29-يوليو-2024
طفل يبيع مواد تنظيف تصنعها أسرته بطرق يدوية في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة-أحلام حماد-الترا فلسطين

طفل يبيع مواد تنظيف تصنعها أسرته بطرق يدوية في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة | تصوير أحلام حماد | الترا فلسطين

"إنهم يتفننون بقتلنا بالصواريخ والقذائف والأمراض"، بهذه الكلمات القليلة عبرت الفلسطينية الأربعينية هناء ماضي عن غضبها من الأزمة الحادة في مواد التنظيف المنزلية والنظافة الشخصية، وعدم توفرها بالأسواق، جرّاء منع الاحتلال الإسرائيلي توريدها لقطاع غزة.

"معقول يا ناس قطعة الصابون بـ 50 شيكل؟"، تتساءل هناء، 41 عامًا، وهي أم لأربعة أفراد، وتقول لـ "الترا فلسطين": "10 شهور من الحرب استهلكت أموالنا، وحتى المساعدات الإنسانية توقفت، ولم يعد باستطاعة غالبية الناس توفير أدنى متطلبات الحياة اليومية".

ومنذ احتلالها معبر رفح البري بين القطاع ومصر وتدميره إثر عمليتها العسكريّة البريّة في مدينة رفح في 6 أيّار/مايو الماضي، تمنع قوات الاحتلال تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية للقطاع، بما فيها مواد النظافة الشخصية والمنزلية.

 نازحة تعرض مرضًا أصاب جلد رأس طفلها بسبب قلة المياه ومواد النظافة الشخصية وتردي الحياة في الخيام-أحلام حماد-الترا فلسطين.JPG
 نازحة تعرض مرضًا أصاب جلد رأس طفلها بسبب قلة المياه ومواد النظافة الشخصية وتردي الحياة في الخيام | أحلام حماد | الترا فلسطين

أزمة مواد نظافة شخصية

قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع، كانت أفضل قطعة من الصابون التي تتحدث عنها هناء، وبجودة عالية، لا يزيد ثمنها عن 5 شواكل، لكن بسبب شحّها في الأسواق ارتفع سعر المتوفر ما بين 30 إلى 50 شيكلاً للقطعة الواحدة.

ووفقًا لهناء النازحة من شمال القطاع، ومتواجدة الآن في منطقة القرارة شمال شرقي مدينة خانيونس جنوب القطاع، فإن الأزمة في مواد النظافة الشخصية وحتى مواد التنظيف المنزلية المختلفة تعمق من "معاناة الغزيين" التي تمس أدق تفاصيل حياتهم اليومية.

وتدلل هناء على عمق هذه الأزمة باضطرار النساء إلى حلق شعر رؤوسهن لعدم توفر الصابون والشامبو، وتقول بحرقة: "شعر المرأة هو زينتها وتاجها لكن في ظل هذه الحرب المجنونة على غزة وخوفًا من الأمراض والحشرات هناك الكثير من النساء اللواتي حلقن شعورهن وشعور بناتهن".

نازحون يضطرون لحلق رؤوس أطفالهم خشية الامراض بسبب شح مواد النظافة الشخصية وارتفاع أسعار المتوفر منها بالأسواق-أحلام حماد-الترا فلسط
نازحون يضطرون لحلق رؤوس أطفالهم خشية الأمراض بسبب شحّ مواد النظافة الشخصية وارتفاع أسعار المتوفر منها بالأسواق | أحلام حماد | الترا فلسطين

 ومرارًا، حذرت الأونروا ومنظمات دولية أخرى من مخاطر تفشيّ الأمراض المعدية في أوساط 2.2 مليون فلسطيني، أكثر من 85% منهم نازحون ومن بينهم زهاء مليون و700 نسمة يتكدسون في جنوب القطاع، وذلك جرّاء تدني مستوى النظافة في الخيام ومراكز الإيواء.

واضطرت هناء لشراء عبوة صغيرة من الشامبو لغسل شعر الرأس بـ 25 شيكلاً بما يزيد عن ضعف سعرها المعروف قبل الحرب، وتقول إن البائع أخبرها أنها "مهرّبة من مدينة غزة واضطر إلى دفع مبالغ باهظة من أجل تأمين وصولها إلى جنوب القطاع".

 

بدائل قاسية

وفيما لا يتوفر بديل عن مواد النظافة الشخصية، تنتشر مواد تنظيف المطبخ والحمام والأرضيات المنزلية المصنعة محليًا على البسطات الصغيرة في السوق، إلا أن كثيرين يخشون استخدام الصابون المصنع محليًا على أجسادهم للاستحمام والنظافة الشخصية.

وتباع هذه المواد بأسعار مضاعفة، وتفوق سعر المستورد منها قبل الحرب، وفقًا لهناء، ولكنها تضطر إلى شرائها بكميات قليلة ولا تبالغ في استخدامها لغسل الأواني وتنظيف أرضية المنزل الذي تقيم به.

