29-يونيو-2024
يافا عروس البحر كما رسمتها تمام الأكحل

يافا عروس البحر كما رسمتها تمام الأكحل

في قلب فلسطين التاريخية تنبض يافا القديمة بروح الماضي، في مزيج فريد يجمع بين الثراء الثقافي والتاريخي العميق. تمتد جذور هذه المدينة الساحلية إلى آلاف السنين، حيث تعد يافا منذ القدم مركزًا حيويًا للتجارة والثقافة والدين في المنطقة، وهو ما انعكس بجلاء في تاريخها المتنوع ومعالمها الفريدة. تعتبر يافا بمساجدها التاريخية وشوارعها الضيقة المعبدة بالحجارة القديمة مثالًا حيًّا على تراث المنطقة، حيث تعبر كل زاوية، وكل شارع عن قصة من قصص الزمن القديم، وعن تجارب الأجيال التي عاشت وعبرت فيها. تجد في كل جدارية أو بناية قديمة تحكي لك قصة ما، تذكرك في تاريخ أهل المكان الذين عاشوا في يافا عبر العصور.

 

يافا القديمة.. كما عرفها الأجداد بمساجدها وكنائسها وشوارعها

يافا القديمة أو عروس البحر أو يافا العتيقة تعد من أقدم المدن الساحلية في العالم، حيث يعود تاريخها إلى ما قبل 4000 سنة. وقد شهدت المدينة العديد من الحضارات، منها الكنعانية، والمصرية، والفينيقية، والرومانية، والإسلامية، والاحتلال الصليبي. تقع هذه المدينة الساحلية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وتعتبر من أبرز المدن الفلسطينية التي تجمع بين تراث المنطقة المتنوع، وهي تشكلت كمركز تجاري وثقافي هام منذ العصور القديمة. وبفضل موقعها الاستراتيجي كانت يافا محطة للتجارة البحرية وميناء للكثير من الثقافات والحضارات التي مرت عبر التاريخ.

المساجد التاريخية في يافا القديمة

يافا القديمة تضم عددًا من المساجد التاريخية التي تعود إلى عصور مختلفة. من أبرزها وأهمها وأشهرها نذكر ما يأتي:

مسجد البحر

  1. مسجد البحر (المسجد الكبير): جامع البحر في يافا يعد واحدًا من المساجد الأثرية الهامة في المدينة، ويعتبر واحدًا من أقدمها وهو يقع بالقرب من السوق القديم في المدينة، وقد بني خلال العهد العثماني في القرن التاسع عشر من قبل حسين باشا، وزير الحرب العثماني. يقع الجامع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في حي الميناء، مما يجعله جزءًا لا يتجزأ من المنظر البحري ليافا. وقد تم تجديده عدة مرات عبر التاريخ. وقد كان يعتبر هذا المسجد مركزًا دينيًا واجتماعيًا هامًا في يافا. ويتميز هذا المسجد بتاريخه العريق ومعماره البسيط والأنيق الذي يعكس الطابع الإسلامي التقليدي.

التاريخ والبناء 

بني جامع البحر بطراز العمارة الإسلامية الكلاسيكية، ويتميز بقبته الزرقاء المميزة وأسقفه العالية، مما يمنحه جمالًا فريدًا يبرز على شاطئ البحر. وقد استمر استخدام الجامع لأداء الصلوات وكمركز للنشاطات الدينية والاجتماعية في يافا عبر العقود.

الأهمية الثقافية والتاريخية

جامع البحر لا يقل أهمية عن المساجد الأخرى في يافا حيث يمثل رمزًا للهوية الإسلامية والتاريخية في المدينة.

جامع المحمودية

  1. مسجد الأحمدية: جامع المحمودية، المعروف أيضًا باسم مسجد يافا الكبير، يعد من الآثار المعمارية الإسلامية البارزة في يافا القديمة، ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الثامن عشر في أثناء الحكم العثماني. يقع الجامع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في البلدة القديمة، بالقرب من برج الساعة وساحة الشهداء، وهو واحد من الأماكن التي تجسد التراث الإسلامي في المدينة.

التاريخ والبناء

تم الانتهاء من بناء جامع المحمودية في عام 1812، وكان جزءًا من المبادرات العمرانية التي نفذتها السلطات العثمانية في يافا. وكان الجامع يتميز بطابعه العثماني البارز حيث يضم قبابًا ستة ومنارة واحدة، مما يعكس الفن المعماري الكلاسيكي للعهد العثماني.

