تُقدّم الصحافية ريم العمري من القدس، برنامجًا ناقدًا منذ ستة أعوام، عبر إذاعة "أحلا أف أم" المحليّة في رام الله، ومنذ أربعة أعوام، أصبحت ريم مديرة التحرير في الإذاعة، لكنّ توليها هذا المنصب فتح عليها أبواب التضييق والملاحقة من قبل وزارة الإعلام، كان آخرها تلقي الإذاعة طلبًا واضحًا من الوزارة بإبعادها من المنصب.
ومنذ بدء علاقتها بإذاعة "أحلا أف أم"، تقدم ريم برنامجًا صباحيًا بعنوان "سمّة بدن ع الصبح"، تتطرق فيه إلى المشاكل السياسية والاقتصادية في البلاد، وتستعرض هموم الناس، وتفسح المجال لهم كي يعبّروا عن انتقاداتهم للوضع، وليتحدثوا عن كل ما يسمّم أبدانهم. المستمع إلى بعض حلقات برنامجها يلاحظ أن العمري لا تجامل ضيوفها، إذ تطرح على المسؤولين السياسيين وغيرهم أسئلة صارمة ومباغتة يرغب المهمومون بطرحها وسماع أجوبتها.
وزارة الإعلام تطلب من إذاعة محلية إقالة مديرة التحرير لديها بسبب عدم موافقة وزارة الداخلية على تعيينها
وطوال السنوات الماضية، تلاحظ العمري عدمَ رغبةٍ ولا ارتياحٍ لوجودها في موقعها؛ فتقول خلال حديث مع "الترا فلسطين"، إن إذاعة "أحلا أف أم" تلقت عام 2015 اتصالًا هاتفيًا من موظفة في وزارة الإعلام، قالت شفهيًا "عليكم أن تغيّروا ريم من منصبها لأنّها لا تحظى بموافقة أمنية لشغل هذا المنصب". وأضافت العمري، "لكن حدثت ضجة في حينه فما كان من وزارة الإعلام إلا أن تبرأت من مكالمة موظفتها مع الإذاعة، بحجّة أن الموظفة أساءت التعبير ووزارة الإعلام لا تريد فصل ريم".
اقرأ/ي أيضًا: الصحفيون: يا ليت لنا مثل ما أوتي المحامون
استمرّت العمري في برنامجها الناقد، وفي منصبها كمدير للإذاعة، ولم تستجب لمطالب مباشرة وغير مباشرة بتخفيف حدّة الأسئلة والطرح في حواراتها مع المسؤولين، بل قدمت عدة حلقات في الآونة الأخيرة وُصفت بالقوية، كانت إحداها في شهر آذار/مارس من العام الجاري، إذ استضافت منسق حراك "بكفي يا شركات الاتصالات" جهاد عبدو، وفسحت له الأثير ليتحدث براحة عن مطالب الحراك وانتقاداته لشركات الاتصالات، وذلك في حين أن شركات الاتصالات "لا تعترف بوجود الحراك المتألف من قرابة 100 ألف فلسطيني، ولا تقيم له أي وزن" وفق تصريحات عبدو في تلك الحلقة.
وقبل قرابة شهر، تحديدًا في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2017، أرسلت وزارة الإعلام كتابًا رسميًا إلى مالك إذاعة "أحلا اف ام" وائل قسيس، تطلب منه تعيين مدير جديد للمحطة، وتعلن رفضها لأن تستمر ريم العمري بتولي منصب مدير المحطة، بحجة أنّ وزارة الداخلية تمانع أن تكون العمري في هذا المنصب. وبالطبع فإن عدم الاستجابة لهذا الكتاب يعني سحب الترخيص من الإذاعة ووقفها عن البث، وهذا ما لوّح به وفد من وزارة الإعلام زار مقر الإذاعة بعد أيام من الكتاب.
وترجح العمري أن هذه الضغوطات تأتي على خلفيّة برنامجها الصباحي، وتؤكد أن المطالبة بفصلها غير ذات مسوّغ قانوني.
وزارتا الإعلام والداخلية: "لا تفاصيل"
لم توضح وزارة الإعلام في الكتاب الموجّه للإذاعة أي تفاصيل عن الأسباب الداعية لرفض ريم العمري، فتوجه "الترا فلسطين" إلى مقرّ وزارة الداخلية في رام الله بحثًا عن التفاصيل، وعندما دخلنا مكتب مدير عام الإدارة العامة للشؤون العامة عبد الناصر الصيرفي كي نسأله عن أسباب رفض الداخلية لأن تشغل العمري منصب مدير الإذاعة، لاحظ الصيرفي أننا بدأنا إخراج الورق والقلم من الحقيبة من أجل تدوين ملاحظات خلال المقابلة معه فقال: "تحضرش حالك تكتب؛ التفاصيل مش عندي بل عند الأستاذ محمود خليفة وكيل وزارة الاعلام، وهو قال لنا أي حدا بسألكم عن هذا الموضوع حوّلوه علي".
