03-سبتمبر-2024
تصنيف الضفة ساحة قتال أساسية

صورة أرشيفية: تفجير مدرعة إسرائيلية في مخيم جنين

يدرس الاحتلال الإسرائيلي إعلان الضفة الغربية "ساحة قتال أساسية" وفقًا لتقارير إسرائيلية، نُشرت بالتزامن مع اقتحام كبير ينفذه جيش الاحتلال لمدينة جنين، ومخيم جنين، منذ أسبوع، ولمخيم طولكرم، وسط تحريض من المستوطنين ومراسلين ومعلقين إسرائيليين.

توقع أبو عرقوب أن تظل الضفة الغربية "الجبهة الثالثة"، من حيث طبيعة النشاط العملياتي الهجومي، أما بالنظر إلى عدد القوات المنتشرة على امتداد الضفة الغربية، فإنها تُعد الجبهة الأولى

وبحسب صحيفة "يسرائيل هيوم"، فإن الضفة الغربية كانت منذ السابع من أكتوبر تصنف على أنها "ساحة ثانوية" بعد قطاع غزة، أما الآن، فهناك نيةٌ لتغيير تصنيفها إلى "ساحة قتال أساسية".

لكن، خلافًا لما ورد في "يسرائيل هيوم"، يؤكد وليد حابس، الباحث في مركز الدراسات الإسرائيلية "مدار"، أن الضفة الغربية "لم تكن بالمطلق ساحة ثانوية، فمن اليوم الأول للحرب أعلنت قيادة جيش الاحتلال في الضفة الغربية أن هذه الساحة جزءٌ من الحرب".

ويضيف وليد حابس لـ الترا فلسطين، أن تغيير التصنيف الذي يتحدث عنه الإسرائيليون "لا يعني شيئًا على الأرض، وإنما تصريحًا إعلاميًا لا توجد له دلالة"، مضيفًا أن العمليات العسكرية في مدن الضفة ومخيماتها منذ السابع من أكتوبر "دليلٌ أنه لا يوجد شيء اسمه جبهة ثانية أو ثانوية".

وأشار حابش إلى أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ومسؤولين ومعلقين عسكريين، صرحوا في أكثر من مناسبة أن إسرائيل في حالة حرب مع سبع جبهات، إحداها الضفة الغربية.

من جانبه، يؤكد الباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي، أنس أبو عرقوب، أن توسيع نطاق الهجمات في الضفة الغربية ليشمل محافظة الخليل وبيت لحم يُثير مخاوف في إسرائيل من استنزاف الجيش الإسرائيلي، إذ يُفترض أن الكتائب الموجودة في الضفة حاليًا، تتدرب استعدادًا لشن حرب على لبنان، إلا أنها بدلاً من ذلك تحولت لضمان أمن المستوطنات الكبرى، وحتى المستوطنات الصغيرة والبؤر الاستيطانية النائية.

وبيّن أنس أبو عرقوب لـ الترا فلسطين، أن التغيير في تصنيف الضفة الغربية من "ساحة ثانوية" إلى "ساحة أساسية"، يتطلب قرارًا سياسيًا من المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينيت".

إذن، هل يقرر "الكابينيت" بالفعل تغيير تصنيف الضفة؟ يُجيب أنس أبو عرقوب بأن مصلحة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو هي الإبقاء على أهداف الحرب الحالية كما هي، على الأقل من ناحية الخطاب الإعلامي، لتفادي  الضغوط من عائلات الأسرى في غزة، الذين يطالبون ببقاء ملف الأسرى على رأس جدول الأعمال.

وتوقع أبو عرقوب أن تظل الضفة الغربية "الجبهة الثالثة"، من حيث طبيعة النشاط العملياتي الهجومي للجيش بعد لبنان، بينما قطاع غزة هو الجبهة الأساسية في المرحلة الحالية، "أما بالنظر إلى عدد القوات المنتشرة على امتداد الضفة الغربية، فإنها تُعد الجبهة الأولى".

وأشار أبو عرقوب إلى أن جيش الاحتلال يعتمد على تأمين المستوطنات منذ عام 2024، إذ يوجد حوالي 300 مستوطنة، ومنذ بداية الحرب، قام الجيش بتجنيد آلاف المستوطنين المسلحين في "كتائب الدفاع الإقليمي" لحماية المستوطنات، وقد تضاعف عدد المجندين في هذه الكتائب خمس مرات ليصل حاليًا إلى نحو 7 آلاف شخص، كما قام الجيش بتوزيع حوالي 7 آلاف قطعة سلاح على هذه الكتائب.

وتنظر إسرائيل إلى الضفة الغربية من منظورين، وهما، بحسب مدير مركز "يبوس" للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، سليمان بشارات، منظورٌ أمني - عسكري من جهة، ومنظورٌ سياسي من جهة أخرى.

وفي توضيحه للمنظور الأمني، يقول سليمان بشارات لـ الترا فلسطين، إن الاحتلال يُعد الضفة الغربية خطرًا فعليًا وحقيقيًا على المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، نتيجة مجموعة من العوامل والمحددات.

ويوضح بشارات، أن العامل الأول هو أن الضفة الغربية تشكل الخزان البشري والفعلي فيما يتعلق بالوجود الفلسطيني، وهذا يشكل تحديًا أمام الاحتلال إذا ما اشتعلت ساحة الضفة والمواجهة فيها.