 مواد تنظيف صناعة محلية بدائية تنتشر على بسطات صغيرة في أسواق قطاع غزة-أحلام حماد-الترا فلسطين.JPG
مواد تنظيف صناعة محلية بدائية تنتشر على بسطات صغيرة في أسواق قطاع غزة | أحلام حماد | الترا فلسطين

لكن دينا النعيزي، 25 عامًا، النازحة من مدينة غزة وتقيم في خيمة بمدينة دير البلح، فليس بمقدورها شراء مواد التنظيف، وتقول لـ "الترا فلسطين" إن أسعارها باهظة جدًا، ووضع أسرتها المادي سيء للغاية.

وتضطر هذه الزوجة العشرينية، وهي أم لأطفال بينهم اثنان أقل من عامين، إلى غسل أواني الطبخ والطعام باستخدام الرمل والماء فقط، فيما تشكو من أمراض جلدية أصابت أطفالها جرّاء عدم توفر الصابون والشامبو وحتى المياه النظيفة لا تتوفر باستمرار من أجل النظافة الشخصية والاستحمام.

وتقول هذه الأم النازحة في خيمة داخل أسوار "ملعب الدرة" بمدينة دير البلح إن "الأسعار نار، وأوضاعنا المعيشية صعبة للغاية، وحتى من كان لديه مال أنفقه خلال شهور الحرب الطويلة، وغالبية النازحين لا يستطيعون شراء الصابون والشامبو ومواد التنظيف الأخرى".

وليس بعيدًا عن خيمة دينا، تقيم حنين الصعيدي وهي حامل، وأم نازحة من شمال القطاع ولديها طفلان (ولد وبنت)، وتشير في حديثها لـ "الترا فلسطين" إلى مكان خيمتها إلى جانب حمامات تفوح منها روائح كريهة، وأرض الملعب المعشّب تخرج منها ديدان وتنتشر الحشرات في أرجاء المكان وداخل الخيام، وتقول: "إلى حين عودتنا إلى منازلنا في الشمال (..) نحن بحاجة ماسة لمواد تنظيف قبل أن نموت بالأمراض بسبب قلة النظافة".

ولجأت حنين إلى حلق شعر رأسي طفليها تحسبًا من انتشار الحشرات، ووفقًا لها فإن الشعر بحاجة إلى رعاية واهتمام ونظافة يومية، وهذا لا يتوفر في خيام النازحين، وفي ظل عدم توفر مواد النظافة الشخصية، وتقول: "عبوة الشامبو للأطفال وصل سعرها 40 شيكلًا، فكيف نشتريها ولدينا أولويات أهم منها كالطعام والشراب".

وهذه الأم ليست حالة استثنائية فكثير من الأمهات أجبرن على فعل ما فعلت، وحلقن شعورهن وشعور رؤوس أطفالهن للوقاية من الأمراض والحشرات، لعدم توفر المياه النظيفة ومواد النظافة.   

 

صناعة محلية

وانتشرت في الآونة الأخيرة بسطات صغيرة في الأسواق والشوارع العامة لبيع أصناف من مواد التنظيف الشخصية والمنزلية، من أجل التغلّب نسبيًا على الأزمة الحادة وشحّ مواد التنظيف في الأسواق نتيجة الحصار المشدد الذي تفرضه سلطات الاحتلال على القطاع، وزادت حدته مع احتلال معبر رفح مع مصر، والقيود على معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد. 

ويقف الشاب مهند أبو حميد على واحدة من هذه البسطات في شارع البحر الرئيسي في مدينة خانيونس، ويقول لـ "الترا فلسطين" إن عائلته تعمل في صناعة مواد التنظيف كسائل جلي الأواني وسائل غسيل الملابس والمعطر والكلور والمطهر، وكان لها مصنع خاص بها في مدينة رفح وتعرّض للتدمير.

توشك المواد الخام التي تدخل في صناعة مواد التنظيف المحلية على النفاد ما سيعمق الأزمة ويهدد بتفشي الامراض-أحلام حماد-الترا فلسطين
توشك المواد الخام التي تدخل في صناعة مواد التنظيف المحلية على النفاد الذي سيعمق الأزمة ويهدد بتفشي الأمراض | أحلام حماد | الترا فلسطين

ونزحت هذه العائلة إلى مدينة خانيونس على إثر العملية العسكريّة الإسرائيليّة البريّة في مدينة رفح، ويقول مهند إن عائلته واصلت العمل في هذه المهنة، وتشتري المواد الخام بأسعار مضاعفة وباهظة جدًا، وهو ما يؤثر على ارتفاع أسعار مواد التنظيف بالنسبة للمستهلك.

ويضرب مهند مثلاً على الارتفاع الهائل على الأسعار بـ "سائل الجلي" الخاص بغسيل أواني المطبخ، ويقول إن اللتر منه كان يباع للمواطن قبل اندلاع الحرب بشيكلين فقط أما اليوم يباع اللتر بـ 14 شيكلاً، وهو ما أدى سواء إلى عزوف الناس عن الشراء، أو الاكتفاء بأقل من نصف الكمية التي كانوا معتادين عليها قبل اندلاع الحرب.

وبحسب مهند فإن المواد الخام التي تدخل في عملية صناعة مواد التنظيف توشك على النفاد من الأسواق خلال أيام قليلة، وما لم يسمح الاحتلال بإدخالها عبر المعابر المغلقة، فإن هذه الصناعة ستتوقف تمامًا، وستختفي هذه المنتجات من البلد، وسيواجه الناس في غزة أزمة أكثر حدة وخطورة.