السبيل المحمودية

بجوار جامع المحمودية يوجد سبيل ماء يعرف بسبيل المحمودية أو سبيل ماء سليمان باشا، وهو من الأنهار التي كانت توفر المياه لسكان يافا القديمة خلال العهد العثماني.

 

الكنائس التاريخية في يافا القديمة

تحتضن مدينة يافا القديمة والتاريخية مجموعة من الكنائس القديمة التي تعكس التنوع الديني والثقافي للمدينة. ومن بين هذه الكنائس نذكر ما يأتي:

  1. كنيسة القديس بطرس: تُعرف أيضًا بكنيسة القلعة، وهي كنيسة كاثوليكية فرنسيسكانية. وقد بُنيت الكنيسة على طراز الباروك في عام 1654 خلال الحقبة العثمانية، وتعرضت للتدمير والترميم عدة مرات، حيث يعود البناء الحالي إلى عام 1888. وتعتبر الكنيسة من أهم المعالم الدينية في يافا نظرًا لزيارات القديس بطرس الرسول إليها.
  2. كنيسة القديس أنطوني: تقع في يافا وتبرز بطرازها القوطي المميز وبرج الساعة الكبير. وقد سُميت الكنيسة على شرف القديس أنطوني بادوا كاهن الرهبانية الفرنسيسكانية.
  3.  كنيسة المسكوبية: تعرف أيضًا باسم طامينا وتقع في حي أبو كبير. وتُعدّ هذه الكنيسة جزءًا من مجمع ديني أوسع يشمل أديرة وكنائس أخرى مثل دير القديس جورج، وقد كانت موطنًا لعشر كنائس قديمة، تتنوع بين الطوائف الكاثوليكية واللوثرية والأرمنية وغيرها. وقد كانت هذه الكنائس تمارس طقوسها الدينية في المدينة منذ القدم وتعد جزءًا من التراث الثقافي والديني ليافا.

 

شوارع يافا القديمة

شوارع يافا القديمة تعكس جمالية التراث العريق والحياة اليومية للسكان الأصلانيين في يافا. تضم الشوارع الضيقة والمعبدة بالحجارة العديد من المعالم التاريخية والأثرية ومن أهم هذه الشوارع ومن شارع إسكندر عوض التجاري، وشارع جمال باشا، وغيرها ومن أبرزها الشوراع الآتية:

 

  1. شارع النزهة

يعد شارع النزهة المعروف من الشوارع القديمة والمهمة في يافا. يمثل هذا الشارع محورًا تجاريًا وحيويًا يعكس تاريخ المدينة وثقافتها الغنية. يمتد الشارع عبر قلب يافا القديمة، وكان يشتهر بمبانيه التاريخية التي تعود إلى الحقبة العثمانية وفترات سابقة.

الأنشطة التجارية والأسواق؛ شارع النزهة مليء بالأنشطة التجارية المتنوعة. يضم العديد من المحلات التجارية التي تبيع مختلف السلع، بدءًا من الملابس والأحذية إلى الحرف اليدوية والمنتجات التقليدية. ويقع شارع النزهة بالقرب من العديد من المعالم السياحية المهمة في يافا، مثل برج الساعة وساحة الشهداء. هذا الموقع الاستراتيجي جعل منه محورًا يسهل الوصول منه إلى العديد من المواقع التاريخية والثقافية الأخرى في المدينة.

  1. شارع البحر

يعد شارع البحر واحداً من أجمل الشوارع في يافا حيث يمتد على طول الساحل، ويوفر إطلالات خلابة على البحر الأبيض المتوسط. ويحتوي الشارع على مطاعم ومقاهي ومحلات تجارية تضفي عليه جوًا مميزًا من الحيوية والنشاط.

يمتاز الشارع بمزيج فريد من التاريخ والثقافة، حيث يمكن للزوار استكشاف المعالم التاريخية القريبة مثل ميناء يافا وبرج الساعة، وكذلك التمتع بالأجواء الحيوية التي تعكس التراث العريق للمدينة.

 

في ختام رحلتنا إلى يافا القديمة ندرك أن هذه المدينة ليست مجرد مكان تاريخي بل هي تجسيد لتراث الشعب الفلسطيني، ومرآة لتنوع وثرائه الثقافي. ومن خلال اكتشافنا لمساجدها القديمة وشوارعها الضيقة وكنائيس المدينة، يتكشف أن كل حجر وكل مبنى له قصة تحكى، ولكل زمان ومكان في يافا إرثه الخاص. في مدينة يافا، كُشف عن تنوع ثقافي وتعايش اجتماعي، في حياة يومية كانت تنبض بالحيوية والنشاط، قطعتها النكبة والاحتلال الإسرائيلي للمدينة.