19-سبتمبر-2022
Getty - إضراب شامل في مدارس القدس

Getty - إضراب شامل في مدارس القدس

منذ بداية العام الدراسي الحالي، يخوض طلبة القدس وأهاليهم خطوات احتجاجية رافضة لمحاولات سلطات الاحتلال الإسرائيلي، إجبار المدارس الفلسطينية في المدينة على تدريس منهاج معدّل، يقول تربويون إنّه يهدف لشطب الهوية ومحو الذاكرة الوطنية الفلسطينية. 

الإضراب شمل جميع المدارس في القدس، والبالغ عددها نحو 280 مدرسة يدرس فيها قرابة 100 ألف طالب وطالبة 

وتراوحت الفعاليات الاحتجاجية بين توزيع المنهاج الفلسطيني على أبواب إحدى المدارس رفضًا للكتب المحرّفة، إلى جانب وقفات احتجاجية عند أبواب المدارس، وصولًا إلى إضراب تامّ تحت عنوان "لا للمناهج المحرّفة"، شمل اليوم الإثنين (19 أيلول/ سبتمبر) كافة مدارس المدينة وعددها نحو 280 تضم قرابة 100 ألف من الطلبة. 

رفضًا لفرض المنهاج الإسرائيلي المعدّل
رفضًا لفرض المنهاج الإسرائيلي المعدّل

وأغلقت جميع المدارس الفلسطينية في القدس ومحيطها، بواباتها أمام الطلبة تلبية لدعوات القوى الوطنية والإسلامية والمؤسسات الرسمية والدينية التي أكدت رفضها لتلك الخطوة.

getty
getty

وجاء في بيان أصدرته القوى الوطنية والإسلامية في القدس، أنّها "لن تقبل بغير المنهاج الفلسطيني"، وترفض وبشكل مطلق محاولات فرض منهاج مزيف أو مستحدث في جميع المدارس على اختلاف مرجعياتها الأكاديمية. وقال البيان إنّ من حق الشعب تحت الاحتلال اختيار المنهاج الذي يتم تدريسه للطلبة. 

ودعت الفصائل المؤسسات الدولية للوقوف عند مسؤولياتها، وكبح جماح تغوّل الاحتلال وأذرعه التنفيذية على المدارس الفلسطينية، وحماية المؤسسات التعليمية.

وفي مدينة القدس، توجد عدّة مرجعيات للمدارس، بعضها تتبع لبلدية الاحتلال ووزارة المعارف الإسرائيلية، وبعضها لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وبعضها تابع للأوقاف الإسلامية، وأخرى تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "اونروا"، كما أنّ هناك مدارس خاصة وأهلية.

وتُدرِّس المدارس الفلسطينية في القدس المنهاج الصادر عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، إلّا أن سلطات الاحتلال عمدت مؤخرًا لإعادة طباعة كتب المنهاج المدرسي الفلسطيني، بعد حذف بعض المضامين، وتعديل أخرى، الأمر الذي أثار حفيظة أهالي الطلبة ومؤسسات المجتمع في القدس. 

getty

زياد شمالي، رئيس اتحاد أولياء أمور الطلبة في القدس، يبيّن لـ "الترا فلسطين" أن الالتزام بالإضراب اليوم، كان ممتازًا، ويدلل على رغبة الأهالي في الاحتجاج وإيصال صوتهم، واستيائهم من قرار فرض المنهاج الفلسطيني المحرّف على طلبة مدارس القدس، وقال إنّ الأهالي عبّروا -من خلال الإضراب- عن رأيهم بصورة واضحة.

وأوضح شمالي أنّ هذا الإضراب هو الأول خلال الفصل الدراسي الحالي، ولكن سبقه سلسلة وقفات احتجاجية، وفي حال لم تتم الاستجابة لمطالبهم ربما سيكون هناك عودة للإضراب بشكل تصاعدي. 

وأوضح شمالي في حديث هاتفيّ مع "الترا فلسطين"، أن هناك عدة مرجعيات للمدارس في القدس، التابعة لبلدية الاحتلال ووزارة المعارف الإسرائيلي تدرس المنهاج المحرف، و التابعة للسلطة الفلسطينية والأوقاف تدرس المنهاج الفلسطيني، ومنذ بداية الفصل الجاري تحاول سلطات الاحتلال فرض المنهاج المحرف على المدارس الأهلية والخاصة التي كانت تدرس المنهاج الفلسطيني، والحملة عليها اليوم لتدريس المنهاج الفلسطيني المحرف.

وإذا ما تمكنت سلطات الاحتلال من فرض المنهاج المحرّف على المدارس الأهلية والخاصّة في القدس، بعد فرضه في المدارس التابعة لبلدية الاحتلال ووزارة المعارف الإسرائيلية، فإنّ هذا يعني أن غالبية مدارس المدينة ستُدرّس المنهاج المحرّف، مع استثناء المدارس التابعة لوزارة التربية والفلسطينية ومدارس الأوقاف والأونروا التي تدرّس المنهاج الفلسطيني، علمًا أن نسبتها لا تتجاوز عشرة في المئة، وفقًا لشمالي الذي ينوّه إلى أنه إذا ما تم ذلك، فإنّ الطالب منذ الصف الأول وحتى التخرج سوف يشاهد صور "الهيكل المزعوم" مكان المسجد الأقصى، وستترسخ لديه على مدار سنوات تعليمه أنه لا يوجد شيء اسمه المسجد الأقصى، إذ أن المنهاج المعدّل يحوي معلومات مضللة عن نضالات الشعب الفلسطيني وتاريخه وانتمائه وأشياء أخرى تخص تربية الأبناء.

