26-يوليو-2024
مدير المستشفيات الميدانية في قطاع غزة، الطبيب مروان الهمص

مدير المستشفيات الميدانية في قطاع غزة، الطبيب مروان الهمص

كشف مسؤول في وزارة الصحة بقطاع غزة عن أنّ الاحتلال الإسرائيلي يستخدم في حربه المستمرّة منذ 10 أشهر، أسلحة جديدة وفتّاكة تسبب إصابات غير معهودة، وتؤدي إمّا إلى القتل الفوري وبأعداد كبيرة في الميدان، أو جروحًا شديدة وحالات بتر، والتهابات ومضاعفات تؤدي لاحقًا إلى الوفاة.

الطبيب مروان الهمص: المحاولات كلها لإنقاذ الأطراف من البتر تبوء بالفشل، بسبب نوعية الأسلحة المستخدمة، وبسبب الالتهابات التي تصيب الأعضاء المصابة

وفي حوار خاص مع "الترا فلسطين" كشف مدير المستشفيات الميدانية الطبيب مروان الهمص عن أنّ "جرحى ومرضى يسلمون أرواحهم، يوميًا، نتيجة مضاعفات جروحهم أو مرضهم، مع حالة انهيار الخدمات في مستشفيات قطاع غزة، وتوقف حركة السفر عبر معبر رفح البري للعلاج في الخارج".

وأكد الهمص الذي عايش الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة ابتداءً من العام 2008-2009 مرورًا بأعوام 2012 و2014 و2021، وما بينها من جولات تصعيد، لكنّها كلها مجتمعة لا تصل إلى مستوى الإجرام الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي في حربه المتصاعدة للشهر العاشر على التوالي، ومنذ اندلاعها في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.


  • تحدثت في الآونة الأخيرة عن إصابات غير معهودة، هل لك أن تفسّر؟

لك هذا المثال القريب، وصلنا بالأمس القريب أطفال جرحى حالات بتر مع تهشّم عظام، وجرحى بلا رؤوس، إضافة إلى حروق تزيد عن 35% من أجسادهم، وهي نسبة مرتفعة للغاية بالنسبة لجسد طفل، ما يعني أنها حروق من الدرجة الرابعة.

  • هل هذا ما دفعك إلى الاعتقاد باستخدام الاحتلال أسلحة جديدة في حربه على غزة؟

نعم، الملاحظ أن هناك أسلحة جديدة تستخدمها قوات الاحتلال الإسرائيلي، أشدّ فتكًا، من أجل ارتكاب مجازر مروعة، والتسبب بالإعاقة وحالات البتر في أوساط المدنيين، خاصة الأطفال والنساء، ونشاهد ونعاين يوميًا إصابات غير معهودة. ورغم التدخلات الطبية، إلا أن الالتهابات تعاود الجرحى وتزيد المضاعفات، وهو ما يؤدي إلى تكدّس الجرحى في أقسام المستشفيات التي لم تعد قادرة على مواجهة الأعداد الهائلة من ضحايا الحرب، وتوشك على الانهيار في أي لحظة.

وهناك ملاحظة مهمة جدًا وخطيرة أن المحاولات كلها لإنقاذ الأطراف من البتر تبوء بالفشل، بسبب نوعية الأسلحة المستخدمة، وبسبب الالتهابات التي تصيب الأعضاء المصابة سواء الأطراف أو أي عضو أو جزء بالجسم، ولدي مثال لشاب يدعى محمد عبد الرحمن الهمص أصيب بعيار ناري من طائرة كواد كابتر، ويبدو أنه عيار يحمل أنواعًا من السموم، وتم التدخل الطبي وإجراء العمليات المطلوبة، وكانت عمليات ناجحة 100% على مدار أسبوعين، ولكن داهمت هذا الشاب الجريح (19 عامًا) التهابات بالبطن تسبب موت الأنسجة، وقمنا بتدخل جراحي آخر، ولكن فاضت روحه والتحق بقوافل الشهداء.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أنني كنت بصدد إجراء دراسة حول زيادة حالات الإصابة بالسرطانات بعد كل حرب تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة، خاصة المناطق الأكثر عرضة للصواريخ والقذائف، ولكن ليس لدينا المختبرات اللازمة لإجراء الفحوص التي تثبت أن المتسبب بهذه الحالات هي أسلحة العدو الإسرائيلي.

الحرب الحالية لا مثيل لها مطلقًا، وأنا عايشت كل الحروب الإسرائيلية على غزة، غير أن الحرب الحالية أظهر فيها الاحتلال همجية عالية من حيث مستوى العنف والإجرام، ونوعية الأسلحة والمتفجرات المستخدمة ضد هذا القطاع الصغير الذي يسكنه أكثر من مليونين و200 ألف نسمة تشكل الكثافة السكانية الأعلى على الصعيد العالمي.

