12-أكتوبر-2024
معاناة النازحين خلال فصل الشتاء

(ultrapal) العديد من أماكن التعلم المؤقتة البالغ عددها 215، والتي تخدم نحو 34 ألف طفل، معرضة الآن لخطر التأثر الشديد بالفيضانات القادمة

"كنا نائمين، وفجأة بدأت الأمطار بالهطول. استيقظ الأطفال في خوفٍ، وكانت الخيمة تسرّب المياه من سقف القماش. ومع استمرار المطر، سقطت الخيمة فوقنا. خرجنا إلى الخارج، حيث وجدت جميع العائلات قد خرجت أيضًا. في تلك اللحظة كنت على وشك فقدان طفلي الذي يعاني من نقص الأوكسجين ويعجز عن المشي. كان ذلك الوقت لا يختلف عن أهوال القصف الإسرائيلي". هكذا يروي الشاب علي السنداوي، 29 عامًا، النازح غرب مخيم النصيرات، وسط القطاع، والمعاناة التي عاشها وعائلته مع هطول الأمطار خلال المنخفض الجويّ الأخير على قطاع غزة، رغم أنه لم يدم سوى يومٍ واحد.

حتى في أوقات الهروب من الأمطار، يواصل الاحتلال جرائم الإبادة الجماعية ويلاحق الأطفال والنساء بالرصاص

لم تكن تلك الليلة صعبة فقط على عائلة علي السنداوي، بل على مئات الآلاف من النازحين الآخرين الذين يعيشون في خيام مهلهلة مصنوعة يدويًا من الأخشاب والأقمشة والنايلون الذي مزقته أشعة شمس الصيف.

وتشير التقديرات إلى أن نحو 100 ألف خيمة من أصل 135 ألفًا غير قادرة على إيواء النازحين خلال فصل الشتاء المقبل، ويجب استبدالها بخيام مؤهلة لمقاومة الأمطار والرياح، وفقًا لبيان صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

خيام على الشاطئ
خيام على الشاطئ | محمد النعامي | الترا فلسطين

وساهم الترحال والنزوح المتكرر في لجوء النازحين إلى بناء خيام من مواد بسيطة، مما جعلها غير قادرة على الصمود في وجه الظروف الجويّة. وبسبب انعدام الدخل لدى الغالبية العظمى من النازحين، لم يتمكنوا من شراء الشوادر البلاستيكية (النايلون) والأخشاب اللازمة لبناء خيام تقيهم من مياه الأمطار، وفي المقابل، يمنع الاحتلال دخول الخيام الجاهزة ضمن المساعدات إلا بنسب ضئيلة.

ورغم أن المنخفض الجويّ الأخير كان محدودًا ولم تكن أمطاره كثيفة، إلا أنه أضرّ كثيرًا بالنازحين ودمر أعدادًا كبيرة من الخيام، مما زاد من مخاوف سكان القطاع مع بداية المنخفضات الجويّة الحقيقية التي تشهد انخفاض درجات الحرارة وهطول أمطار غزيرة ورياح قوية، في ظلّ الخيام البدائيّة الموجودة.

 طفل لا يملك ملابس لاستقبال الشتاء ويعاني من سوء تغذية (1) (1).jpg
يعاني الأطفال النازحون من سوء التغذية ويواجهون فصل الشتاء دون ملابس دافئة | محمد النعامي | الترا فلسطين 

قال علي السنداوي، إنه استطاع تأمين طفله المريض في خيمة قريبة مكتظة بالنازحين، بينما بقي هو مع زوجته وطفلته المصابة بفعل الحرب وطفله الآخر، في العراء ينتظرون انتهاء الأمطار.

وأضاف في حديث لـ "الترا فلسطين": "لم يتمكن أحد من النوم في تلك الليلة. حتى بعد توقف الأمطار كان كل شيء غارقًا بالمياه. مع الصباح بدأت بتجفيف أقمشة الخيمة وإعادة بنائها لتستر عائلتي على الأقل. ولا أعلم ما سأفعله عند وصول منخفض جويّ آخر".

