14-سبتمبر-2024
تسريب وثائق نتنياهو

(Getty)

تحول الأسبوع الماضي، في دولة الاحتلال الإسرائيلي، إلى ساحة تراشق بـ"الوثائق"، التي يُزعم أنها تعود إلى حركة حماس، في محاولة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، إثبات وجهة نظرهم حول الحرب على غزة.

وشهد الخلاف في "معركة وثائق حماس"، قضايا عدة، كان من بينها فتح جيش الاحتلال تحقيقات في نشر الوثائق، ومن ثم تحقيقات في صحيفة نشرت واحدة من الوثائق، يعتقد أن نتنياهو وراء تسريبها، بالإضافة إلى نشر غالانت وثيقة باللغة العربية، لم يطلع على محتواها.

يوآف غالانت رفع وثيقة باللغة العربية، زعم أنها تعود إلى قائد لواء خانيونس في القسام، لكنه لم على علم في محتواها

وذكرت صحيفة "جويش كرونيكل" أنها قامت في نهاية "تحقيق شامل" بفصل الصحفي المستقل إيلون بيري، بعد عمله على نشر وثيقة تزعم أن "يحيى السنوار خطط لتهريب نفسه مع الأسرى الإسرائيليين عبر محور صلاح الدين/فيلادلفيا إلى سيناء، ومنها إلى إيران"، وهو ما ثبت زيفه.

وهذا التقرير استخدمته سارة نتنياهو، في اللقاءات مع عائلات الأسرى الإسرائيليين، وذلك ضمن السعي لدعم ادعاء نتنياهو حول "ضرورة استمرار احتلال معبر فيلادلفيا". وقالت سارة نتنياهو: "إذا تركنا المحور، ستتمكن حماس من تهريب الرهائن إلى الخارج. إنهم على مسافة قريبة. يمكنهم تهريب الرهائن إلى داخل صحراء سيناء، وسيختفون وسينتهي بهم الأمر في إيران واليمن، وسيضيعون للأبد". ووفق المصادر الإسرائيلية، فإن المؤسسة الأمنية "لم تمتلك أي معلومات حول ما طرحته نتنياهو"، أو الوثيقة المشار إليها في الصحيفة البريطانية.

وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية، أن نشر صحيفة "جويش كرونيكل" كان كاذبًا، وجاء بعد سلسلة من المنشورات الكاذبة الأخرى للمراسل نفسه، وبعضها يساعد نتنياهو، مثل الحديث عن بقاء عدد قليل من الأسرى الأحياء في قطاع غزة، وعدم وجود فرصة لاستعادتهم، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى "خيالية" حول عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة، أو اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.

وفي وقت سابق من نهاية الأسبوع الماضي، فتح جيش الاحتلال تحقيقًا داخليًا لـ"محاولة معرفة من الذي يستغل الوثائق السرية التي اُسْتُولِي عليها من غزة، أو تلك التي يُزعم أنها أخذت من حماس، وتم تمريرها إلى وسائل إعلام دولية لمحاولة التأثير على الرأي العام في إسرائيل حول موضوع صفقة التبادل".

ووفق المصادر، فإن الأمر لا يقتصر على النشر في صحيفة "جويش كرونيكل"، بل أيضًا على صحيفة "بيلد" الألمانية، والنشر ارتبط "بمزاعم نتنياهو في خطاباته، وفي المقابلات التي أجراها خلال الآونة الأخيرة"، حول موقف السنوار من صفقة التبادل.

وبينما أشارت المصادر الإسرائيلية إلى عدم وجود أي ذكر لوثيقة صحيفة "جويش كرونيكل"، ضمن ما استولى عليه جيش الاحتلال من غزة، فإن الوثيقة التي نشرتها صحيفة "بيلد" الألمانية، لا تعود حقيقة للسنوار، بل هي اقتراح من مسؤول متوسط ​​الرتبة في حماس.

بالتزامن مع نشر هذه الوثائق، استخدم نتنياهو في خطابه الأخير، وثيقة تتحدث عن التأثير النفسي على المجتمع الإسرائيلي، ووزير الأمن يوآف غالانت تحديدًا، وقال: "حماس تمارس تكتيك تقسيمنا وإضعافنا وإخضاعنا في النهاية". وتساءل "كيف يحصل ذلك؟"، ثم عرض شريحة من مذكرة مكتوبة بخط اليد باللغة العربية، وقال: "هذه وثيقة تعليمات عثر عليها جنودنا في نفق كبار مسؤولي حماس. وبالمناسبة، قالت وسائل الإعلام إنه السنوار. لا أستطيع أن أضمن أنه السنوار، لكني أضمن أنه مسؤول كبير في حماس".

