وسط الأحياء السكنية والمناطق التجارية في قطاع غزة، ينتشر قرابة 160 مشروعًا تجاريًا لتوليد الكهرباء، يعتمد عليها مواطنون ومحلات تجارية للحصول على الكهرباء في ظل العجز الكبير في ساعات وصل التيار الكهربائي، بعدما دمرت طائرات الاحتلال محطة توليد الكهرباء الوحيدة عام 2006.
وظهرت المولدات الكهربائية التجارية في قطاع غزة في العام 2010 تقريبًا، إذ وجد فيها الكثير من المواطنين بديلاً أكثر أمنًا من استخدام الشموع التي تسببت بوفاة العشرات وإصابة مثلهم، إلا أن هذه المولدات باتت هي الأخرى تشكل مصدر خطر آخر عليهم، نظرًا لافتقار شبكتها العشوائية إلى إجراءات الأمن والسلامة.
الغالبية العظمى من أصحاب المولدات غير ملتزمين بالمواصفات الفلسطينية، وينشرون كوابلهم بصورة فوضوية على الشبكة العامة، دون اتباع وسائل الأمان والسلامة، وقد أدى لذلك وفاة شاب في مخيم البريج الأسبوع الماضي
ومن خلال جولة قصيرة في أحياء مدينة غزة، تشاهد فوضى انتشار الكوابل الكهربائية مختلفة الألوان والأحجم، والمعلقة على أعمدة شبكة الكهرباء العامة، ومصدرها المولدات التجارية التي تشغل حيزًا من الأراضي الفارغة المحاذية للمنازل، إضافة إلى مشاهدة "صناديق الأمانات" المثبتة على الأعمدة في الهواء الطلق.
يشير المهندس عصام حماد إلى أن التعامل مع شبكات الكهرباء له مواصفاتٌ خاصةٌ بالأمن والسلامة سواءً داخل البيوت أو خارجها، وتختلف باختلاف الدول، مؤكدًا أن الغالبية العظمى من أصحاب المولدات غير ملتزمين بالمواصفات الفلسطينية.
وأوضح حماد، أن أصحاب مولدات الكهرباء ينشرون كوابلهم بصورة فوضوية على الشبكة العامة، دون اتباع وسائل الأمان والسلامة، وقد أدى لذلك وفاة شاب في مخيم البريج الأسبوع الماضي.
وبين في حديث لـ الترا فلسطين، أن غالبية أصحاب المولدات يُثبتون "صناديق الأمانات" الخاصة بهم على الأعمدة المعدنية دون عزلها بصورة مهنية، ما يجعلها عرضة للرطوبة وتسرب مياه الأمطار.
وأضاف، أن تسرب مياه الأمطار إلى صناديق الأمانات قد يؤدي لاحتراقها، وانفصال الأسلاك منها وسقوطها على الأرض، وهذا يهدد حياة المواطنين المارين في الشارع، ويؤدي لخلل في التيار الكهربائي من شأنه تعطيل الأدوات الكهربائية في المنازل.
غالبية أصحاب المولدات يُثبتون "صناديق الأمانات" الخاصة بهم على الأعمدة المعدنية دون عزلها بصورة مهنية، والكوابل الكهربائية التابعة للمولدات يتم تمديدها دون إرفاق سلك معدني معها
وأكد حماد، أن الكوابل الكهربائية التابعة للمولدات يتم تمديدها دون إرفاق سلك معدني معها، رغم أهمية هذا السلك في الحيلولة دون سقوطها على المارة في حال انفصال أو انقطاع الكابل الكهربائي لسبب ما.
من جانبه، أوضح المتحدث باسم شركة توزيع الكهرباء محمد ثابت أن هناك لجنة حكومية شكلت من عدة أطراف هي: الدفاع المدني وشركة الكهرباء والبلديات وسلطة البيئة، لمتابعة قضية المولدات الكهربائية التجارية، وقد تم مطالبة أصحابها بتصويب أوضاعهم والالتزام بالمواصفات والمقاييس الفنية، "لكن للأسف لم يكن هناك تجاوب من أغلبهم" حسب قوله.
وأكد ثابت في حديث لـ الترا فلسطين، أن التمديدات العشوائية لكوابل كهرباء المولدات على الشبكة العامة باتت تشكل خطورة كبيرة على موظفي الشركة العاملين على الشبكة، وعلى المواطنين والعاملين في تلك المولدات، بسبب افتقارها لأبسط قواعد الوقاية والسلامة.
وقال: "طالبنا أصحاب المولدات بالالتزام بأن تكون مكونات الشبكة والمعدات التي يستخدمونها بحالة ممتازة، إلا أن غالبيتهم لم يلتزموا بذلك"، محذرًا من ارتفاع أعداد الحوادث التي تتسبب بها شبكة المولدات العشوائية، خاصة في ظل قدوم فصل الشتاء الذي تكثر فيه الأعطال على الشبكة.
