على باب "دكان" يبيع المواد الغذائية في حي الطيرة بمدينة رام الله، ستُفاجئك حجارةٌ بأشكالٍ وأحجامٍ مختلفة على الجانبين. وعلى الرفوف الحديدية بجانب المواد الاستهلاكية والغذائية، فينظر البعض باستغراب إلى صاحب المحل، ومنهم يتساءل ماذا يفعل بها؟ لكن هي ليست مجرد حجارة، بل أحافير يجمعها منذ سنوات طويلة.
الستّيني محمد بدوان من بلدة كوبر، يجوب جبال الضفة بحثًا عن الأحافير، يجمعها ويحتفظ بها في محلٍ يملكه في حي الطيرة
الستّيني محمد بدوان من بلدة كوبر في رام الله، يجوب جبال الضفة بحثًا عن الأحافير، يجمعها ويحتفظ بها في محلٍ يملكه في حي الطيرة، حتى زادت مقتنياته عن 1500 أحفورة.
هذه الأحافير، بقايا أو آثار كائنات حية من حيوانات ونباتات عاشت على الأرض قبل ملايين السنين، وتحولت كاملة أو بعض أجزائها إلى متحجرات، وهي تشمل الآثار التي تركتها هذه الكائنات من أقدام أو طبعات لشكل الأجساد على الصخور، وفقًا لتعريف الباحث خالد عودة الله في مقال له بعنوان "أحافير فلسطين: تاريخ سياسي لما قبل التاريخ".
اقرأ/ي أيضًا: المغير.. آخر معاقل الطابون
منذ طفولته، كان بدوان يخرج إلى الوديان في كوبر يجمع الحجارة الملونة. في البداية كان يرافقه أصدقاؤه، لكن نظرًا للمسافات الطويلة التي يقطعها مشيًا على الأقدام، أصبح يخوض رحلاته هذه منفردًا.
قبل ثلاثين سنة، وبينما كان بدوان يمشي في جبال كوبر، لفت انتباهه حلزون متحجر في صخرة، ليعود إلى منزله ويأخذ "الشاكوش والأزميل" ويرجع إلى موقعها، ويبدأ باستخراجها من الصخرة، لكن وخلال محاولته تعرضت للكسر.
لم يكن في البداية يعرف أن هذه أحافير، لكنه مع مرور السنوات، أصبح قادرًا على التمييز بين الحجارة العادية والأحفورة، وأصبح يهتم في هذا المجال ويقرأ مقالات عن الأحافير ويتابع خبراء أجانب متخصصين في علم الجيولوجيا.
يقول: "بدأت بجمع الأحافير في محلي برام الله، ويحتوي على أشكال وأصناف لكائنات حية متحجرة، لدي ما يقارب 200 بيضة لزواحف ومنها لديناصورات، وهذه استخرجها من الصخور، لدي أيضًا جماجم، وطيور وكائنات بحرية، وفواكه متحجرة".
في بداية رحلته بجمع الأحافير، كان يحتفظ ببيض الزواحف في منزله، وفي يوم من الأيام وجد ما جمعه في حديقة جيرانه، فسأل زوجته لماذا ألقت بها خارجًا، فأجابته أنه وخلال زيارة عمه لهم قال لها أن تلقيهم خارجًا لأن هذه "قرعة إبليس" وتؤدي لفساد البيت.
يشير بدوان إلى أن رحلاته تتركز في مدينة رام الله التي تجول في كل جبالها وقراها كما يقول، بعد أن كان سابقًا يستثمر عمله بين المحافظات في البحث عن هذه الأحافير، لكن أغلب الأحافير التي عثر عليها في جبال بلدته كوبر.
أصبح بدوان مع خبرته خلال السنوات، قادرًا على معرفة الأماكن التي يجدر به البحث فيها عن الأحافير، وصار قادرًا على التمييز من مسافة 15 مترًا بين الأحفورة والحجارة، فهو يبحث في التربة الحمراء لا البيضاء، ويتوجه للأماكن التي تحفر بها الجرافات.
يُبين أنه خلال تجوله في مدينة رام الله، وجد أصحاب أحد المنازل ألقى بأحفورة على الأرض بعد أن وجدها في تربة حمراء في حديقة منزله، مشيرًا إلى أن بعض المواطنين يجدون الأحافير ولا يعرفون ما هي، وكم عمرها.
يضيف أن الأحافير "ثروة لفلسطين، لكن الكثير منا يمر عليها أو يدوسها دون أن يعرف أهميتها"، أما السياح الأجانب فعندما يدخلون محله، يعبرون عن دهشتهم لدى رؤيتهم لتلك الأحافير، ويخبرونه بأنه ثري دون أن يعرف، فهي بحسبهم تساوي ملايين الدولارات.
يرفض بدوان بيع أي أحفورة لديه، رغم تساؤلات السياح عن إمكانية شرائها وتمريرها عبر المعابر خلال عودتهم لبلدانهم. ويعتقد بأن هذه الأحافير يجب أن يُحتفظ بها في متاحف متخصصة، ولذلك حاول التواصل مع وزارة السياحة والآثار لكنه لم يتمكن من الوصول إلى المسؤولين، كما يقول.
لا يجني بدوان أي مالٍ من جمع هذه الأحافير، ولا يوجد في السلطة الفلسطينية من يهتم لأمر ما يجمعه
يتمنى بدوان لو أنه يملك مالاً كافيًا لافتتاح متحف يحتفظ فيه بهذه الأحافير.
توجهنا إلى وزارة السياحة للحديث عن دورها بهذا الخصوص، فأجابنا مدير المتاحف جهاد ياسين، بأن هذه الأحافير جزءٌ من التاريخ والتراث الطبيعي لفلسطين، مبينًا أنها من اختصاص الجيولوجيين وليس الآثريين، وتحتاج لمتخصصين يُنقبون عنها ويدرسونها.
وأضاف أن الوزارة "قد تُزود بعض المتاحف التعليمية بالأحافير".
لا يجني بدوان أي مالٍ من جمع هذه الأحافير، ولا يوجد في السلطة الفلسطينية من يهتم لأمر ما يجمعه، لكنه رغم ذلك يواصل الخروج في كل يوم جمعة نحو جبال رام الله باحثًا عن الأحافير التي أصبحت هواية وإرثًا يوصي أولاده بعدم التفريط به.
اقرأ/ي أيضًا:
الخواصة.. هواية فاطمة وحرفتها لأكثر من 5 عقود