06-أغسطس-2024
أهلًا بكم في جهنم فظائع في السجون الإسرائيلية بتسيلم

عن تفاصيل التعذيب القاسي الذي يعايشه الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيليّ منذ السابع من أكتوبر

"عندما وصلنا سجن مجدو، قال أحد السجّانين: أهلًا بكم في جهنم". بهذه الجملة تبدأ منظمّة بتسيلم الحقوقيّة الإسرائيليّة تقريرها الأخير الذي يتتبّع تفاصيل التعذيب القاسي الذي يعايشه الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيليّ منذ السابع من أكتوبر الماضي، استنادًا إلى إفادات 55 فلسطينيًا تعرّضوا لجحيم الاعتقال.

إفادات لـ 55 فلسطينيًا تعرّضوا للاعتقال تكشف عن التعذيب الممنهج الممارس في سجون الاحتلال الإسرائيليّ.. "أهلًا بكم في جهنّم"

وفق "بتسيلم" فإنّ إفادات الأسرى تبيّن نتائج عمليّة سريعة تحوّل في إطارها أكثر من 12 من مراكز الاعتقال الإسرائيليّة المدنية أو العسكرية إلى شبكة معسكرات هدفها الأساسيّ التنكيل بالبشر المحتجزين داخلها. ما سيعني أنّ كلّ من يدخل أبوابها فهو محكوم بأشدّ الألم والمُعاناة المتعمّدين وبلا توقّف، إنّها بمثابة "مُعسكرات تعذيب".

وصدر تقرير "بتسيلم" الذي يمتد على 90 صفحة بثلاث لغات. وجاء فيه أنّ الشهادات التي تضمنها التقرير تكشف عن سياسة منهجية من التنكيل المستمر بالأسرى الفلسطينيين، بما يشمل العنف القاسي والاعتداءات الجنسية، والإهانات، والتجويع المتعمّد، وظروف النظافة السيئة، والحرمان من النوم، ومنع ممارسة العبادة وفرض عقوبات على ممارستها، ومصادرة الأغراض الشخصية، ومنع العلاج الطبي المناسب.

وزجّت "إسرائيل" بآلاف الفلسطينيين في سجونها عشيّة الحرب. وأشار التقرير إلى أنه وقبل السابع من أكتوبر كان هناك 5,192 أسيرًا فلسطينيًا، بينهم 1,319 دون محاكمة (اعتقال إداري). غير أن الرقم ارتفع مع نهاية تموز/ يوليو الماضي إلى 9,623، منهم 4,781 معتقلاً دون محاكمة.

وتحدّث التقرير عن أنه وفي الأيام الأولى بعد 7 أكتوبر، اعتقلت "إسرائيل" آلاف العمال من غزة الذين كانوا يعملون بتصاريح عمل، ونقلت مئات منهم إلى أماكن مجهولة، وما يزال بعض هؤلاء العمال محتجزين دون إبلاغ عائلاتهم أو أي جهة أخرى بمكان احتجازهم.

تشير تقديرات مختلفة إلى أن ما يصل إلى 40% من الرجال الفلسطينيين تعرضوا للاعتقال مرة واحدة على الأقل في حياتهم

كما تطرّق التقرير إلى أن ممارسة سلطات الاحتلال سياسة الإخفاء القسري لأهالي غزة وحبسهم، كان مقدّمة لسلسلة أفعال وممارسات، تشمل التنكيل والتعذيب الشديد، والحيلولة دون تقديم معلومات عن أسماء المعتقلين وأماكن احتجازهم، كما رفضت المحكمة العليا الالتماسات التي طالبت بالحصول على معلومات، وتبنّت موقف الدولة الذي يرى أنه لا يوجد ما يلزمها بتقديم هذه المعلومات.

وتقول صحيفة الغارديان البريطانية إن العنف والجوع الشديد والإذلال وغير ذلك من أشكال إساءة معاملة الأسرى الفلسطينيين باتت أمرًا طبيعيًا في جميع أنحاء السجون الإسرائيلية، وفقاً لمقابلات أجرتها مع أسرى تم إطلاق سراحهم، حيث أصبح سوء المعاملة الآن ممنهجًا لدرجة أن منظمة حقوق الإنسان بتسيلم تقول إنه يجب اعتباره سياسة "إساءة معاملة مؤسسية".

شهادات قاسية

يقول أحد الأسرى السابقين الذين وثّقت "بتسيلم" روايتهم، إنّ أحد الجنود جلب جزرة، وحاول الزجّ بها في مؤخرتي، فيما كان عناصر آخرون يصّورونني بكاميرات هواتفهم. وكنت أصرخ من الألم والّرعب. وقد استمّر ذلك نحو ثلاث دقائق.

وأضاف آخر: "كان هناك عناصر من وحدة السجون مع الكلاب.. كلما حاولت الابتعاد عن الكلب ركلني سجّان، وأمسك سجّان آخر بخصيتيّ".