أما العامل الثاني، وفقًا لسليمان بشارات، فهو البعد الجغرافي المرتبط بتماس الضفة مع التجمعات الاستيطانية والعسكرية، ما يشكل خطورة عالية بسبب احتمالية تحقيق خسائر كبيرة.

وشرح سليمان بشارات عاملاً ثالثًا في المنظور الأمني الإسرائيلي، وهو البعد الجغرافي المرتبط بقرب الضفة الغربية وتماسها مع المناطق المحتلة في عام 1948، وتحديدًا مراكز المدن، ما يشكل قلقًا كبيرًا للاحتلال الإسرائيلي.

ومن هنا، يُضيف بشارات، تأتي نية الاحتلال لتصنيف الضفة الغربية كساحة قتال ثانية، وتقديمها على جبهة الشمال مع حزب الله، "لأن الاحتلال يدرك أن أي جبهة أخرى، وتحديدًا الخارجية مثل لبنان وحتى إيران، يمكن السيطرة عليها من خلال السلاح الدفاعي، أما الضفة الغربية فلا يمكن التعاطي معها بالسلاح الدفاعي، وإنما ستكون المواجهة معها مباشرة، وهذا سيربك الحسابات الإسرائيلية، وسيحدث استنزافًا كبيرًا.

وقال: "هذا يفسر ذهاب الاحتلال إلى إحداث حالة عزل في مناطق الضفة منذ السابع من أكتوبر، وعمليات عسكرية مركزة لعزل شمال الضفة الغربية عن باقي أجزاء الضفة، حتى يحصر مظاهر المقاومة في شمال الضفة لتبقى موجودة ضمن نطاق جغرافي ضيق، يستطيع أن يسيطر عليه".

سليمان بشارات: حكومة نتنياهو والصهيونية الدينية يعتقدون أن الفرصة مواتية الآن لتنفيذ الرؤية السياسية المتعلقة بمستقبل الدولية اليهودية على حساب الوجود الفلسطيني، التي تشكل الضفة الغربية اللب فيها

وفي شرحه للمنظور الثاني، وهو المنظور السياسي، يُبين سليمان بشارات، أن حكومة نتنياهو والصهيونية الدينية يعتقدون أن الفرصة مواتية الآن لتنفيذ الرؤية السياسية المتعلقة بمستقبل الدولية اليهودية على حساب الوجود الفلسطيني، التي تشكل الضفة الغربية اللب فيها، "فلا يمكن أن تقوم دولة يهودية ما لم تكن الضفة ضمن هذه الدولة اليهودية".

وأوضح سليمان بشارات، أن هذه الرؤية تقوم على محاولة الدفع بالسكان الفلسطينيين للهجرة الطوعية من خلال تدمير البنية التحتية، ومحاولة تفكيك التجمعات السكانية التي تشكل بيئة حاضنة واستنهاضًا للعمل المقاوم، وهي المخيمات بالدرجة الأولى.

وجاء الحديث عن تغيير تصنيف الضفة الغربية بعد تفجير مركبة في تل أبيب، جاء منفذها من نابلس، ثم ثلاث عمليات نوعية في الخليل، حيث تم تفجير مركبة في "غوش عتصيون"، ومركبة أخرى في "كرمي تسور"، وإطلاق نار على حاجز ترقوميا، وقد تبع ذلك تحريضٌ في وسائل إعلام إسرائيلية لتنفيذ عمليات عسكرية كبيرة في الضفة الغربية.

ووصف ألون بن دافيد، محلل الشؤون العسكرية في القناة الـ13، الضفة الغربية بأنها كانت "الجبهة الثالثة من حيث الأهمية، لكنها بدأت تتحول إلى جبهة أكثر حدة بعد انضمام الخليل إلى الأحداث".

ويضيف ألون بن دافيد، أن "الخليل تشتعل ببطء، وعندما تشتعل، يصبح من الصعب للغاية إخمادها".

وأشار بن دافيد إلى وجود 23 كتيبة من جيش الاحتلال في الضفة الغربية حاليًا، وتوقع أنه في حال استمرار التصعيد على نحو أكبر مما هو عليه، فسيحتاج الجيش لاستدعاء مزيد من القوات، "وهذا يعني أنه سيكون هناك نقصٌ في القوات على الجبهات الأخرى في غزة، أو في الشمال".

من جانبه، يقول نير دفوري، مراسل الشؤون العسكرية في القناة الـ12، إن "الضفة الغربية باتت قابلة للانفجار بشكل كبير حاليًا، وهذه العملية المتواصلة في شمال الضفة الغربية ونسبيًا في الخليل، يفترض أن تحاول إحباط وعرقلة المحاوﻻت المتصاعدة للعمليات في المنطقة".

نير دفوري: عدد القوات الإسرائيلية المنتشرة حاليًا في الضفة الغربية هو ضعف عدد القوات الموجودة في قطاع غزة

ويوضح نير دفوري، أن "عدد القوات الإسرائيلية المنتشرة حاليًا في الضفة الغربية هو ضعف عدد القوات الموجودة في قطاع غزة".

وحذر نير دفوري من الوصول إلى "حالة يتم فيها تقديس ممر فيلادلفيا على حساب فقدان السيطرة في الضفة الغربية، ولهذا أفترض أن الجيش سيضطر إلى تعزيز قواته في الضفة الغربية، ﻷن هذه الجبهة خطيرة جدًا إن بدأت باﻻشتعال".