14-يوليو-2024
الصرف الصحي في خانيونس

انتشار برك للصرف الصحفي في خانيونس (ultrapal)

على بسطتين تجاريتين متواضعتين وسط شارع البحر الرئيسي في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، يجلس الشابان حمزة الزقزوق وكمال مصران، يكافحان من أجل كسب قوت أسرتيهما النازحتين في مدرسة مجاورة، حيث الحشرات والروائح الكريهة تنبعث من مياه صرف صحي تتدفق في الشارع وتتجمع فيه.

 لجنة الطوارئ في بلدية خان يونس اضطرت في الأيام الماضية لضخ المياه العادمة مباشرة إلى البحر من دون معالجة، وهذا من شأنه تلويث مياه البحر، وإلحاق الضرر بنازحين لجأوا إلى البحر للاستحمام أو غسل أوانيهم وملابسهم

وتنتشر في شوارع خانيونس "مستنقعاتٌ" من المياه العادمة، جراء الدمار الهائل الذي أحدثته قوات الاحتلال، ونال من البنية التحتية وجميع مناحي الحياة فيها، إبان اجتياحها بريًا في مطلع كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، واستمر لنحو أربعة شهور.

الصرف الصحي في خانيونس

يقول حمزة الزقزوق وكمال مصران إن "برك الصرف الصحي" تزيد معاناة السكان والنازحين، وتسبب انتشار الأمراض المعدية، وتعرقل حركة سير المارة والمركبات بما فيها سيارات الإسعاف والدفاع المدني.

ولدى هذين الشابين الثلاثينيين شواهد كثيرة يومية على عمق المأساة التي يعانيها السكان على مقربة من هذه البرك التي تنتشر فيها الحشرات والبعوض، وتفوح منها روائح كريهة، تؤرق النازحين في الخيام ومراكز الإيواء المجاورة، وأدت إلى انتشار الأمراض في أوساط الأطفال.

أحد هذه الشواهد أن سيارة أجرة قديمة تعطلت في وسط بركة الصرف الصحي، واضطر ركابها، ومنهم امرأة سبعينية، إلى "الغوص" في المياه العادمة، بينما أطفال لا يدركون خطورتها يلعبون حولها، وعلى مقربة منها.

وتؤكد لجنة الطوارئ في بلدية خانيونس أنها اضطرت في الأيام الماضية لضخ المياه العادمة مباشرة إلى البحر من دون معالجة، وهذا من شأنه تلويث مياه البحر، وإلحاق الضرر بنازحين لجأوا إلى البحر للاستحمام أو غسل أوانيهم وملابسهم نتيجة أزمة حادة في المياه.

كمال مصران (32 عامًا)، الذي يقيم مع زوجته وطفليه في مركز إيواء داخل مدرسة، يقول إن طفليه أصيبا بأمراض جلدية و"حكة"، نتيجة الانتشار الكبير للبعوض والحشرات والتسبب بأمراض معدية، جراء تجمع مياه الصرف الصحي بالقرب من المدرسة.

كمال مصران
كمال مصران

ولم يكن طفلا كمال استثناءً في المدرسة التي تؤويهم، فالكثير من الأطفال وحتى كبار السن في المدرسة يعانون من أمراض جلدية نتيجة لدغات الحشرات وقرصات البعوض التي تنقل العدوى.

حمزة الزقزوق (38 عامًا) يشير من جانبه إلى المعاناة في العثور على علاج للأمراض الناتجة عن هذه البرك، إذ تتردى الخدمات الصحية في المستشفيات والمراكز الصحية في خانيونس، حيث لم يتبق في المدينة سوى مجمع ناصر الطبي كمرفق حكومي ويعاني من شح الوقود والأدوية.

حمزة الزقزوق
حمزة الزقزوق

ورغم هذه المعاناة، إلا أن حمزة وكمال لا يجدان خيارًا سوى البقاء مع أسرتيهما في المدرسة، والحافظ على مصدر رزقهم من هاتين البسطتين.

حشرات تجتاح الخيام

وتتجمع مياه الصرف الصحي بين خيام النازحين، وفي محيط مراكز الإيواء، وعلى مقربة منها في مدينة خانيونس، التي تؤوي بحسب التقديرات المحلية، أكثر من مليون و200 ألف نسمة، لجأوا إليها إثر النزوح الكبير من مدينة رفح عشية الاجتياح البري العسكري الإسرائيلي في 6 أيار/مايو الماضي.

