20-يونيو-2024
عاطف الحوت

مدير مجمع ناصر الطبي عاطف الحوت (الترا فلسطين| أحلام حماد)

أكد الطبيب عاطف الحوت، مدير مجمع ناصر الطبي في خانيونس، أن خطر انهيار الخدمات الطبية في المجمع بمستشفياته الثلاثة (الجراحة والباطنة، والنساء، والأطفال) مازال قائمًا، نتيجة النقص الكبير في الكادر الطبي، وفي الوقود، والمخاوف من أن يعاود جيش الاحتلال عدوانه على المستشفى كما فعل في مستشفى الشفاء، خلال حديث خاص لـ"الترا فلسطين".

الطبيب عاطف الحوت، الذي كان خارج قطاع غزة عند إطلاق إسرائيل حربها المدمرة، يؤكد أنه كان مستعدًا لدفع المال من أجل العودة إلى غزة، للقيام بواجبه الإنساني والمهني، وللبقاء بجوار عائلته.

عاطف الحوت: وجدنا في مجمع ناصر الطبي مقابر جماعية عشوائية دفن فيها الاحتلال عشرات الفلسطينيين، الذين ربما أعدمهم ميدانيًا

وبذلت إدارة مجمع ناصر الطبي في الشهور الماضية جهودًا مضنية من أجل إعادة تشغيل المجمع، الذي اقتحمته قوات الاحتلال وعاثت فيه فسادًا وتدميرًا إبان اجتياحها البري لمدينة خانيونس الذي بدأ في مطلع كانون الأول/ديسمبر 2023 واستمر لأربعة شهور.

الترا فلسطين التقى الطبيب عاطف الحوت في مكتبه في مجمع ناصر الطبي، وأجرى معه الحوار التالي.


الترا فلسطين: كيف وجدتم مستشفى ناصر عندما عدتم إليه بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي منه؟

عاطف الحوت: قبل الحديث عما فعله الاحتلال في مجمع ناصر بمستشفياته الثلاثة من فساد وتدمير، لابد من الإشارة إلى أن المجمع خرج عن الخدمة عندما حاصره الاحتلال لنحو أسبوعين، قبيل اقتحامه في الأسابيع الأخيرة من عمليته العسكرية البرية التي استمرت لأربعة أشهر في مدينة خانيونس، فقد كان لهذا الحصار أثره السلبي الكبير على المجمع، وتراكمت النفايات فيه، واضطررنا كذلك إلى دفن 220 من جثث الشهداء والموتى في قبور منفصلة داخل ساحات المجمع، لتعذر الخروج والوصول إلى المقابر نتيجة الخطر الشديد.

وبعد الاقتحام عاثت قوات الاحتلال فسادًا في مجمع ناصر، خاصة داخل المباني، ودمرت كل الأجهزة الطبية التي تحتوي على شاشات، وشبكات الإنترنت، والمختبر، والأبواب والأثاث، وتعطلت شبكة الصرف الصحي، وشبكة الكهرباء، وشبكة المياه، ومحطة الأوكسجين المركزية، وبالتالي يمكن وصف المجمع في ذلك الحين بأنه "خرابة ومكرهة صحية".

وجدنا في مجمع ناصر مقابر جماعية عشوائية دفن فيها الاحتلال عشرات الفلسطينيين، الذين ربما أعدمهم الاحتلال ميدانيًا، فضلًا عن قيامه بنبش القبور واستخراج الجثث ونقل أعداد منها لفحصها، قبل أن يسلم لاحقًا 80 جثة عبر معبر كرم أبو سالم، دون أن يسلم أي بيانات عنها، وتم دفنها في مدينة رفح.

