش المنطقة بشكل دوري بالمبيدات وتنظيفها، خاصةً في المنطقة الواقعة قرب التجمعات السكنية".

وأقر مدير مديرية الصحة في جنوب الخليل فوزي الرجعي في حديث لـ "ألترا فلسطين"، بانتشار أمراض فطرية وأمراض الديدان بالدرجة الأولى في هذه التجمعات، مضيفًا، أن هناك حالات كثيرة من الأمراض الجلدية والصدرية أيضًا، تركزت بين الأطفال وكبار السن.

وأشار الرجعي إلى أن بعض الحالات المرضية تضاعفت ووصلت حد الوفاة، مبينًا، أن أضرار المجاري تمتد حتى تصل إلى مسافة 4 كم في محيطه.

وتقدر أعداد المتضررين نتيجة السيل حوالي 100 ألف نسمة، حسب أرقام مكتب التنمية والتخطيط في محافظة الخليل. فيما تقدر مساحة الأراضي المتضررة من المياه العادمة المتدفقة في السيل بـ500 دونم.

وتشير المعطيات أيضًا إلى تضرر مئات الأشجار المزروعة في المنطقة، 90% منها أشجار زيتون، فيما كانت بقية الـ10% من اللوزيات والخضراوات.

مجاري المستوطنات المقامة في الخليل تسبب أمراضًا جلديةً وفطريةً لسكان قرى جنوب دورا تطورت في بعض الحالات إلى الوفاة

وقال مدير عام التنمية والتخطيط في محافظة الخليل فريد اعمر، إن القضية خضعت للنقاش مع بلديتي يطا والخليل والهيئات المعنية لسنوات دون التوصل لأي حلول، محملاً البلديات التي تلقي مخلفاتها في السيل جزءًا من المسؤولية عن المشكلة.

اقرأ/ي أيضا: الضفة.. مقبرة نفايات "إسرائيل" السامّة!

وأضاف اعمر لـ"ألترا فلسطين"، "قدمت بلديات يطا والظاهرية والخليل عام 2004 مشروعًا للبنك الدولي بتكلفة 40 مليون دولار، لإقامة محطة تكرير بين الخليل ويطا. لكن، حسب الدراسات التي أجريناها يتبقى مسافة 20 كم من السيل دون تغطية، ويحتاج مشروع المحطة لـ65 مليون دولار، لاستعمال المياه المكررة في ري المزروعات".

وقال رئيس مجموعة الحق في القانون في فلسطين المحامي غاندي الربعي، أنه تم رفع قضية ضد الخزينة الأمريكية التي تدفع 15 مليار دولار سنويًا للمستوطنات، دون الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد القانونية للتبرع، وما ينتج عنه من أضرار وانتهاكات حسب تعريف القانون الدولي.

وأضاف الربعي لـ "ألترا فلسطين"، "رفعنا بأسماء مواطنين فلسطينيين قضية أخرى ضد 40 شركة ورجل أعمال ومستثمر أمريكي في المحكمة الرئيسية في واشنطن، ودفعت شركة G4S الأمريكية مليون دولار للانسحاب من القضية ولكننا رفضنا، ونطالب بتعويضات بقيمة 34 مليار دولار للمتضررين من مخلفات مجاري المستوطنات في جنوب دورا، لكن لم يصدر الحكم في القضية حتى اللحظة".

ويؤكد المهندس الزراعي عرفات الزبيدي، أن سيل المجاري يترك مخلفاتٍ تدمر التربة والحياة النباتية في المنطقة، دون وجود أي سبل لمعالجتها حتى اللحظة، هذا إضافةً للتلوث المباشر الذي تسببه للمياه الجوفية، وقد أجبر ذلك الجهات المسؤولة على إغلاق بئر للمياه الجوفية لسنوات عديدة في المكان.

وكانت منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان أفادت في تقرير نشرته مؤخرًا بأن المستوطنات في الضفة الغربية والبالغ عددها 121 مستوطنة باستثناء القدس المحتلة، تنتج وفقًا للتقديرات نحو 17.5 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي في العام، حيث إن نسبة المياه العادمة غير المعالجة الناتجة عن نشاط المستوطنين بنحو 34 %.

وأشارت المنظمة إلى أن هناك مستوطنات غير مرتبطة بشبكات الصرف الصحي، وتنتج نحو 5.5 مليون متر مكعب من المجاري في العام، ولا تتم معالجتها مطلقًا، ويتم ضخ هذه المياه تجاه الوديان والجداول في أنحاء الضفة الغربية، ما ينذر بكارثة صحية وبيئية.

اقرأ/ي أيضا:

"النايس جاي" تغزو القدس "ببلاش" وبغطاء إسرائيلي

غزال الجبل الفلسطيني: ارحموني

بالوثائق.. "مقام يوسف": عندما يعبث السياسي بالديني