يقترب الاحتلال الإسرائيلي يومًا بعد يوم من تطبيق مشروع "الضمّ" الذي بدأ في القدس عام 1967، ويعمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تنفيذه منذ أيلول/ سبتمبر 2019. وزادت الخطوات التي تمهّد الطريق أمام شرعنة المشروع بعد أن انضم للحكومة الإسرائيلية والكنيست أعضاء ينتمون لتحالف "الصهيونية الدينية"، مثل وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
في حوار مع الترا فلسطين، يوضح الباحث في قضايا الاستيطان، ومدير مركز أبحاث الأراضي في الخليل، جمال طلب العملة، تفاصيل وتداعيات طرح مشروع قرار الضم:
وتجلّت خطوات تطبيق الضم بعد أن صادقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءة التمهيدية، الأسبوع الماضي، على مشروع قانون ينص على ضمّ مستوطنة "كريات أربع" وبؤر عشوائية وأراض في منطقة جنوب الخليل وجعلها جزءًا من النقب تحت السيطرة الإسرائيلية، وصوّت لصالح المشروع 52 عضوًا، وعارضه 37.
ماذا يعني قانونيًا، مشروع قرار ضمّ مستوطنات مقامة على أراضي محافظة الخليل؟
المشروع طرح في أعلى مستوى تشريعي داخل "إسرائيل" في الكنيست وحصل على أصوات عالية في القراءة التمهيدية الأولى، ومن اعترض على المشروع مثل زعيم المعارضة يائير لابيد، لم يعترض على مضمون الضمّ بل على شكله، حيث أن المرفوض بالنسبة له هو ضمّ مستوطنة "كريات أربع" للنقب لاعتبارها جزءًا من أراضي ما يسمى إسرائيليًا "يهودا والسامرة" ما يعني قناعة المعارضين للقرار بأن الضفة الغربية هي أرض إسرائيلية، بالإضافة إلى غياب قيمة وروح القانون الدولي في القرارات والتشريعات الإسرائيلية، ما يجعل احتمالية تمرير القرار عالية، وإن تم ذلك، فإنه سيدخل حيّز التنفيذ، ويسري لاحقًا على الحكومات الإسرائيلية القادمة، لأنها إن اعترضت عليه وهذا مستحيل، لن تتمكن أي حكومة إبطال القرار إلا عبر مشروع قرار في الكنيست.
ما أبرز المستوطنات التي سيجري ضمّها وما انعكاس ذلك على القرى والبلدات في الخليل؟
المشروع يضمُّ 15 مستوطنة، ولم يعلن الاحتلال سوى عن مستوطنة "كريات أربع" لكن المشروع بلا شك يضم المستوطنات الإسرائيلية من غرب إلى جنوب إلى شرق محافظة الخليل، وسيمر من مستوطنة "أشكلوت" (جنوب غرب) في منطقة الرماضين، ومستوطنة "شمعة" جنوب بلدة الظاهرية، ومستوطنة "عتنائيل" جنوب مدينة دورا، ومستوطنة "بيت ياتير" المقامة على أراضي بلدة السموع، ثم مستوطنة "سوسيا" المقامة على أراضي يطا شرق الخليل، وصولًا إلى "كريات أربع" في وسط مدينة الخليل.
هل سيتم ضمّ كلّ هذه المستوطنات التي تبعد عن بعضها البعض عشرات الكيلومترات؟
هذه المستوطنات مرتبطة ببعضها عبر الشارع الالتفافي خط 60، وأعتقد أن الاحتلال سيعمل على الأراضي الفارغة المرتبطة بين هذه المستعمرات، ويترك المدن والبلدات الكبيرة المحاذية للمستوطنات، مثل يطا والظاهرية والسموع، حيث يصعب تهجير سكّانها، لكن يسهل للاحتلال حصارها وإحاطتها في جدار أشبه بجدار الفصل العنصري، وذلك تزامنًا مع ضغط غير عادي على التجمعات البدوية والقروية الصغيرة المنتشرة في الأراضي التي تفصل المستوطنات عن البلدات الكبيرة، وهكذا تصبح بعض مناطق جنوب الخليل أشبه بـ "كنتونات" لا يسري عليها قرار الضم، لكنها ضمنيًا داخل وتحت الرقابة الإسرائيلية وهكذا يطبق الاحتلال مبدأ "التهجير الداخلي" كما يفعل في قطاع غزة، بالإضافة إلى تطبيق مبدأ الحصار الاستيطاني الدائري الذي يحيط المناطق الفلسطينية من كل الجهات.
ماذا يعني أن يشمل مشروع القرار، مستوطنة "كريات أربع" المقامة على داخل مدينة الخليل وعلى أطرافها؟
هذه خطوة أولى واضحة باتجاه ضمّ الخليل، وإن بدأ العمل على تطبيق المشروع ستكون هذه المرحلة نهاية الوجود الفلسطيني في البلدة القديمة بالخليل، ونهاية المناطق المصنّفة (H2) المناطق التي تشكل 20 في المئة من مساحة الخليل والتي بقيت تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، والصلاحيات المدنية الفلسطينية بعد توقيع اتفاقية الخليل عام 1997 بين منظمة التحرير و"إسرائيل". وذلك لأن الخليل تحمل قيمة دينية للجماعات اليهودية الصهيونية بشكل لا يقل عن اهتمامهم بالقدس الشرقية.
على ماذا يدل توقيت طرح المشروع في هذه المرحلة؟
التوقيت مرتبط بحرب غزة التي فتحت شهيّة الاحتلال لارتكاب الجرائم وتنفيذ المخططات الاستعمارية في الضفة، ومن جهة أخرى يتعامل الاحتلال على مبدأ استباق الأحداث بأن يصدر تشريعات تنتهك الحق الفلسطيني قبل أن يتدخل العالم الذي بدأ يغيّر مواقفه بعد اعتراف دول أوروبية بدولة فلسطين، وقد يكون المشروع الذي طرح مع مشروع إلغاء قانون فك الارتباط لمستوطنات شمال الضفة، جزءًا من المساومة الإسرائيلية للدول التي اعترفت بدولة فلسطين بأنه إما أن يجمّدوا اعترافهم بفلسطين مقابل تجميد مشروع الضم أو ستتم زيادة المشاريع الاستيطانية التي تتحدى قرارات الأمم المتحدة.
كيف سينعكس قرار الضمّ في الخليل، خلال الأفق القريب والبعيد؟
لن ينعكس في الأفق القريب على الأرض، لأن الاحتلال سيتعامل مع الناس بمبدأ "التخدير" كما جرى عام 1990 عندما ظنّ الفلسطيني أن قرار الاحتلال بمنعه دخول أراضي الداخل المحتل أمر صعب، ولكن بات اليوم واقعًا يصعب تغييره، وكذلك يراهن الاحتلال على أن يمرّ مشروع الضمّ تدريجيًا دون تفاعل الناس واعتراضهم، وبعد سنتين مثلًا قد يصبح الفلسطيني الذي يسكن جنوب الخليل يحتاج لتصريحٍ كي يدخل البلدات والمدن، وقد يشرع الاحتلال ببناء جدارٍ عازل، ويقيم معابر وحواجز جديدة، وهنا تصبح بلدات وقرى الخليل معزولة في حالة أسوأ من حالة الضمّ.