الترا فلسطين: رغم ذلك، قررتم إعادة تشغيل مجمع ناصر، إلى أين وصلت جهودكم في هذا الصدد؟

عاطف الحوت: بمجرد انسحاب الاحتلال من  مجمع ناصر الطبي، وعودتنا إليه، كانت الرؤية بضرورة إعادة تهيئة وتشغيل المجمع من جديد، وزادت أهمية ذلك مع التهديدات الإسرائيلية في ذلك الحين بشن عملية عسكرية برية ضد مدينة رفح، وهو ما حدث فعلًا، وتسبب فيما كنا نخشاه من توقف كل المنظومة الصحية في مدينة رفح عن العمل، وخروج كل المرافق فيها عن الخدمة، وبالتالي ازدياد الحاجة لمجمع ناصر مع حركة النزوح الكبيرة من مدينة رفح باتجاه مدينة خانيونس والمنطقة الوسطى من القطاع.

تركزت جهودنا بداية على ثلاثة أقسام وهي: غسيل الكلى، والحضانة، والنساء، والولادة، ونجحنا في تشغيل هذه الأقسام، إضافة لقسم الاستقبال والطوارئ، قبل بدء العملية العسكرية في رفح في 7 أيار/مايو الماضي.

وكان الاهتمام بهذه الأقسام تحديدًا لأن اجتياح رفح يعني خروج مستشفى أبو يوسف النجار عن الخدمة، وهو الذي يحتوي على قسم غسيل الكلى الوحيد في رفح، وخروج مستشفى الهلال الإماراتي عن الخدمة، وهو الوحيد المتخصص بالنساء والولادة ويحتوي على قسم حضانة، وهذا سيجعل الحاجة ماسة لوجود هذه الخدمات غير المتوفرة في جنوب قطاع غزة.

كان التحدي كبيرًا بعدما أحرق الاحتلال مبنى غسيل الكلى بالكامل، إذ كان يضم 35 جهازًا، لم ننقذ منها سوى 10 أجهزة متعطلة، ورغم ذلك نجحنا في إعادة فتح قسم غسيل الكلى في مبنى آخر كان مخصصًا لفحص الأنسجة على مساحة صغيرة تقدر بنحو 60 مترًا مربعًا، وزودناه بـ 24 جهازًا، منها 15 جهازًا وفرتها منظمة الصحة العالمية، و9 أجهزة تم نقل بعضها من مستشفى أبو يوسف النجار وأصلح مهندسون عددًا من الأجهزة المتعطلة، وإضافة إلى ذلك نجحنا في ترميم محطة التحلية الخاصة بالقسم والتي كانت شبه مدمرة.

وبالنسبة لقسم الحضانة، فقد دمر الاحتلال 14 حضانة من أصل 25 حضانة، وأعدنا افتتاح القسم بالاستعانة بحاضنات من مستشفى الهلال الإماراتي، وبحاضنات تبرعت بها اليونيسيف لوزارة الصحة، وحاليًا يعمل القسم بطريقة المراقبة المباشرة بعدما دمر الاحتلال آلية الرقابة المركزية.

وأما بخصوص النساء والتوليد، فقد دمرت قوات الاحتلال أجهزة فحص الجنين، وكل جهاز طبي يحتوي على شاشة، وإن كان وضع هذا القسم أفضل حالًا من غيره، وتمكنا من إعادة تشغيله من جديد.

الترا فلسطين: وكيف انعكس عليكم الاجتياح البري الإسرائيلي لمدينة رفح؟

عاطف الحوت: بدأنا إعادة ترميم وإحياء مجمع ناصر في مطلع شهر نيسان/أبريل الماضي، ولكن مع إطلاق الاحتلال عمليته العسكرية البرية على رفح، أعلنا عن تشغيل المجمع بالكامل، رغم التحديات والمعوقات الكبيرة، وأبرزها الكهرباء، حيث كان الاحتلال قد دمر كل مولدات المجمع، فلجأنا إلى استعارة مولد من مستشفى غزة الأوروبي، ونعمل عليه بالحد الأدنى.