توجهنا إلى وزارة الإعلام وطلبنا من وكيلها محمود خليفة تحديد الشرط أو الشروط القانونية غير المتوفرة في ريم العمري لشغل المنصب، فامتنع عن الإجابة المباشرة على السؤال وقال: "لكل وزارة تخصصها وصلاحياتها وفق نظام الترخيص، ونحن نعمل بالقانون ونسعى للتصويب، وإذا لم تستجب الإذاعة وتغيّر ريم من منصبها سوف نلجأ للقضاء والنيابة العامة".
وزارة الإعلام ترفض توضيح أسباب طلب إقالة الصحافية ريم العمري من منصبها، وتؤكد أنها ستذهب للقضاء والنيابة العامة إذا امتنعت الإذاعة عن إقالتها
وأوضح خليفة، أن وزارة الإعلام لا تطالب بفصل ريم بالكامل من الإذاعة، بل لا مشكلة لدى الوزارة من أن تكمل ريم كصحفية في الإذاعة، وإنما الممنوع بالتحديد هو أن تشغل منصب مدير الإذاعة، وقال إن المسألة ليست ما تقوله العمري في برنامجها الصباحي، وأن الدافع لقرار المطالبة بتغييرها ليست رغبة الوزارة أو حُبها أو انزعاجها مما تقوله ريم، مؤكدًا أن وزارة الإعلام "تحترم حرية الرأي والتعبير".
اقرأ/ي أيضًا: تعامل السلطة مع الإعلام.. محاولة لفهم الجنون
ومن الجدير ذكره هُنا أننا ولدى لقائنا خليفة في مكتبه كررنا له سؤالًا محددًا بصياغات وأساليب عدة، كانت كلها ذات معنى واحد: "بماذا تخالف ريم العمري قانون الترخيص؟ وما الذي يدعو لرفضها كمدير للمحطة؟" وفي كل مرة كان خليفة يمتنع عن الإجابة على السؤال بشكل مباشر، ولا يُبدي أي سبب لرفضها، وفي آخر المقابلة سألناه: "أليس من حقّ الرأي العام ومن حقّنا نحن كصحفيين أن نعرف بماذا تخالف ريم القانون ليتم رفضها كمديرة؟" فأجاب: "إنت بتضلك رايح جاي في نفس الموضوع ولا إجابة على ما تقول".
نقابة الصحافيين بدون موقف
توجهنا إلى نقابة الصحافيين طالبين توضيح موقفها مما يحدث بحق العمري، وتحدثنا مع النقيب ناصر أبو بكر بتاريخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، فأبلغنا أن النقابة تتابع قضية ريم باهتمام بالغ، وقد بعثت بكتاب رسمي إلى وزارة الإعلام تستفسر عن الأسباب المفصلة لطلب فصل العمري من منصبها.
بعد ستة أيام، وتحديدًا بتاريخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر كان موعد لقائنا بالوكيل خليفة، فأبلغنا أن النقابة بعثت للوزارة بكتاب تستفسر فيه عن قضية ريم "يوم أمس"، أي بتاريخ 19 تشرين الثاني/نوفمبر، ولم تكن بعثت بأي كتب عندما صرّح لنا النقيب بأنهم يتابعون القضية وقد أرسلوا كتابًا إلى الوزارة!
وبالرغم من أن ريم العمري، توجّهت بشكوى خطية إلى نقابة الصحافيين بعد أسبوعين من وصول الأمر بفصلها وتأكيد النقيب لنا بأن النقابة على علم واهتمام بالقضية، إلا أن النقابة حتى الآن تمتنع عن إبداء أي موقف، ولم تُصدر أي بيان توضح فيه أي شيء لأعضائها الصحافيين بخصوص قضية زميلتهم ريم، وقد علل أبو بكر ذلك بأن النقابة تنتظر اتضاح الأمور والحصول على تفسير وزارة الإعلام.
تمتنع نقابة الصحافيين عن إصدار موقف في قضية ريم العمري، وتكتفي بانتظار الحصول على تفسير من وزارة الإعلام
وتؤكد العمري أنها تلقت اتصالات من داخل نقابة المحامين تعلن التضامن وتبدي الاستعداد لأي مساعدة قانونية، مشيدة بمواقف هذه النقابة في الدفاع عن المحامين؛ الذين كان آخرهم المحامي محمد حسين "الذي ضج الرأي العام بقضيته وبموقف نقابته الذي وصف بالشجاع والمشرف".