شمالي: حرف الطالب عن بوصلته من خلال تعديل المنهاج سيكون له تبعات، وليس من حق المؤسسات التعليمية الإسرائيلية وضع مواد غريبة على المنهاج الفلسطيني 

ويرى الناشط في القدس، راسم عبيدات أن الخطورة ليست فقط في المنهاج المحرّف، الذي يغيّب المضامين المتعلقة بالجانب الوطني والهوية والتاريخ والرواية الفلسطينية، وحذف عبارة هنا أو بيت شعر لمحمود درويش أو توفيق زيّاد، إنما في أنهم يريدون شطب المنهاج الفلسطيني بالكامل، واستبداله بمنهاج إسرائيلي يتحدّث عن "استقلال دولة إسرائيل" بدل "نكبة فلسطين"، وأنّ على الطلبة التعايش، وترديد "نشيد الاستقلال الإسرائيلي"، وهذا يعني محو تاريخ شعب وذاكرته، وكيّ وعيه.

إضراب في مدارس القدس
إضراب في مدارس القدس  - getty 

ويشير عبيدات إلى أنّ المنهاج الذي تريد "إسرائيل" فرضه في القدس، يُركّز على أن المسجد الأقصى هو "جبل الهيكل"، وأن القدس عاصمة دولة الاحتلال، وأن جبال الضفة الغربية هي جبال "يهودا والسامرة". 

ماذا عن المرجعيّات التعليمية في القدس؟

وحول مرجعيات وأشكال المدارس في القدس، أوضح عبيدات أنه بعد الاحتلال الإسرائيلي للمدينة، تمت السيطرة على كامل المدارس الحكومية وباتت اليوم تخضع لبلدية الاحتلال من حيث تعيين الإدارات والمدرِّسين والرواتب، وهذه المدارس مرتبطة بالاحتلال بشكل كامل، وهي 79 مدرسة يتعلم فيها 48 في المئة من مجموع طلبة مدينة القدس.

وأضاف أن هناك مدارس تابعة لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية (عددها 52 مدرسة)، منها 40 داخل الجدار الفصل العنصري، و12 مدرسة خارج الجدار، وعدد الطلبة فيها تراجع إلى نحو 10 آلاف طالب، وتشكّل ما نسبته 9 في المئة من مجموع طلبة القدس، وهؤلاء يدرسون المنهاج الفلسطيني.

وتابع أن هناك المدارس الخاصة والأهلية سواء كانت وقفية إسلامية أو مسيحية أو ملك شخصي، وهذه المدارس يتعلم فيها أكثر من 31 في المئة من مجموع الطلبة. كما أنّ هناك مدارس شبه رسمية (23 مدرسة)، بالإضافة للمدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا (وعددها 6). ويقول إن تعدد المرجعيات والقرارات والإدارات والميزانيات يخلق ارتباكًا في العملية التعليمية في القدس.

وقال عبيدات إن هناك تفاوتًا ملحوظًا في الميزانيات المخصصة لهذه المدارس، فالمدارس التابعة للاحتلال يصرف عليها مبالغ كبيرة، ويبدأ راتب المعلّم فيها من 9 آلاف شيقل، بينما المدارس التي تُدرّس المنهاج الفلسطيني فإن المعلم يتقاضى من 3 آلاف إلى 4 آلاف شيقل. كما أن هناك الكثير من الفروق في مجال حوسبة التعليم والتكنولوجيا والمباني والأنشطة اللامنهجية، ويتّبع الاحتلال سياسة العصا والجزرة، أو الترغيب والترهيب، لمن يدرِّس المنهاج الإسرائيلي أو الفلسطيني.

هل يُحدث الإضراب أثرًا؟ 

يرى عبيدات أن الخطوات الاحتجاجيّة ستحقق نتائج إذا كانت في إطار عملية احتجاج جماعية شاملة توصل للاحتلال رسالة مفادها أنّ الطلبة وأهاليهم لن يتجاوبوا مع إجراءات فرض المنهاج الإسرائيلي في القدس.

ويبيّن أن ما جرى اليوم "خطوة مهمة" تحتاج وضع خطة فلسطينية موحدة لحماية العملية التعليمة في القدس، بمشاركة كل المكونات من الأهالي واتحاد لجان أولياء الأمور والمرجعيات الرسمية والمؤسسات، لا أن تكون مجرّد "قفزة في الهواء".

ومنذ أواخر تموز/ يوليو المنصرم، تشهد بعض المدارس في القدس إجراءات عقابية بسبب رفض تدريس المنهاج الإسرائيلي، حيث ألغت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية تراخيص 6 مدارس (الإيمان والإبراهيمية) بحجة "التحريض ضد دولة إسرائيل وجيشها".

وقالت وزيرة التربية والتعليم الإسرائيلية يفعات شاشا بيتون، في تصريحات صحفية سابقة إن التحريض على دولة إسرائيل وجنود الجيش في كتب الأطفال في المدارس ظاهرة "لا تطاق وسيتم التعامل معها بصرامة". وأضافت أن المؤسسات التعليمية التي يثبت أنها تحرض على "الكراهية لدولة إسرائيل ورموزها ستلغى رخصتها الدائمة، وبدلًا من ذلك سيتم منحها ترخيصًا مشروطا لمدة عام واحد من أجل تصحيح المحتوى".