24-أغسطس-2019

بعد أزمة المقاصة بداية العام الجاري، تحدث رئيس الوزراء محمد اشتية عن استحداث آلية مدفوعات (غير العملة الإسرائيلية) تُنهي الاعتماد على الشيقل الإسرائيلي، وذلك عبر أكثر من وسيلة إعلامية عربية وأجنبية، وأوضح أن السلطة قد تكون من أوائل دول العالم التي تستخدم العملة المشفرة، معللاً ذلك "بتجنب مشاكل مرتبطة بفائص الشيكل في السوق المحلية".

محمد اشتية منذ كان رئيسًا لـ"بكدار"، دعا إلى الانتقال لعملة غير الشيكل، بما فيها العملات الرقمية، ثم جدد ذلك توليه رئاسة الحكومة

هذه التصريحات لا تُعد الأولى من نوعها لاشتية في هذا السياق، فقد سبق أن دعا منذ ما يقارب العام والنصف، أثناء توليه رئاسة المجلس الاقتصادي الفلسطيني (بكدار)، إلى دراسة الانتقال لعملةٍ أخرى بما فيها العملات الرقمية في سبيل "الانفكاك الاقتصادي" عن الاحتلال، "لأن انعدام عملة محلية يُشكل خسائر مستمرة للاقتصاد الفلسطيني، ويعمق التبعية للاقتصاد الإسرائيلي".

اقرأ/ي أيضًا: عملة مزورة في غزة.. ظاهرة أم تحت السيطرة؟

فماذا نعني بالعملة الرقمية؟ أو الالكترونية المشفرة؟ وما آلية استخدامها والآثار التي قد تترتب على ذلك؟ وهل تكون عملة بديلة أم مكملة؟ وهل يمكن أن تؤدي فعلاً لانفراج اقتصادي؟ أم أن تلك التصريحات مجرد مناورة سياسية؟ الترا فلسطين يبحث عن إجاباتٍ على هذه الأسئلة مع مختصين وجهات ذات علاقة.

يُعرّف الخبير الاقتصادي وفي المال والإدارة هيثم دراغمة، هذه العملة، بأنها "قد تكون عملة رقمية ورقية أشبه بالسندات أو الشيكات المؤجلة، أو الكوبونات التي تُستخدم في محطات الوقود، بحيث يجري تداولها محليًا وداخليًا فقط"، وهي بذلك تختلف عن عملة "بيتكوين" الشهيرة.

وبيّن دراغمة، أن حركة الرواتب هي من تنعش السوق أو تُسكنه، لكونها الحلقة المالية الرئيسة المهمة في الأراضي الفلسطينية، "بالتالي ونظرًا لعدم قدرة الحكومة على إيفاء التزاماتها تجاه الكثير من الخدمات، وعلى رأسها رواتب الموظفين، ووجوب البحث عن بدائل وتحديدًا بموضوع الرواتب، فقد تُصدر الحكومة عملة محلية إلكترونية من فئاتٍ مختلفةٍ توزع على الموظف الحكومي من خلال المندوب في وزارته، بحيث يتم استخدامها في الدوائر الحكومية كالصحة والسير والبلديات وغيرها، والمؤسسات المنضوية تحت مظلة الحكومة، كما قد تُعمم ليتم استخدامها من قبل القطاع الخاص وفق اتفاقيات التعامل بهذه العملة".

الحكومة قد تُصدر عملة محلية إلكترونية ليتم استخدامها في الدوائر الحكومية والمؤسسات المنضوية تحت مظلتها

ومثالاً على ذلك، يقول دراغمة: "لو افترضنا تقاضي الموظف الحكومي في الظروف العادية راتبًا شهريًا مقداره 10 آلاف شيكل، فقد تعطيه الحكومة شهريًا نصف راتبه نقدًا، فيما النصف الآخر يكون سنداتٍ أو عملة محلية، تُمكنه التعامل فيها ماليًا في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي تتفق معها الحكومة، كالجامعات مثلاً، بحيث تُسجل مستحقات المؤسسة على وزارة المالية، كما تمكنه أيضًا من الشراء من "المولات" والمحلات التي تقبل التعامل بهذه العملة، بالتالي هي عملةٌ رقميةٌ مكملةٌ وليست بديلة".

لكن دراغمة شدد على أن استخدام العملة الرقمية المشفرة المفترضة لا يُمكن أن يستمر لفترة طويلة، رغم أن هذا الإجراء المحتمل قد يكون مُسعفًا، "فالسوق الفلسطيني لا يمكن أن يتحمل إصدار السندات لأكثر من ستة أشهر بحد أقصى، وإلا سنعود إلى مشكلة السيولة وبشكل أعمق مما نحن عليه الآن".

العملة الرقمية المشفرة المفترضة لا يُمكن أن تستمر لفترة طويلة، لكن هذا الإجراء قد يكون مُسعفًا

وأضاف، "نحن ممنوعون من إصدار عملةٍ أو أي تعاملٍ تجاريٍ إلا بموافقة الاحتلال وفق نصوص اتفاق اوسلو، إضافة إلى أننا مُلزمون باتفاق باريس الدولي، وليس بمقدورنا أن نتنصل منه، نظرًا لعدم وجود معابر أو سيطرة على الحدود، أو علاقات دولية تجارية، وذلك يعني أننا لا يمكن أن نبتعد عن إسرائيل إلا باتفاق دولي جديد".