تجول فريق "الترا فلسطين" في المناطق الغربية للمنطقة الوسطى، وهي المناطق التي تشهد الكثافة الأعلى لتواجد النازحين، ورصد الفريق الأوضاع المأساوية التي يعيشها النازحون، حيث وثق بالكاميرا الخيام المتهاوية نتيجة المنخفض الجويّ والأمطار التي هطلت.

الخيام التي يعيش فيها النازحون مليئة بالثقوب وغير مقاومة للأمطار | محمد النعامي | الترا فلسطين
الخيام التي يعيش فيها النازحون مليئة بالثقوب وغير مقاومة للأمطار | محمد النعامي | الترا فلسطين

عاشت دينا المصري، 18 عامًا، لحظات صعبة عندما انهارت الخيمة التي كانت تسكنها وظلّت مستيقظة طوال الليل. وعبرت عن خوفها من أن تقضي أيام الشتاء بهذه الطريقة.

وقالت في حديث لـ "الترا فلسطين": "خيمة عائلتنا لم تتحمل الأمطار، فتجمعت المياه بداخلها مما أدى إلى تلف الطحين والبقوليات والطعام الذي لدينا، وهو كل ما نملكه منذ استشهاد معيل الأسرة قبل شهرين". 

علي السنداوي
عائلة علي السندواي | محمد النعامي | الترا فلسطين

أضافت دامعة: "تعبنا والله تعبنا. يوم نخاف من القصف، ويوم من النزوح، ويوم من الجوع، ويوم من المرض وقلة الرعاية، واليوم نخاف من الشتاء والأمطار والبرد. هذه هي أيامنا في غزة. حتى خيمة لا تدخلها المياه لا نملكها، وحتى كتب ودفاتر التوجيهي التي كنت أدرس منها تلفت خلال المنخفض".

وحتى في أوقات الهروب من الأمطار، يواصل الاحتلال جرائم الإبادة الجماعية ويلاحق الأطفال والنساء بالرصاص. يقول النازح محمود الجعيدي إنه يمتلك خيمة تستطيع مقاومة المياه، وعندما بدأت الأمطار بالخروج منها أتاح للنساء والأطفال الاحتماء بداخلها. بعد دقائق، استهدفت طائرة "كواد كابتر" إسرائيلية الخيمة بالرصاص، مما أصاب النساء والأطفال بالرعب ودفعهم للهرب منها.

 آلاف الأطفال يحتاجون تدخل عاجل يمدهم بملابس وأغطية ومستلزمات تدفئة خيام قبل وصول فصل الشتاء (1).jpg
آلاف الأطفال يحتاجون إلى تدخل عاجل يمدهم بملابس وأغطية ومستلزمات لتدفئة لبخيام قبل وصول فصل الشتاء | محمد النعامي | الترا فلسطين

وقال الجعيدي في حديث لـ "الترا فلسطين": "لم أتحمل رؤية الأطفال والنساء يواجهون الأمطار، فدعوتهم للدخول. ويبدو أن قوات الاحتلال كانت تراقب المشهد، وعندما دخلوا أطلقت الطائرة الرصاص نحوهم، ولكن الله كتب لهم النجاة، حيث أصاب الرصاص الجزء المخصص للمطبخ، وكأن الاحتلال يعاقب أسرتي لاستقبال من فرّوا من الأمطار".

تجوّل فريق "الترا فلسطين" في المناطق القريبة من الشاطئ، حيث يواجه آلاف النازحين تهديدات بتجمع مياه السيول خلال فصل الشتاء، خصوصًا في منطقة الجرف الواصل بين شارع الرشيد وشاطئ البحر، وهي مساحة منحدرة على عدة طبقات حيث وضعت مئات الخيام. تتكرر هذه المشكلة في مناطق مثل الشاطئ جنوب مرتفع النويري غرب النصيرات، وقبالة قرية الزوايدة، وفي أجزاء من شاطئ دير البلح.

