أعلنت حركة حماس، اليوم الثلاثاء، اختيار قائدها في قطاع غزة، يحيى السنوار، رئيسًا لمكتبها السياسي خلفًا لإسماعيل هنية.
ويعتبر يحيى السنوار الرجل الأول على قائمة أهداف الاحتلال الإسرائيلي، وأضحى الشخص الذي تفكر فيه "إسرائيل" على مدار الوقت، لا سيما أنه خرج من السجن عام 2011 رغم صدور أربع مؤبدات بحقه، فيما تحول إلى مطلوب أساسي للاحتلال بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر.
يأتي اختيار السنوار لرئاسة الحركة في وقت تتم فيه المفاوضات السياسية مع الاحتلال لصفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة
ويأتي اختيار السنوار لرئاسة الحركة في وقت تتم فيه المفاوضات السياسية مع الاحتلال لصفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، وقد عُرف عنه حزمه في المفاوضات مع الاحتلال والذي ظهر بوضوح أثناء صفقة وفاء الأحرار، حيث أصر على رفض جميع الصفقات المطروحة التي لم تشمل أسرى القدس أو أصحاب الأحكام العالية، وتمكّن بالنهاية إحراز الصفقة بالشروط التي وضعتها الحركة.
ولعب السنوار دورًا محوريًا في صفقة وفاء الأحرار عام 2011، التي أفرج فيها عن 1027 أسيرًا فلسطينيًا مقابل الأسير الإسرائيلي لدى حماس، جلعاد شاليط، إذ ينسب الفضل له وللقياديين "صالح العاروري وأحمد الجعبري"، في إنجاز صفقة فاقت كل الصفقات المطروحة خلال خمسة أعوام من المفاوضات بين عامي 2006-2011.
حياة يحيى السنوار
ولد يحيى السنوار في مخيم خانيونس للاجئين الفلسطينيين، في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1962، وتنحدر عائلته من مدينة المجدل ــ عسقلان التي دُمّرت بالكامل وهُجّر سكانها على يد العصابات الصهيونية خلال نكبة عام 1948.
تلقى السنوار تعليمه في مدارس المخيم حتى أنهى مرحلة الثانوية، والتحق بالجامعة الإسلامية حيث تحصّل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية.
وشارك خلال مرحلة دراسته الجامعية في النشاط الطلابي بالجامعة، حيث كان عضوًا في مجلس طلبة الجامعة الإسلامية لمدة خمس سنوات، كما ترأس "الكتلة الإسلامية"، التي كانت نواة تأسيس حركة حماس، إذ ظهرت قبل تأسيس الحركة بحوالي 10 أعوام.
رأى السنوار أن تحصين المجتمع من الداخل، وكسر الاحتلال لا يتم قبل القضاء على أدواته في الداخل الفلسطيني
وشارك السنوار في تأسيس أول جهاز أمني للحركة عام 1983، والذي عرف باسم "أمن الدعوة". وتطور نشاطه فيما بعد ليشارك في تأسيس جهاز الأمن "مجد" عام 1985، قبل سنتين من انطلاقة حركة حماس، الذي كُلّف بملاحقة عملاء الاحتلال في قطاع غزة.
ورأى السنوار أن تحصين المجتمع من الداخل، وكسر الاحتلال لا يتم قبل القضاء على أدواته في الداخل الفلسطيني. وحقق هذا من خلال قيادة مجموعة من الكوادر الأمنية داخل الجهاز، ولاحق بنفسه عددًا من العملاء وأجرى تحقيقات معهم.
وأصبحت "مجد" النواة الأولى لتطوير النظام الأمني الداخلي لدى حركة الإخوان المسلمين في قطاع غزة. وانتقلت فيما بعد لملاحقة ضباط جيش الاحتلال واستخباراته.
الاعتقال
تم اعتقال السنوار لأول مرة عام 1982 بتهمة القيام بـ"أنشطة تخريبية"، ووضع رهن الاعتقال الإداري لمدة 4 أشهر.
ومن ثم وضعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية السنوار تحت دائرة المراقبة، وتم اعتقاله مجددًا عام 1985 بتهمة المشاركة في تأسيس "مجد"، وحكم عليه بالسجن لمدة 8 أشهر.