ويقول نازحون في أحاديث منفصلة مع "الترا فلسطين" إن تجمع المياه العادمة وتكدس أطنان من النفايات في الشوارع وقرب الخيام ومراكز الإيواء، يساعد على انتشار الحشرات خاصة البعوض. كما يشتكون من ديدان وحشرات متنوعة وخطرة باتت تزحف وتخترق الخيام.

"أم مصطفى"، سيدة تعيش مع أسرتها (8 أفراد) في منطقة المواصي غرب خانيونس منذ بضعة شهور، تقول "إننا نعاني كارثة صحية وبيئية في الخيام، وينتشر في أوساطنا مرض الجرب، نتيجة الكثافة السكانية العالية، وتدني الخدمات المتعلقة بالنظافة، وتجمع المياه العادمة والنفايات".

"نعاني كارثة صحية وبيئية في الخيام، وينتشر في أوساطنا مرض الجرب، نتيجة الكثافة السكانية العالية، وتدني الخدمات المتعلقة بالنظافة"

وتؤكد أن منطقة المواصي غرب خانيونس باتت "مكرهة صحية، ويزداد الوضع مأساوية مع ارتفاع درجات الحرارة، التي تساعد على تفشي الحشرات والروائح".

استهداف البلديات

ويؤكد مسؤولٌ في مخيم للنازحين، فضل عدم الكشف عن اسمه، أن الاحتلال يحاصر البلديات ويستهدفها، ويشل قدرتها على القيام بمسؤولياتها المتعلقة بضخ مياه الصرف الصحي لمحطات المعالجة، وإزالة النفايات ونقلها إلى المكبات المركزية القريبة من السياج الأمني في شرق القطاع.

وعمدت دولة الاحتلال مع بدايات حربها على قطاع غزة إلى قطع الكهرباء وتدمير المحطة والشبكات، وتقنين توريد الوقود الذي تسمح بدخوله للقطاع، خاصة للمرافق الحيوية كالمستشفيات والبلديات.

وحذرت لجنة الطوارئ في بلدية خانيونس من "كارثة إنسانية وبيئية محدقة"، بسبب نفاد السولار اللازم لتشغيل محطات الصرف الصحي وآبار المياه، مبينة أن ذلك "سيعرض مليون و200 ألف نسمة من السكان والنازحين لمخاطر وأمراض فتاكة نتيجة التلوث وطفح مياه الصرف الصحي في الشوارع".

وأضافت اللجنة أن "الأوضاع الميدانية في محافظة خان يونس تزداد صعوبة كل يوم نتيجة استمرار الحرب ومنع إدخال الوقود ومشتقاته، الذي أحدث شللاً تامًا بخدمات البلدية".

الصرف الصحي في خانيونس

وقال منسق اتحاد بلديات قطاع غزة حسني مهنا، إن فيضانات مياه الصرف الصحي، وتكدس أكثر من 300 ألف طن من النفايات في الشوارع العامة وبين المنازل، وفي محيط مخيمات النزوح ومراكز الإيواء، كلها تنذر بكارثة صحية تعصف بحياة سكان القطاع.

حسني مهنا: نحن نعيش كارثة حقيقية في ظل عدم قدرة البلديات على التعامل مع مياه الصرف الصحي وأطنان النفايات، جراء الاستهداف الإسرائيلي المباشر لطواقم البلديات ومقدراتها وآلياتها

وأضاف حسني مهنا، "نحن نعيش كارثة حقيقية في ظل عدم قدرة البلديات على التعامل مع مياه الصرف الصحي وأطنان النفايات، جراء الاستهداف الإسرائيلي المباشر لطواقم البلديات ومقدراتها وآلياتها، إضافة إلى الحصار الإسرائيلي الخانق ومنع توريد الوقود والمعدات اللازمة لعمل البلديات ومواكبة تداعيات العدوان".

وكانت بلدية غزة، كبرى بلديات القطاع، قدرت النفايات في نطاق المدينة بنحو 100 ألف طن، وحذرت من أن عدم التخلص من النفايات وترحيلها على نحو صحي وسليم "يهدد باتساع انتشار الأمراض والأوبئة، ويزيد المخاطر الصحية".

وأكدت بلدية غزة، أن ارتفاع درجات الحرارة "يؤثر في النفايات، ويتسبب في تسرب عصارة سامة قد تتسرب للخزان الجوفي، وتؤدي إلى تسمم وتلوث المياه الجوفية".