خيمة في غزة
خيمة لعائلة نازحة | محمد النعامي | الترا فلسطين

كما تقام مخيمات كبيرة على الأراضي المنخفضة التي تتجمع فيها المياه على شكل برك سنويًا، مما يعرّض أرضية الخيام للغمر بالمياه وإفساد محتوياتها، في ظلّ عدم وجود مناطق فارغة للإخلاء. وسبق أن طلبت بلدية دير البلح من آلاف النازحين إخلاء هذه المناطق في أيّلول/سبتمبر تحسّبًا لتجمع المياه وغرق الخيام.

يستقبل النازحون فصل الشتاء في ظلّ نقص حاد في الملابس الشتوية والأغطية وحتى الأحذية، حيث تعاني الأسواق من ندرة في الملابس وارتفاع أسعارها، في ظلّ الفقر المستشري في القطاع. ووفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي في 26 أيّلول/سبتمبر، فإن جميع سكان قطاع غزة يعانون من الفقر بنسبة بلغت 100%.

من جهتها، قالت سلمى المنسي إن أطفالها الأربعة لا يملكون سوى ملابس صيفية، ولا تمتلك العائلة أغطية تقيهم برد الشتاء عند النوم، ولا تملك المال لشراء مثل هذه الاحتياجات. وأضافت: "خلال المنخفض الجويّ الأخير وبعد تبللهم داخل خيمتنا الممزقة، بدأ أطفالي يرتجفون من البرد، لم أجد قطعة قماش جافة لتدفئتهم، وقفت عاجزة وأجسادهم ترتعش. كيف سأتصرف عندما يبدأ الشتاء الحقيقي؟".

خيمة مخصصة لـعائلة مكونة من 12 فرد._0.JPG Remove
خيمة لعائلة من 12 شخصًا | محمد النعامي | الترا فلسطين

ومن المتوقع أن يواجه قطاع غزة موجة جديدة من الأزمات الصحية والأمراض المعدية بجانب الكوارث المستمرة، حيث تزداد الظروف المساعدة على نشأة وانتشار الأمراض في فصل الشتاء في ظلّ الانهيار التام للمنظومة الصحيّة وتكدّس النازحين وعوامل التلوث.

وأطلق المكتب الإعلامي الحكومي نداء استغاثة إنسانية لإنقاذ مليوني نازح في قطاع غزة قبل قدوم المنخفضات الجويّة ودخول فصل الشتاء بظروفه المناخيّة القاسية. وأشار إلى أن 74% من خيام النازحين باتت غير صالحة للاستخدام، حيث أوضحت فرق التقييم الميدانية الحكومية أن نحو 100 ألف خيمة من أصل 135 ألفًا بحاجة إلى استبدال عاجل نتيجة اهترائها تمامًا بعد 11 شهرًا من النزوح.

تواجه الخيام خطر الانهيار مع اقتراب فصل الشتاء
يستقبل النازحون فصل الشتاء في ظلّ نقص حاد في الملابس الشتوية والأغطية وحتى الأحذية | محمد النعامي | الترا فلسطين

وحذّر المكتب الإعلامي من أن قطاع غزة مقبل على كارثة إنسانيّة حقيقيّة مع دخول فصل الشتاء، مما يعني أن مليونيّ إنسان سيصبحون بلا مأوى وسيفترشون الأرض ويلتحفون السماء.

وفي آخر تحديث صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (أوتشا)، تم التحذير من أن تلبية الاحتياجات الإنسانيّة لأكثر من 2.1 مليون شخص خلال موسم الأمطار يتطلب وصولًا إنسانيًا دون عوائق إلى غزة وعبرها. كما حذّرت مجموعة التعليم من أن العديد من أماكن التعلم المؤقتة البالغ عددها 215، والتي تخدم نحو 34 ألف طفل، معرضة الآن لخطر التأثر الشديد بالفيضانات القادمة.