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل ومصانع فلسطينية: رقابة مباشرة مقابل نقل البضائع

لكن هل يعني تفكير السلطة بالتوجه لإصدار عملة رقمية، وجود ضمانات خارجية لإنجاحها؟ أجاب دراغمة على السؤال قائلاً: "أتصور أن اشتية لم يذهب بهذا الاتجاه إلا لعلمه بوجود ضمانات دولية خارجية لعدم قيام إسرائيل بإفشال هذا الاجراء، لأننا بعكس ذلك قد ندخل في إرباك اقتصادي".

وأشار إلى أن تكدس عملة الشيكل يشكل عبئًا على الحكومة والاقتصاد الفلسطيني، فهناك ما يُقارب 30 مليار شيكل في الأسواق الفلسطينية، إضافة لما يُقارب خمسة مليارات شيكل عالقة من استحقاقات الاحتلال، ما خلَق حالة من التضخم وعدم القدرة على الاستفادة من هذه العملة واستخدامها في الاستثمارات، وهذا تسبب بأزمةٍ اقتصاديةٍ في الأراضي الفلسطينية.

توجهنا إلى محافظ سلطة النقد عزام الشوا، فتحدّث لنا عن معاناة المصارف العاملة في فلسطين، والاقتصاد الفلسطيني عمومًا، نتيجة الفائض الكبير في عملة الشيكل، بسبب القيود المفروضة على عمليات شحن الفائض من قبل المصارف العاملة في إسرائيل، ومن أسباب ذلك العلاقة الاقتصادية بين الجانبين.

وأضاف، "هناك تأثيرات سلبية كبيرة على الاقتصاد الفلسطيني نتيجة عدم السماح للمصارف بشحن فائض الشيكل، وذلك لارتفاع تكاليف التأمين والاقتراض، وكذلك ضياع الفرصة البديلة، مما يحد من قدرة المصارف على المساهمة في التنمية الاقتصادية".

وبين الشوا، أنه في ظل غياب العملة الوطنية وعدم ممارسة سياسة نقدية متكاملة، فإنه يقع على عاتق السياسة المالية العامة لوحدها كامل العبء لمعالجة الاختلالات الاقتصادية المتعلقة بضغوط الطلب الكلي (الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري).

وقال الشوا، إن فعالية السياسة المالية العامة في هذا المجال "مثار تساؤل كبير"، خصوصًا في ما يتعلق بتخفيف الضغوط التضخمية من خلال تخفيض الطلب الكلي، وذلك نظرًا للاختلالات التي تعاني منها السياسة المالية العامة نفسها (سيطرة نفقات الأجور على غالبية الإنفاق، وتراجع الإنفاق الاستثماري، والعجز).

ورأى أن وجود عملةٍ وطنيةٍ يتيح استخدام أدوات السياسة النقدية إلى جانب أدوات السياسة المالية العامة، "لمعالجة الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني" وفق قوله.

وبيّن الشوا، أن طرح عملة جديدة -تقليدية أو رقمية- في السوق الفلسطيني، لا بد أن يسبقه تحقيق شروط ومتطلباتٍ أساسية حتى تلقى العملة قبولاً عامًا لتداولها، ولا بد من الانتهاء من إعداد الدراسات الاقتصادية والفنية اللازمة  للتأكد من أن تأثير إصدار العملة سيكون إيجابيًا على الاقتصاد الفلسطيني، وللحد من المخاطر.

عزام الشوا: طرح عملة جديدة في السوق الفلسطيني لا بد أن يسبقه تحقيق شروط ومتطلبات أساسية

لكن، هل بالفعل تُساهم خطة السلطة إصدار عملة بديلة يُساهم في الانفكاك عن إسرائيل؟ أجاب المحلل السياسي والوزير السابق غسان الخطيب، بأن الانفكاك يجب أن يكون على كل الأصعدة على المستوى النقدي والاقتصادي والصحي، وعلى مختلف المستويات.

ورأى الخطيب، أن الانفكاك يجب أن يكون عن طريق زيادة المنتجات المحلية، وزيادة المنتجات المستوردة من بلدان غير إسرائيل.

وأكد الخطيب، أن الفلسطينيين "قطعوا شوطًا كبيرًا" في هذا المجال على عدة أصعدة، إلا أن الانفكاك "عملية تدريجية وتقتضى إنشاء علاقاتٍ تجاريةٍ مع جهاتٍ خارجيةٍ، وتحسين نوعية المنتوج المحلي، "وهذا يؤدي إلى التقليل من التبعية لإسرائيل بشكل أو بآخر".

وتابع، "أنا أفهم المشكلة حول الفائض للشيكل، ولكن لا أفهم كيف يمكن للعملة المشفرة أن تساهم في حل هذه المشكلة".

وكان الرئيس محمود عباس أعلن في شهر تموز/يوليو وقف الاتفاقيات مع إسرائيل، قبل أن يؤكد مسؤولون في نهاية الشهر ذاته، تشكيل لجنة لدراسة "الانفكاك الاقتصادي"، دون أن يتم حتى الإعلان عن أية نتائج بهذا الخصوص.


اقرأ/ي أيضًا: 

التناقل الرقمي.. لماذا تمتنع شركات الاتصالات عن توفيره في فلسطين؟

منطة صناعية استيطانية في طولكرم ستغير خارطة الضفة