حاليًا، نستخدم المولد للإنارة والأجهزة الطبية الضرورية، وبدلًا من تشغيل 3 محطات توليد أكسجين نشغل محطة واحدة فقط، ونجحنا في إصلاح مولد من أصل 5 من مولدات المجمع، ولكن الضغط كبير على المولدين ولا تتوفر مولدات في الأسواق أو قطع غيار جراء الحصار الإسرائيلي الخانق وإغلاق المعابر، وبالتالي ورغم النجاح في تشغيل المستشفى بنسبة 100% إلا أنه لدينا مخاوف كبيرة من انهيار الخدمة في أي لحظة.

الترا فلسطين: لماذا هذه المخاوف؟

عاطف الحوت: بسبب عدم توفر الوقود والذي سيؤدي في حال نفاده إلى انخفاض نسبة تشغيل المجمع من 100% إلى 30% فقط، وكذلك لأن مشكلة الصرف الصحي لم تحل بشكل جذري، وإضافة لذلك منذ شهر لم تصلنا أي من المهمات والأدوية الطبية.

كما لدينا نقص في الطاقم الطبي، فمن بين 1500 موظف يتواجد 1000 على رأس العمل، أما الباقي فقد غادر البلاد، وتعتقل قوات الاحتلال حاليًا 51 موظفًا من مجمع ناصر الطبي، كما اعتقلت آخرين على الحواجز العسكرية خلال استجابتهم لأوامرها بمغادرة المجمع، وأفرجت في أوقات سابقة عن 6 فقط، ولا تزال تحتجز الآخرين وعلى رأسهم مدير مستشفى الجراحة في مجمع ناصر الدكتور ناهض أبو طعيمة، ومن بين المعتقلين أيضًا ركائز العمل في مستشفى العظام، ولذلك نعاني من عجز شديد بالكادر.

عاطف الحوت: لدينا نقص في الطاقم الطبي، فمن بين 1500 موظف يتواجد 1000 على رأس العمل، أما الباقي فقد غادر البلاد، وتعتقل قوات الاحتلال حاليًا 51 موظفًا من مجمع ناصر الطبي

شخصيًا، لدى هاجس من أن تعاود قوات الاحتلال حصار مجمع ناصر الطبي واقتحامه مرة ثانية على غرار ما فعلت في مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، بدون أي مبرر، ورغم وجود 4 منظمات طبية دولية تعمل داخل المجمع، وهي شاهدة على أن المجمع طبي وإنساني فقط.

في حالة حدث الاقتحام مرة ثانية لمجمع ناصر، ستنهار الخدمات الطبية في المجمع كليًا، علمًا بأن نسبة إشغال المجمع حاليًا 100%، ويقدم خدماته لزهاء مليون و200 ألف نسمة من سكان مدينة خانيونس والنازحين، الذين يتواجد غالبيتهم في منطقة المواصي، ومع الإشارة أيضًا إلى أن 1500 حالة تتردد بشكل يومي على قسم الاستقبال والطوارئ.

الترا فلسطين: كنت خارج غزة عند اندلاع الحرب، ثم عدت في فترة الهدنة المؤقتة في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، لماذا؟

عاطف الحوت: لأنني طبيب وهنا أهلي، وكنت على استعداد لدفع المال من أجل العودة، وعندما حقق معي ضباط الاحتلال داخل المجمع عن عملي والأسرى الإسرائيليين أخبرتهم أنني لم أكن في غزة يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر وكنت في زيارة علمية لألمانيا، وقد عدت إلى غزة مع أول فرصة، فهذا واجبي وحق أهلي في غزة علي كطبيب وكمواطن فلسطيني.

الترا فلسطين: برأيك لماذا يستهدف الاحتلال المستشفيات والمرافق الصحية؟

عاطف الحوت: باختصار شديد، هذا تدمير ممنهج للبلد بهدف جعلها غير قابلة للحياة، ودفع السكان نحو الهجرة.