وتابع نتنياهو: "هذه هي الوثيقة الأصلية باللغة العربية، وهذه هي ترجمتها: 'زيادة توزيع الصور ومقاطع الفيديو للرهائن؛ بسبب الضغط النفسي التي تخلقه. وفعل كل شيء لزيادة الضغط النفسي على غالانت".

ووفق "يديعوت أحرونوت"، فإن الوثيقة "لا تخص السنوار. في إسرائيل خط زعيم حماس معروف، ويعرفون ما كتب وما لم يكتب"، مشيرةً إلى أن إسرائيل لا تعرف من وراء كتابة الوثيقة.

وحديث نتنياهو عن هذه الوثائق جاء في سياق إظهار أن "ضغط حماس على غالانت، هو سبب دعمه لصفقة التبادل"، في ظل العلاقة المتوترة بشكلٍ كبير بين نتنياهو والأخير. بالإضافة إلى محاولة التركيز على كون "حماس هي من تعطل صفقة التبادل، إخفاء ارتباط الأمر في مطالبه الجديدة".

غالانت يدخل على الخط

بعد أيام من انخراط نتنياهو في عملية نشر الوثائق، وبناءً مواقف وخطابات وترويجها من قبل زوجته. وصل وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت إلى قاعدة عسكرية، يوم الأربعاء الماضي، وعرض وثيقة زعم أنها تعود إلى رافع سلامة، قائد لواء خانيونس في كتائب القسّام، مشيرًا إلى أنه موجهة إلى يحيى ومحمد السنوار.

وخلال عرض ورقة مكتوب عليها بالعربية، قال: "أريد أن أعرض عليكم هنا، من قاعدة استخبارات الجيش الإسرائيلي، رسالة تعكس ما يقوله كبار مسؤولي حماس عن وضعهم. هذه رسالة كتبها رافع سلامة، الذي قتلناه في شهر تموز/يوليو، إلى الإخوة السنوار. ويصف الوضع: تم تدمير 70% من الأسلحة، وتدمير 95% من الصواريخ، وقتل أو جرح 50% من العناصر، وفر عدد كبير منهم، وبقي لديهم 20%".

بعد تصريح غالانت، ورفع الوثيقة، كتبت "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، تحت عنوان "فضيحة وزارة الأمن"، مشيرةً إلى أن غالانت عرض وثيقة غير صحيحة، إذ إن تلك التي حملها في الواقع ترتبط في موقف حماس من مفاوضات التبادل.

غالانت لا يعرف العربية

حملة تسريبات

وتشير مصادر إعلامية، إلى أن نتنياهو، على مدار أشهر الحرب، "كان يسرب المعلومات بشكل انتقائي لوسائل الإعلام الإسرائيلية تحت ستار ’مسؤول إسرائيلي كبير’، لكن نشر الوثائق الأخيرة يمثل مرحلة جديدة في محاولاته لخداع الجمهور".

وقال صحفي إسرائيلي، إن النشر كان "تسريبًا من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يتلاعب بالصحافة الأجنبية... لمزيد من تمزيق المجتمع الإسرائيلي المنقسم وإنقاذه نفسه من الاحتجاجات المتزايدة".

وكتب الصحفي الإسرائيلي أوري مسغاف في صحيفة "هآرتس"، مقالًا، قال فيه: "إلى أين وصلنا؟ لقد وصلنا إلى النقطة التي أصبح فيها أحد الأشخاص، في خضم حرب طويلة وقاسية، مشغولًا بإدارة ’حملات التأثير’ الموجهة إلى المواطنين الإسرائيليين، من خلال استخدام ما يتم تقديمه وبيعه على أنه وثائق، وثائق مزورة ومشوهة ومخرجة عن سياقها".

وأضاف: "في كانون الثاني/يناير، وصلت رسالة مكتوبة بخط اليد إلى يدي المعلق التلفزيوني في القناة الـ12 أميت سيغال. وقد عُرضت في نشرة الأخبار المسائية الرئيسية على أنها وثيقة عُثر عليها في نفق في غزة، على مقربة شديدة من مخبأ يحيى السنوار. وفي الأسبوع الماضي، جاء دور صحيفة بيلد الألمانية وصحيفة جويش كرونيكل البريطانية، اللتين حصلتا على ما يبدو على وثائق من الكمبيوتر الشخصي للسنوار، وتلك الخاصة بمقربين منه. وفي كلتا الحالتين، كان هذا هراء. كان الأمر سخيفًا لدرجة أنه كان من الممكن أن يكون مضحكًا، لولا أنه كان مزعجًا ومخيفًا للغاية".