واعتقل للمرة الثالثة عام 1988، وأصدرت محكمة إسرائيلية في 20 كانون الثاني/يناير 1988 حكمًا بسجنه بـ4 مؤبدات، بالإضافة إلى حُكم بالسجن لمدة 30 عامًا. وتم توجيه اتهامات له بالمشاركة في تأسيس الجهاز العسكري لحركة حماس، الذي عُرَف لاحقًا باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، خلال الانتفاضة الأولى بداية التسعينات.
وذكر المحقق، الذي كان يعمل آنذاك كضابط في قضية يحيى السنوار عام 1988، عن مجريات التحقيق، وقال إن السنوار توعده قائلًا: "أنت تعلم أنه في يوم من الأيام ستكون أنت الشخص الذي سيتم استجوابك، وسوف أقف هنا بصفتي الحكومة، كمحقق، وسأستجوبك".
وأكد أن يحيى السنوار لم يعرف الخوف في التحقيقات، ولم يخف أفكاره بشأن نيته قتل أعضاء الشاباك، وكل ضباط المخابرات، "وشتمنا وهددنا دون خوف".
وأشار المحقق إلى أن وضعه في الاعتقال لم يؤثر على قدراته القيادية أو تصميمه على التحرك ضد "إسرائيل"، وعلى العكس من ذلك، استمر في العمل في السجن، وتجنيد الأفراد، الذي وصفه المحقق بـ"المخيف".
ونقلت صحيفة هآرتس عن المحقق، أن الشاباك كان لديه إجماع بالفعل عام 1988، على أن قدرات وشخصية يحيى السنوار ستجعل منه قائدًا يسمع صداه لفترة طويلة.
شارك مع أسرى آخرين بصياغة وثيقة الأسرى لإنهاء الانقسام في أيّار/مايو 2006، كما تربطه علاقة مميزة مع الأسرى من مختلف التنظيمات
وتم عزله في عزل سجن "أيلون" بتهمة تشكيل خطرٍ على أمن إسرائيل مطلع عام 2011، وشارك زنزانة مع الأسير المحرر وليد عقل، الذي قال عن السنوار لـ"الترا فلسطين": "تشعر أنه أمك وأبوك.. من ناحية التعليم وتحضير الطعام، والتنظيف، والأمور المعيشية، لا يحب أن يعمل أحد شيء من هذه الأمور وهو حاضر، كما كان عنيفًا معهم (ضباط السجون)".
ومن العبارات التي كان يرددها السنوار وفق عقل: "الدنيا عندي صفر على الشمال.. أنتظر رصاصة برأسي لأكون شهيدًا"، ويقول عنه: "هو مخطط ذكي وحريص على أموال حماس، وتعلم اللغة العبرية، وشؤون الاحتلال من حيث طريقة تفكيرهم وحياتهم، وكيف يجب التعامل معهم".
وعرف عن السنوار أنه كان مقرّبًا من الشباب في الأسر، وتحديدًا في سجن نفحة عام 1998 عندما دعم مطالبهم التي سميت حينها "مطالب الثورة"، خلافًا لموقف عددٍ من القيادات القدامى، حيث طالب الشباب من أسرى حماس بتشكيل هيئة قيادية عليا عبر الانتخاب، يتبعها تشكيل لجان شورى، وتنصيب أميرٍ للتنظيم، وصياغة نظام إداري وضوابط قانونية داخلية، إذ جاء يحيى السنوار وقتها ليؤكد على هذه المطالب التي أسست لمرحلة جديدة في السجون.
ولم يعش خلال اعتقاله في السجون المفتوحة سوى بضعة أشهر، وقضى جلّ حياته داخل "غرف العزل". وخاض سلسلة إضرابات عن الطعام خلال اعتقاله، أبرزها عام 2004 حين كان في سجن هداريم، وشارك في الإضراب رفقة أسرى حركة فتح على رأسهم القيادي مروان البرغوثي، وكان ممثل الأسرى في التفاوض مع إدارة السجن.
وشارك مع أسرى آخرين بصياغة وثيقة الأسرى لإنهاء الانقسام في أيّار/مايو 2006، كما تربطه علاقة مميزة مع الأسرى من مختلف التنظيمات.