وبيّن، أن أخطر المخالفات، هو حدوث حالات تلامس بين كوابل المولدات وكوابل شبكة الكهرباء العامة، وحدوث تسريب لكهرباء المولدات -الراجع- في أجسام الأعمدة الحديدة الخاصة بشركة توزيع الكهرباء، مؤكدًا أن هذه المخالفات تسببت بوفيات وإصابات، "لكن لا تتوفر إحصائية دقيقة بعددهم".
أخطر المخالفات، هو حدوث حالات تلامس بين كوابل المولدات وكوابل شبكة الكهرباء العامة، وحدوث تسريب لكهرباء المولدات -الراجع- في أجسام الأعمدة الحديدة الخاصة بشركة توزيع الكهرباء، وهذه المخالفات تسببت بوفيات وإصابات
وكشف ثابت أن الشاب الذي توفي في مخيم البريج، الشهر الجاري، يعمل في أحد المولدات التجارية، وتعرض لصعقة كهربائية من أحد الكوابل التابعة للمولد أثناء عمله على الشبكة العامة.
وشدد أن عملية الربط ونشر كوابل المولدات التجارية على أعمدة الشبكة العامة غير شرعية، وغير موافق عليها من قبل شركة توزيع الكهرباء، كما أنها تفتقر للمواصفات الفنية المطلوبة، وتتسبب باستمرار بحرائق وتماس كهربائي.
إذن، لماذا لا يتم إلزام أصحاب المولدات بتسوية أوضاعهم؟ أجاب ثابت على سؤالنا هذا بأن الأمر من مهام سلطة الطاقة، كونها الجهة الحكومية المشرفة على قطاع الكهرباء وتنظيمه.
سلطة الطاقة، بدورها، تتهم أصحاب المولدات باتباع سياسة المماطلة الطويلة لترخيص مولداتهم، رغم اعتماد نظام لترخيص المولدات من قبل الجهات المعنية، وتوجيه جميع أصحاب المولدات للبدء بالترخيص وتصويب أوضاعهم وفق معايير الأمن والسلامة.
ونوهت سلطة الطاقة في إجابتها على أسئلة الترا فلسطين، أن النظام الذي تم إعداده اشترك فيه الدفاع المدني وشركة الكهرباء والبلديات وسلطة البيئة، مبينة أن أصحاب المولدات التجارية مجبرون على الالتزام بهذا النظام "الذي يتضمن كافة معايير وشروط السلامة الفنية والبيئية والتنظيمية".
سلطة الطاقة، بدورها، تتهم أصحاب المولدات باتباع سياسة المماطلة الطويلة لترخيص مولداتهم. بينما تتهم رابطة أصحاب المولدات شركة الكهرباء بالمماطلة في منح التراخيص لأصحاب المولدات
وأوضحت، أنها تتابع باستمرار عمل المولدات، وتوجه إنذارات للمخالف منها وتحوله للجهات القانونية، كما أن الجهات الأخرى المشتركة في إعداد النظام تقوم هي الأخرى بذات الدور، مؤكدة وجود تداخل كثيف وصعب بين شبكة كهرباء المولدات، وشبكة الكهرباء الرسمية.
في المقابل، ينفي الإداري المسؤول في رابطة أصحاب المولدات التجارية عبد الله سعد لـ الترا فلسطين الاتهامات الموجهة لأصحاب المولدات برفض تصويب أوضاعهم، معترفًا في الوقت ذاته بأن بعض أصحاب المولدات لا يتبعون المواصفات المطلوبة وإجراءات الأمن والسلامة.
واتهم سعد شركة الكهرباء بالمماطلة في منح التراخيص لأصحاب المولدات التجارية، وترخيص الجمعية التي تمثلهم، متذرعة بوجود شكاوى من مواطنين ضد بعض أصحاب المولدات.
وأفاد أن رابطة أصحاب المولدات وزعت إجراءات السلامة والوقاية على جميع المشاريع في قطاع غزة، كما طلبت من أصحاب الولدات الامتناع عن تثبيت صناديق الأمانات على الأعمدة العامة في الشوارع، وقد التزم عددٌ منهم، بينما ماطل آخرون في التطبيق.
وبرر سعد التأخر في تنفيذ الإجراءات، "بالتكلفة العالية لهذه الإجراءات التي تصل إلى 100 ألف شيكل بحسب الشبكة الواحدة"، داعيًا إلى خفض نسبة الضريبة على السولار وقطع غيار وصيانة المولدات، "لأن هذا يخفف الضغط على أصحاب المولدات، ويساعدهم على تصويب أوضاع الشبكة".