وتحدّث معتقل آخر عن إجبار عناصر الاحتلال لهم على شتم أمهاتهم وحركة حماس وقائدها يحيى السنوار، وتقبيل العلم الإسرائيلي وترديد كلمات النشيد الوطني الإسرائيلي.

ثم روى أحد الأسرى المفرج عنهم كيفيّة تجريده من ملابسه وتفتيشه بجهاز كشف المعادن المحمول باليد. وإجباره على فتح أرجله ثم الجلوس في وضع القرفصاء، وحينها بدأوا ضربه على أعضائه التناسلية بجهاز الكشف.

وفي معسكر سديه تيمان، قال أسير من غزة: "طلبت من الحارس أن يرسل لي أحدًا لفحص ساقي. جاء جندي والتقط صورة لعرضها على الطبيبة، لكنّها لم ترد... نقلت إلى مستشفى، وهناك أخبرني الطبيب أن الساق بحاجة لبتر وإلا ستموت.. بعد بتر القدم، عدت لسديه تيمان وعاقبني الجنود بالوقوف على ساق واحدة لمدة 30 دقيقة".

ويروي أسير آخر أنه عندما طلب أحد الأسرى تبديل اللبن؛ لأن تاريخ صلاحيته قد انقضى، عاقبوا السجناء كلهم في الزنزانة، وأطلقوا الكلاب عليهم، وضربوهم بالهراوات وسحبوهم إلى الحمام، وانهالوا عليهم ضربًا. وفي اليوم التالي، كانت الدماء ما تزال على الأرض.

وأجرت صحيفة الغارديان البريطانية مقابلات منفصلة مع 8 معتقلين، أغلبهم اعتقلوا دون تهمة وأفرج عنهم دون محاكمة، والذين وصفوا أنماط الانتهاكات التي تتطابق مع تلك التي وثقتها منظمة بتسيلم.

فلسطينيون تعرضوا للتعذيب في السجون الإسرائيلية: "لم نستطع النوم من شدة الصراخ"

فراس حسن، 50 عاماً، عامل في وزارة الشباب من بيت لحم، اعتُقل بموجب أمر اعتقال إداري في عام 2022. وقال لصحيفة الغارديان إن الظروف كانت مقبولة في ذلك الوقت: كانت هناك حمامات ساخنة، وطعام لائق، ووقت في الخارج في الفناء، وحوالي 6 أسرى في زنزانة، كل منهم مع سريره الخاص.

في أوائل عام 2023، عُيِّن بن غفير وزيرًا مسؤولًا عن السجون. وشرع على الفور في التخلص مما أسماه "الامتيازات" للسجناء الفلسطينيين، مثل الخبز الطازج، والحد من وقت الاستحمام إلى أربع دقائق.

لكن هذه التغييرات لم تكن شيئًا مقارنة بما حدث بعد السابع من أكتوبر، كما قال حسن. "كان هناك احترام من قبل. ولكن بعد السابع من أكتوبر كنت متأكدًا من أنني سأموت هناك. لقد فقدت كل الأمل".

ووصف حسن الظروف المشتركة في العديد من المقابلات. وقال إنه وزملاءه في الزنزانة ـ الذين يصل عددهم إلى عشرين شخصًا في نفس الزنزانة المخصصة لسبعة أشخاص ـ تعرضوا للضرب، وأحيانًا عدة مرات في اليوم. وقال إن أحد زملائه المصابين في الزنزانة ادعى له وهو يبكي بعد حادث وحشي بشكل خاص في نوفمبر/تشرين الثاني أن الحراس اغتصبوه بهراوة.

ومع قلة المياه وعدم وجود مرافق للغسيل أو ملابس نظيفة، سرعان ما أصبحت الظروف غير صحية للغاية. وكان الطعام المخصص للغرفة بأكملها يتكون من قطعة من اللحم وكوب من الجبن ونصف حبة طماطم ونصف حبة خيار في الصباح ونحو خمس ملاعق من الأرز غير المطبوخ لكل شخص لتناول العشاء. وكانت هناك زجاجة مياه سعة لترين لتقاسمها الغرفة بأكملها.

وقال حسن "أخبرني الحراس أننا نعطيك ما يكفي لإبقائك على قيد الحياة، ولكن إذا كان الأمر متروكًا لنا فسوف نتركك تموت جوعًا". وعند إطلاق سراحه دون توجيه اتهام إليه في أبريل/نيسان، كان حسن قد فقد 22 كيلوغرامًا من وزنه.

وسمع حسن أيضًا صراخ ثائر أبو عصب البالغ من العمر 38 عاماً، والذي تعرض للضرب حتى الموت في الزنزانة المجاورة بعد أن رفض الانحناء برأسه للحراس.

وقال شاهد آخر، موسى عاصي (58 عامًا) من محافظة رام الله، لصحيفة الغارديان إنه بعد الضرب، تم جر عصب إلى الساحة أمام أعين جميع الأسرى. وأضاف: "قالوا إنه توفي في المستشفى لاحقًا، لكنني أعتقد أنه كان قد مات بالفعل".