واستمر في القول: "لقد أصيب الخبراء في اللغة العربية الذين سارعوا في وقت سابق إلى فحص المذكرة التي لوح بها سيغال بالذهول إزاء مدى التزوير (الخط والأسلوب وغير ذلك). ولا ينبغي لأي شخص على دراية بصحيفة بيلد أن يُدهش؛ فهي صحيفة شعبية ألمانية متخصصة في العناوين الرئيسية الصاخبة والفضائح والقيل والقال. أما صحيفة جويش كرونيكل فهي صحيفة تحظى بشعبية نسبية بين السكان اليهود في بريطانيا. وتتمتع هاتان الوسيلتان الإعلاميتان بعلاقة دافئة وودية مع نتنياهو وحاشيته".

وأضاف أوري مسغاف: "لكن ما هو جدير بالملاحظة هنا هو أن محتوى صحيفة بيلد، كما حدث في مذكرة سيغال في كانون الثاني/يناير، كان يعكس بأمانة النقاط التي يتحدث عنها الرجل الذي يرأس الحكومة الإسرائيلية. فقد نسبت الصحيفة إلى السنوار الرغبة في زيادة الضغوط على وزير الأمن يوآف غالانت وعائلات الرهائن والمتظاهرين في الشوارع للتوصل إلى اتفاق بشأن تبادل الأسرى وإنهاء الحرب".

وأوضح: "من بادر إلى إدارة حملات التأثير كان يحاول خلق تقارب وترابط بين المصالح بين حماس ووزير الأمن الإسرائيلي، وأسر الرهائن، وأغلبية الإسرائيليين الذين يؤيدون التوصل إلى اتفاق. هذه الممارسات هي ممارسات الأنظمة الدكتاتورية، بما في ذلك استخدام الدعاية والتلاعب بالرأي العام من خلال الأخبار الملفقة التي ينشرها طرف ثالث. وقد يكون هذا الطرف ’أحمق مفيدًا’ يُستغل ويتعاون ضد إرادته، أو قد يكون أقل براءة في دوافعه. وهذا لا يهم حقًا".

وواصل الشرح، قائلًا: "لقد تراكمت في إسرائيل على مر السنين معلومات كثيرة عن هذه الأساليب، سواء عن طريق أجهزة الاستخبارات أو الشركات الخاصة التي تبيع خدماتها الاستشارية وخدمات الضغط للحملات السياسية، أو لأي طاغية قديم في مختلف أنحاء العالم. ولكن حتى الآن لم يعرف أحد عن الحملات التي شنت ضد مواطني هذه الشركات في البلاد. ومن الصعب تفسير شدة وعمق النقطة المنخفضة التي وصلت إليها إسرائيل الآن، سواء في أثناء الحرب أو غيرها. والمعنى العميق لهذا هو أن مواطني الدولة الذين لا تتفق آراؤهم وأفعالهم مع ذوق حكامها يُعَدون أعداء. وهذا ينطبق أيضًا على وزير الأمن الذي لا يلتزم بخط رئيس الوزراء وأتباعه".

وحول تحقيق الجيش الإسرائيلي، قال: "ليس من المستغرب أن تفتح المؤسسة الدفاعية تحقيقًا عاجلًا هذه المرة. فقد حُصِل على المواد التي تسربت إلى وسائل الإعلام الألمانية والبريطانية من خلال جمع المعلومات الاستخباراتية. وهذا يشكل خرقًا صارخًا للأمن. ومن المستحسن أن يبدأ المحققون بفحص الزيارة الأخيرة التي قام بها بول روزنهايمر، مراسل صحيفة بيلد الذي كتب التقرير، إلى إسرائيل برفقة محرره. وكان روزنهايمر قد زار إسرائيل قبل شهر واحد فقط. ومن المثير للاهتمام أن نعرف من الذي دعاه، ومن الذي رافقه، ومن الذي التقاه. وحتى قبل ذلك، فقد حان الوقت لإجراء تحقيق ومراجعة عميقة للنفس من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية التي سارعت إلى ترديد هذا الهراء. وللتذكير: دورها هو خدمة الحقيقة ومشاهديها وقرائها، وليس نتنياهو"، وفق قوله.