وتستغرب العمري صمت نقابة الصحافيين عما يحصل معها، وتقول إنها "لا تشعر بأن النقابة تأخذ الموضوع على محمل الجد". أما المتابع لقضية ريم والمطالع لتعليقات الصحافيين في مواقع التواصل، فإنه سيلمس أن الصحافيين لا يعولون على مواقف نقابتهم ومستاؤون من شكل تفاعلها مع الكثير من الانتهاكات بحقهم.
ما تقوم به وزارة الإعلام بحق العمري.. هل هو قانوني؟
تحدثنا إلى ماجد العاروري، خبير القوانين الإعلامية وحقوق الإنسان، بحثًا عن توضيح لقانونية ما تقوم به وزارة الإعلام ضد العمري، فأوضح لـ"الترا فلسطين" أنّ "المحطات الاذاعية والتلفزيونية ترخّص وفق قرار مجلس الوزراء رقم 182 سنة 2004، وبموجب هذا القرار الذي يعتبر منذ حينه بمثابة المرجعية القانونية لترخيص المحطات، نصّت المادة 12 على مجموعة من الشروط الواجب توفرها في مدير المحطة، وهي أن يكون فلسطينيًا، مقيمًا في فلسطين، وصحفيًا أو إعلاميًا، وألا يكون محكومًا عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة، وأن يكون حاصلًا على الشهادة الجامعية الأولى، وخبرة عملية مناسبة لا تقل عن 5 سنوات، وفي حال عدم وجود الشهادة الجامعية الأولى، يجب ألا تقل خبرته المهنية عن 10 سنوات".
تؤكد العمري أن هذه الشروط كاملة متوفرة فيها، مع الإشارة إلى أن وزارة الإعلام رفضت مرارًا خلال حديثنا إلى خليفة توضيح الشرط الذي لا يتوفر في العمري، وتطلّب إقالتها من منصبها بسببه، باستثناء ما ورد في كتابها للإذاعة بأن وزارة الداخلية لم تمنح ريم موافقة أمنية.
لا يوجد في القانون ما يمنح وزارة الداخلية حق التدخل في تعيين مدراء التحرير أو طلب إقالتهم، ولا يوجد ما يسمى موافقة أمنية على مدير التحرير
وأضاف العاروري، "بالتالي ووفقًا لهذه المادة فإن مسؤولية الرقابة على الشروط المتوفرة، في مدير المحطة وقعت حصرًا على وزارة الإعلام، لأن المادة المذكورة نصّت أن على وزارة الإعلام عند منح الترخيص أن تراعي تلك الشروط المذكورة".
اقرأ/ي أيضًا: قانون الجرائم الإلكترونية: السلطة تشرعن قمع الحريات
وتابع، "ولم يُشر بموجب هذا النظام الذي ينظم ترخيص المحطات الإذاعية والتلفزة أي صلاحية لوزارة الداخلية في أي عمل يتعلق بمدير المحطة أو العاملين فيها، وحصرت صلاحية وزارة الداخلية بفحص الجوانب الأمنية المتعلقة بالترخيص ومدى قانونية رأس مال المحطة".
ويبين العاروري، أن المطلوب من وزارة الإعلام عدم التنازل عن اختصاصها المنصوص عليه بموجب نظام الترخيص، وأن توجه كتابًا خطيًا إلى الجهة المرخص لها تبيّن فيه إن كان هناك أي من الشروط المذكورة لا يتوفر بالصحفية ريم العمري".
أما عن مدى قانونية أن تطلب وزارة الاعلام فصل الصحفية من منصبها كشرط لاستمرار ترخيص المحطة دون شرح الأسباب، فقد علّق العاروري: "يجب أن تكون القرارات التي تصدرها وزارة الاعلام قرارات خطية واضحة مفصلة حتى يتاح لمن يتضرر من قرارها أن يتوجه للقضاء للطعن في القرار. إن ما تشير إليه هذه الحادثة هو تنازل من وزارة الإعلام عن اختصاصها وإطلاق ليد وزارة الداخلية في التدخل بعمل وزارة الاعلام مما يهدد استقلاليتها".
ويشير العاروري إلى أن صلاحية وزارة الداخلية تنتهي فور الحصول على الترخيص، مؤكدًا أنه يقع على وزارة الإعلام مسؤولية توضيح الشرط الذي لا ينطبق على العمري، أمّا غير ذلك فيصنف الإجراء غير قانونيّ وتعسفًا في استخدام السلطة".
اقرأ/ي أيضًا:
قانون الجريمة الإلكترونية: الأخ الأكبر يراقبك
فيديو | شاب مثقف؟ انت تهديد أمني
إنهاء عمل لجنة تعديل قانون الجرائم الإلكترونية.. ما هي النتائج؟