"أن نكون ودودين مع من يكرهوننا، وقساةً مع من يحبوننا تلك هي دونيّة المتعالي، وغطرسة الوضيع"/ محمود درويش.
ربما يكون هذا أفضل تعليق على لهاث بعض الدول العربية وراء "إسرائيل"، ورغم أنّ فهم العلاقات السياسية بين الدول لا يجب أن يتم تحت تأثير عاطفي أو باستخدام كلمات مثل "يحب ويكره"، إلّا أن صوت اللهاث العربي الذي يعلو أكثر وأكثر قد يجبرنا على ذلك، ويمكننا أن نقول أيضًا إن العاطفة يحق لها الحضور عندما يكون هنالك رفضٌ أخلاقي لما يحدث.
مع الوقت غاب حتى الاستحياء العربي من دعم "إسرائيل" وتطبيع العلاقات معها. وما كان يحدث من تحت الطاولة وخلف الابواب المغلقة بات يتصدّر عناوين نشرات الأخبار
لا تفسير للهاث الإنسان وراء من يزدريه، لا تفسير لرغبته الذليلة في ضمان رضاه عنه، واستمراره بعلاقته معه رغم أنه يعرف أنه مجرد أداة، وأن ما يربط الطرف الأخر به ليس إلّا مصلحة ما، ومهما كبرت هذه المصلحة ومهما عظمت، تغيّر من قلة شأنه بعيون هذا الآخر.
"كيف يمكن لامرأة ذات أصول أسيوية أن تكون عنصرية تجاه قضايا المهاجرين"، هذا ما يخطر على بالي في كل مرة تظهر سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي على شاشة هاتفي المحمول! وكأنني بشكل أو بآخر أمارس عنصرية ما بتوقعي أن تكون فرصة ممارسة العنصرية أكبر من قبل الأشخاص الذين ينتمون إلى الطبقة البيضاء ذات العيون الملونة والأنوف الدقيقة!
ربما للأمر علاقة بالمعاناة المشتركة، فالناس إذا ما مرّوا بذات الظروف الصعبة تنشأ بينهم علاقة خاصة، لغةٌ لا يفهمها غيرهم، وكأنّ لهم قاموسهم الخاص من المشاعر، لذلك نستبعد مبدئيًا أن يمارس السود العنصرية تجاه المسلمين والعكس كذلك. أو على الأقل نتعجّب بشكل مضاعف إن حصل ذلك، لأنهم يعرفون تمامًا كيف يكون وجع الاستبعاد والنبذ. وكذلك النساء، إننا نتعجب عندما تتحمّس امرأة لظلم امرأة أخرى.
وربما ومن ذات المنطلق تحضر جميع عواطفنا ونحن نتابع أخبار العلاقات الوردية بين دول عربية و"إسرائيل" وكأننا نتوقّع أنّ الانتماء لذات القومية أو ذات الدين كفيل بخلق هذا القاموس الخاص من المشاعر. فهل هذا حقيقي؟
لا تفسير للهاث الإنسان وراء من يزدريه، لا تفسير لرغبته الذليلة في ضمان رضاه عنه، واستمراره بعلاقته معه رغم أنه يعرف أنه مجرد أداة
على الصعيد الشخصي لم تعد مفاهيم العروبة والدين تعني الكثير بالنسبة لي، بل باتت تعليقات أصدقائي على أخبار القتل والاعتقال الإسرائيلي يـ "واعرباه وإسلاماه" تزعجني، لأن هذا ليس مجرد استنجاد خاطئ بل هو أيضًا تشخيص لمكوثنا الإرادي في حالة الضعف وقلّة الحيلة.
مع الوقت غاب حتى الاستحياء العربي من دعم "إسرائيل" وتطبيع العلاقات معها. وما كان يحدث من تحت الطاولة وخلف الابواب المغلقة بات يتصدّر عناوين نشرات الأخبار، وبات ترديد اسم "إسرائيل" في وسائل الإعلام وتطبيع العلاقات معها يُسوّق على أنّه خدمة للفلسطينيين ومناصرة لقضيتهم!
حسنًا، يحاول المطبّعون صيد الكثير من العصافير بحجر واحد؛ فأولًا يحققون مصالحهم مع "إسرائيل"، وثانيًا يروّجون لذلك على أنه طريقة جديدة لتقديم واجبهم تجاه الفلسطينيين. بل إنهم يراهنون أنّه ومع الوقت، ستتحول أخبار التطبيع هذه إلى انتصارات للقضية الفلسطينية وحلّ عقدتها وإزاحة حملها الثقيل عن كاهل العالم.
اللهاث وراء التطبيع لم يجلب فقط المجاهرة والتفاخر به، بل جلب التفنن في أشكال هذا التطبيع، فلم يعد الموضوع مجرّد اتفاقيات عسكرية واقتصادية، بل بات يتخذ شكلًا عاطفيًا غريبًا يتمثّل في دعم حق الوجود الإسرائيلي ومحاولة إثباته تاريخيًا كما جاء في الفيلم الوثائقي الذي بثّته قناة العربية بعنوان "النكبة"، حيث يوحي الفيلم بأنّ مجتمعًا يهوديًا كان قائمًا في فلسطين منذ بداية القرن العشرين وحتى قبل ذلك بسنوات. كان مجتمعًا يعيش في سلام وطمأنينة جنبًا إلى جنبٍ مع جيرانه العرب، في مغالطة تاريخيّة تؤسِّس لتزييف كامل للتاريخ فيما بعد.
اقرأ/ي أيضًا:
وثائقي "النكبة" أو "حلم هرتزل".. بيان تطبيعٍ سعودي وقح