يُقال لموسم الزيتون "أبو المواسم"، فهو من أهمّ المواسم الزراعيّة في فلسطين، ويعدُّ أوّل موسم في التقويم الفلاحي الفلسطيني القديم، إذ يأتي بعد "شتوة المساطيح" التي تُعتبر بداية العام الجديد في التقويم الشعبي، ويليه في الأهميّة موسم "حصاد القمح".
موسم الزيتون غنيٌّ جدًا بالمأثورات والمرويات والحكايات والأمثال المُرتبطة بالزيت والزيتون
يبدأ موسم قطاف الزيتون في فلسطين في التشارين؛ أي تشرين أول وتشرين ثاني، ويبدأ الفلاحون بالنزول إلى الحقول بعد سقوط أول شتوة في الموسم، شتوة تشرين أو شتوة الزيتون. وتتفاوت مواقيت البدء في قطافه من منطقة لأخرى حسب الجغرافيا ودرجات الحرارة.
وجسّد المثل الشعبي أهمية موسم الزيتون، حين قال: "القمح والزيت عماد البيت"، و"القمح والزيت سَبعين في البيت"، و"قمحي وزيتي عمارة بيتي"، و"خبز وزيتون أطيب ما يكون".
هو موسم البركات لدى الفلاحين، كيف لا، والزيتون "رزق الموسم" الذي يبدأون فيه عامًا اقتصاديًا جديدًا. وهذا الموسم غنيٌّ جدًا بالمأثورات والمرويات والحكايات والأمثال المُرتبطة بالزيت والزيتون:
على دلــعـونـا وعلى دلـعــونـا .. زيتون بلادي أجمل ما يكونا
زيتون بلادي واللوز الأخضر .. والميـرميه وما بنسى الزعتر
وأقراص العـجـّـه لمـا تتـحـمر .. مـا أطيبـها مع زيت الزيتونا
ولزيت الزيتون أهميّة كبيرة بالنسبة للفلاح الفلسطيني، فقد قيل عنه الكثير، ومن أهمّ الأمثال الشعبيّة: "السمن للزين والزيت للعصبنة"، أيّ أنّ السمن للأولاد يكون سببًا في زينهم وجمالهم، لكن الزيت يكون سببًا لقوة العصب والعضل، و"الزيت مسامير الركب" ويقصدون به أنه يشدُّ الركب عند كبار السن، و"ادهن ابنك بزيت وارميه في البيت"، و"كُل زيت وناطح الحيط"، "وقيل أيضًا أنّ "الزيت في العجين ما بضيع" أي أنّ الزيت ينفع في كل المأكولات، وله فوائد، وحتى لو وضعته في عجين الخبز، و"الزيتون شيخ السُفرة".
لموسم الزيتون صلة بأسماء الأغنام لدى الفلاحين، فتراهم يُسمّون أغنامهم نسبة للموسم الذي يلدن فيه!
والموسم مُرتبط بالمواقيت لدى الفلاحين، فقيل أنّ "أيام الزيت أصبحت أمسيت"، وأيضًا: "أيام الزيت طول الخيط"، وذلك كناية عن قصر النهار وطول الليل، وعن السنة التي يكون فيها الجوّ حارًا أثناء موسم القطاف، قال الفلاحون: "سنة الشّوب بتلبس الثوب"، أيّ أنّ السنة التي يكون فيها الجو حارًّا أثناء القطاف فإن ذلك يعني أنّ السنة المقبلة كثيرة البرودة.
وبالطبع لموسم الزيتون صلة بأسماء الأغنام لدى الفلاحين، فتراهم يُسمّون أغنامهم التي تلد في الخريف (أيلول وتشرين أول وتشرين ثاني) بـ"الغنم الزيتوني".
وتختلف تسميّة الموسم من منطقة لأخرى، فعدا عن القطاف، هُناك "القاط" الزيتون كناية عن جمع الحبّ باليد، أو "جداد" الزيتون، حين استخدام العصيّ في إسقاط الحبّ عن الشجرة الأم. وهذه العصيّ بالطبع لها أسماء مختلفة تبعًا لطولها، فمنها الجدّادة، والعبيه، والطوّاله، والشاروط. والأهازيج مليئة بوصف غني عن ذلك:
ديّتي يا ديّة اللـقاطة.. يا غارقة بالزيت والرقاقة
زيتونتي بجدّك بالجدادة.. وبـدرســـك بالـبـدادة
وجرت العادة أن يبدأ الفلاح عملية جمع حبّ الزيتون الساقط على الأرض قبل بدء قطف الزيتون، وهو ما يُعرف بـ "جول الزيتون". وهذا الحب الذي يُجمع يتم عصره ودرسه لوحده لأنه أقلّ جودة، وبالعادة يُدرس ويُصنع منه زيت (الطفاح)، وزيت الطفاح هو الزيت الذي يُستخرج بدرسه على حجر اسطواني (مدرس/ درداس) ثم يوضع في دلو حديديّ ويُصب عليه الماء المغلي ويتم تحريكه لمدة ربع ساعة، وبعدها يَطفح الزيت للأعلى وَيُجمع في إناء للأكل. والفلاح لا يترك أيّ حبة من زيتونه ولو كانت جافة ويابسة من سنة سابقة (كركيع) ولذا يقولون في المثل: "بنت السنة وبنت العام اللي ما بتصير زيت، بتصير جفت".