وطوال حياته في الأسر، عمد السنوار على رفع وعي الأسرى الأمني من خلال طريقتين، الأولى، دورات "أمنية أكاديمية" تستمر لعدة أشهر داخل السجن، والثانية في الجانب العملي من ناحية توكيل بعض الأسرى الشباب بمهام أمنية في "الرصد والأرشفة والتحقيق"، وهذا ما حقق بصمة في "عمل الشباب المقاوم" اليوم بعد تحررهم، كما يقول تيسير سليمان.
عضوية المكتب السياسي
عاد السنوار لممارسة نشاطه السياسي داخل حركة حماس بعد الإفراج عنه، وشارك في انتخابات الحركة الداخلية عام 2012، وفاز بعضوية المكتب السياسي في قطاع غزة.
كما تولى مسؤولية الملف الأمني داخل حركة حماس. وفي عام 2013، أوكلت إليه مهمة قيادة الملف العسكري للحركة المرتبط بجناحها العسكري كتائب عز الدين القسام.
ولدوره البارز داخل الحركة، انتخب رئيسًا للمكتب السياسي بقطاع غزة، في 13 شباط/فبراير 2017.
في هذه الفترة، برز دور يحيى السنوار في إعادة بناء العلاقة مع إيران، كما رفع السنوار ميزانية الجهاز العسكري وأعطاه الأولوية، حتى لو كان على حساب المكتب السياسي لحماس، كما عزز حضور ودور الجهاز العسكري في القرار التنظيمي على مستوى أقاليم الحركة الداخلية والخارجية، وباتت كلمة قائد الجناح العسكري محمد الضيف "كلمة لا يمكن تجاهلها"، وفق تقديرات عدة.
يعرف عن السنوار فهمه العميق للمجتمع الإسرائيلي، وتركيبة المجتمع الإسرائيلي وكيفية تفكيره
وقال الأسير المحر صلاح الدين العواودة، لـ"الترا فلسطين"، في حديث سابق: "كما أن أبرز الأعمال التي تحسب له عقب تحرره من السجن، هي الثأر للشهيد أحمد الجعبري، نائب قائد كتائب القسام الذي اغتاله الاحتلال في الرابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2012، حيث ردّت حماس حينها بقصف مدينة تل أبيب لأول مرة بـ 40 صاروخًا، وكان السنوار وقتها ممثل الجهاز العسكري لكتائب القسام في المكتب التنفيذي للحركة".
وأدرجته الولايات المتحدة رفقة اثنين من قادة الحركة، مسؤول الجناح العسكري محمد الضيف، وعضو المكتب السياسي روحي مشتهى على قائمتها "للإرهابيين الدوليين". كما وضعته إسرائيل على قائمة المطلوبين للتصفية في قطاع غزة. وقد عرض جهاز "الشاباك" اغتيال يحيى السنوار 6 مرات، وشملت مخططات تصفيته تفاصيل دقيقة وشاملة، وضمن ذلك تصورات لتداعيات عملية الاغتيال.
ويعرف عن السنوار فهمه العميق للمجتمع الإسرائيلي، وتركيبة المجتمع الإسرائيلي وكيفية تفكيره، إذ يجيد بطلاقة اللغة العبرية، وله العديد من المؤلفات والترجمات السياسية والأمنية، من أبرزها: ترجمة كتاب "الشاباك بين الأشلاء"، وهو كتاب يتناول جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، وترجمة كتاب "الأحزاب الإسرائيلية عام 1992" وهو كتاب يتطرق إلى الأحزاب السياسية الإسرائيلية في تلك الفترة. وكتاب "حماس التجربة والخطأ" وهو رصد لتجربة الحركة.
وكتاب "المجد" الذي تناول فيه عمل جهاز الشاباك، وبدأ يستعرض عمليات الاغتيال والتصفيات التي استهدف بها رموز المقاومة الفلسطينية. وتناول في الفصل الأول من كتابه أجهزة الأمن الإسرائيلية بشكل عام، بينما استعرضت باقي الفصول أهداف ومهام ومجالات عمل الشاباك الأساسية.
وللسنوار أيضًا، كتاب "أشرف البعلوجي" الذي تناول فيه عملية الأسير المحرر أشرف البعلوجي في مدينة يافا، كما له رواية بعنوان "الشوك والقرنفل"، تسرد تجربة النضال الفلسطيني بعد عام 1967 حتى الانتفاضة الأولى.