  • هل تندرج حالات البتر المرتفعة خاصة لدى الأطفال ضمن هذه الشواهد؟

الأرقام صادمة في هذا الإطار، ويوميًا نشاهد على أرض الواقع حالات إصابات موجعة، خاصة البتر في الأطراف السفلية غالبًا، وكذلك هناك حالات بتر في الأطراف العلوية، وخلال العملية العسكرية البرية الحالية لقوات الاحتلال الإسرائيلي في مناطق شرق مدينة خانيونس، والقصف المكثف على مناطق كثيرة من المدينة، شاهدنا حالات لشهداء مبتوري الرؤوس، وخروج الدماغ من الجمجمة.

وبالأمس على سبيل المثال كان هناك استهداف بصاروخ من طائرة إسرائيلية مسيرة لشابين أحدهما من عائلة النجار لا يتجاوز 17 عامًا، وتسبب له ببتر في الساقين، وكذلك تهشّم في كل الأطراف العلوية، وإصابة بالرأس، ووصلنا في أنفاسه الأخيرة واستشهد، وكان مشهد أهله مؤثرًا ومحزنًا، وهم يرجون له الحياة، ولكن واقع الإصابة يقول غير ذلك، حيث أصيب ببتر وحروق وجروح غائرة في الرأس.

والآن أخبرني الأطباء أن جريحًا أصيب الأسبوع الماضي ببتر في إحدى ساقيه، وسيخضع لعملية بتر للساق الأخرى، نتيجة تعرّضه لالتهابات وانتشار الدود داخل الجرح، وهذه الحالة لم تكن لدينا عادة، وليست معهودة في المواجهات والحروب السابقة، لكن هذه الحرب وكأن السلاح مسبب للأمراض وللالتهابات الجروح، وبالتالي تؤدي إلى بتر ثم بتر أعلى حتى الاستشهاد.

  • ما الإحصائيات المتوفرة لديكم لحالات البتر في أوساط جرحى الحرب؟

بعد نزوحنا من مدينة رفح وإخلاء مستشفى أبو يوسف النجار أتواجد وأعمل في مجمع ناصر الطبي، وأشاهد يوميًا مثل هذه الحالات، ومثلما قالت منظمة الصحة العالمية، فإن 11 ألف حالة بتر تسبب بها الاحتلال خلال الحرب الحالية على قطاع غزة من بينها 4 آلاف طفل، وهي نسبة الأطفال من بين ضحايا الحرب؛ حيث إن زهاء 45% من الشهداء والجرحى هم من الأطفال، و75% من إجمالي الضحايا العام سواء شهداء أو جرحى هم من الأطفال والنساء، أي أنهم من الفئة الأكثر هشاشة بالمجتمع وهي فئة المدنيين داخل المنازل الآمنة، أو في الشوارع والأسواق وحتى في خيام ومراكز الإيواء.

  • إلى ماذا تؤشر هذه النسب المرتفعة؟

تشير بكل وضوح إلى إجرام الاحتلال، وأنه يستهدف المدنيين الآمنين، خاصة النساء والأطفال، ويمارس الكذب والتضليل بهذا الشأن، ويشكك في أرقام الضحايا، مثلما وقف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي يكذب ويكابر ويدعي أن جيشه أخلاقي ويتحرى الدقة.

  • من الناحية الطبية هل تخفي هذه الحرب آثارًا أخرى من الضرر؟

بكل تأكيد، فالاحتلال عندما دمر البنية التحتية، واختلطت المياه بالصرف الصحي، وتدفقت المياه العادمة في الشوارع، في ظل شح المياه الصالحة للشرب والنظافة الشخصية، وعدم توفر مواد التنظيف، زاد الطين بلة، وزاد انتشار الأوبئة، ومن بين الأمراض التهاب الكبد الوبائي سي، وأحد أسبابه المهمة هو تدمير البنية التحتية، حيث ينتشر عن طريق التلامس والازدحام الشديد، وضاعف الاحتلال من المعاناة بإغلاق المعابر.

الاحتلال ينتهج سياسة ممنهجة لقتل الإنسان الفلسطيني في غزة بالصواريخ والقذائف والأمراض، خاصة في أوساط الأطفال والجيل الشاب، وكأنه يريد أن يقضي على مستقبل الشعب الفلسطيني، بقتل الطفل الذي يمثل المستقبل، ويقتل المرأة لمنع التكاثر والإنجاب.

إننا بحاجة إلى سنوات طويلة لترميم الضغوط النفسية التي تسببت بها هذه الحرب على فئات الشعب كلها، إضافة إلى أنه، وبعد توقف الحرب ستظهر أمراض وتداعيات صحية مرتبطة بما استخدمه الاحتلال من أسلحة.

  • ما أثر إغلاق معبر رفح على الحالة الصحية في قطاع غزة؟

لدينا في وزارة الصحة 14 ألف تحويلة طبية جاهزة لجرحى ومرضى هم بحاجة ملحة للسفر من أجل العلاج بالخارج، فيما العدد الإجمالي لمن يحتاجون السفر سواء مرضى أو جرحى يزيد عن 35 ألف حالة، وهؤلاء جميعًا خطر الموت يعصف بهم في أي لحظة؛ بسبب احتلال معبر رفح وتدميره، واستمرار إغلاقه للشهر الثالث على التوالي، وبالفعل نفقد يوميًا من حالتين إلى خمس حالات من المرضى والجرحى لعدم توفر العلاج اللازم لهم في قطاع غزة.