والزيتون في فلسطين أنواع، والذاكرة الشعبية تحفظ هذه الأنواع بما ارتبط بها من موروث محكي:
- "يا زيتون الحواري صَبَّح جَدّادك ساري".
- "الزيتون النبالي سيّال والقاطه عجال في عجال".
- "المُليصي زيته طيب بس القاطه بشيّب".
- "البرّي زيته مُرّي".
- "البلدي زيته طيب والقاطه بغلب".
وأفضل الزيتون للفلاح هو الزيتون الذي يكون حبُّه كبير ومريح للجمع والقطاف.
زيتونتي حبّها بلح بلح.. لو يدري بها القاضي سرح
زيتونتي حبها جرجير.. آخ لــو يـدري بهـا الـوزيـر
وهناك زيتون متنوع من حيث العُمر، كما النوع كالزيتون العُتقي، وهو الأقدم في فلسطين، ويمتاز بسمك كبير جدًا لساقه، وقريبٌ منه الزيتون الرومي الذي كاد يكون أكثر زيتون فلسطين، ثم الزيتون الإسلامي، وأخيرًا الزيتون الحكومي الذي زُرع في سبعينيات القرن الماضي.
وموسم قطاف الزيتون هو موسم عمل جماعي يتشارك فيه كُل الفلاحين، وتخرج العائلة كبارًا وصغارًا لجمعه لأنه يحتاج لجهد الجميع، ولكلٍ دوره في الموسم. والأهازيج الشعبية المُرتبطة بالزيتون تشير لضرورة البركة في العدد:
زيتونا حامل والزيت بنقط منه.. جدّاد يا وحداني يا رب كثّر منه
زيتونا حامل والزيت بجرار.. جدّاد يا وحداني يا رب تعمر داره
ويحرص الفلاحون في هذا الموسم على إعانة بعضهم البعض فيما يعرف اجتماعيا بـ "العونة/الفزعة"، وهو دور مُتبادل طوال العام وفي كُل المواسم والأعمال لدى الفلاحين: "من عاونّا عاونّاه، من عاونّا الله عانه".
ييـجوا فزعة وعونه إللي يحبونا.. ييـجوا فزعـه يا هلا وحيا الله
يضلّوا أحبابي يا من درى يا رب.. يضلوا أحبابي يا هلا وحيا الله
وقديمًا كان يُعصر الزيتون في البدّ (معصرة الحجر) قبل معاصر المكابس والمعاصر الحديثة "الزيت ما بطلع إلا بكثرة العصر"، وأفضل الزيت ذاك الذي يكون "من الشجر للحجر" أي الذي يُعصر أولًا بأوّل.
وشجرة الزيتون تحتاج إلى عناية كي تجود على الفلاح بالعطاء، فيقول المثل: "الزيتون زيّ ما بدك منه بدُّه منك" ولأجل ذلك يجب أن تُعطي الشجرة حقّها من حراثة وتقليم، وقالوا ع لسان الزيتونة "ابعد أختي عني وخُذ زيتها مني"، "وقنبني ولا تُكربني"، ومن العناية قولهم "التين اقطع واطيه، والزيتون اقطع عاليه".
وتمتاز الشجرة بظاهرة المُعاومة (تبادل الحمل)، ففي السنة الأولى يكون الحمل غزيرًا وتسمى السنة بـ"الماسية"، وفي العام التالي يكون المحصول خفيفًا، ويطلق عليه "شلتوني"، ويمكن التخفيف من هذه الظاهرة بالخدمة المناسبة من تقليم وريّ وعناية. وهو ما يُتابعه الفلاح في الأشهر التي تسبق موسم قطاف الزيتون: "سيل الزيتون من سيل كانون"، "إن أزهر بآذار جهزوا له الجرار"، "إن لسن الزيتون في شباط حضروا لبطاط"، و"في أيلول بطيح الزيت في الزيتون".
ويتم تخزين الزيت في جرار لاستخدامه طوال العام، فيما يُباع ما يزيد عن حاجة الفلاح: "خلي الزيت بجراره تا تيجي أسعاره"، و"أُجرة البيت وحق الزيت ما فيها جميلة".
ويُسارع الفلاحون لعمل أكلة المسخن، بزيت الزيتون لحظة انتهائهم من الموسم المبارك داعين بأن يعود الموسم القادم "وإحنا زايدين مُش ناقصين".