تثير الآهات الصادرة من الطفل جمال الداية، 4 أعوام، الناجمة عن انتشار البثور في مختلف أنحاء جسده عاطفة والدته الثلاثينية، ما يضطرها إلى استخدام قطعة من الكرتون المقوى في محاولة لتحريك بعض الهواء من حوله حتى يتمكّن من النوم لبعض الوقت.
وتضطر النازحة من مخيم الشاطئ غرب غزة، صباح الداية إلى السهر حتى ساعات منتصف الليل داخل خيمتها المصنوعة من النايلون وقطع القماش، وهي تلطّف البثور المنتشرة في أنحاء جسده كافة، باستخدام المراهم، ومنعه من استخدام أظافره في نهشها.
والدة الطفل جمال الداية: "ابني ما بنام طول الليل، بيضل يصحى ويقلي حكيلي يمّا، نفسي الحرب تخلص وتخلص معاناتنا معها"
تقول الداية لـ "الترا فلسطين" إنها لاحظت قبل ثلاثة أسابيع انتشار بعض الحبوب الحمراء على وجه طفلها، لكنها سرعان ما انتشرت في جبينه، وامتدت سريعًا إلى بطنه وظهر وقدميه.
أسرعت الداية بالتوجه إلى مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح لعرض طفلها على الأطباء، لكنها عادت إلى خيمتها في بلدة الزوايدة، دون أن تتمكن من الحصول على العلاج؛ بسبب عدم توفره في المستشفى.
وتضيف الداية، توجهت بعد ذلك إلى المستشفى الميداني الأميركي غرب دير البلح وعدد من النقاط الطبية، لكن في كل مرة تصطدم بعبارة: "لا يوجد له علاج لدينا، ويجب شراؤه من الصيدلية".
وتتابع الداية: "بعد بحث طويل وجدت العلاج لدى صيدلية واحدة، لكني لم أتمكن من شرائه بسبب ارتفاع سعره، فزوجي بقي محاصرًا في غزة، وأنا هنا لا يوجد لدي أي مصدر دخل".
وتشير الداية إلى أن بعض الأطباء أخبروها بأنه يجب أن تغسله في مياه البحر، فيما حذرها آخرون من ذلك، وتفاوت تشخيص الأطباء لحالة ابنها ما بين "حماوة جسم" والتهاب فيروسي والتهاب بكتيري.
وتختم الداية حديثها عن معاناة طفلها بصوت حزين: "ابني ما بنام طول الليل، بيضل يصحى ويقلي حكيلي يمّا، نفسي الحرب تخلص وتخلص معاناتنا معها".
ويعيش ما يزيد عن مليون ونصف نازح من شمال وجنوب قطاع غزة، ظروفًا غاية في السوء في ظل إقامتهم في خيام مصنوعة من النايلون وقطع القماش، في مدينة خانيونس والمحافظة الوسطى.
وتصل درجات الحرارة داخل خيام النازحين في شهر تموز/يوليو إلى 50 درجة مئوية، وذلك في ظلّ الشحّ الشديد وغير المسبوق في توفر المياه الصالحة للشرب والغسيل.
حرارة مرتفعة ومياه ملوثة
حالة الطفل الداية لا تقلّ صعوبة عن حالة الطفل محمد الدده، 8 أعوام، المصاب بمرض السكري، الذي انتشرت الحبوب الحمراء ذات الرؤوس البيضاء بشكلٍ مخيف في كافة أنحاء جسده.
تقول والدته سهيل الدده النازحة من حي الدرج وسط مدينة غزة، في حديث لـ "الترا فلسطين" إنها تفاجأت قبل ثلاثة أسابيع بانتشار الحبوب في كافة أنحاء جسده ووجهه.
وتضيف الدده، التي تقيم في خيمة في بلدة القرارة غرب خانيونس: "بعد توجهي لعدد من المستشفيات الميدانية والأطباء، أعطوني مضادًا حيويًا وعلبة دهان تشبه مادة الشيد، لكن لم يتحسن طفلي، بل ازدادت حالته سوءًا، فيما لم أتمكن من شراء علاج ثالث من الصيدلية بسبب ارتفاع ثمنه".
وتشير الدده إلى أن بعض الأطباء أخبروها بأن سبب انتشار البثور في جسد طفلها، هو السباحة في مياه البحر الملوثة، فيما عزاه آخرون إلى ارتفاع درجات الحرارة داخل الخيام. وتضيف الدده بحسرة: "ابني بعرفش ينام في الليل، وأنا إيديّ بتنشل وأنا بهويله علشان يعرف ينام".
أصيب الأطفال بالأمراض الجلديّة بسبب انتشار الفيروسات بين الخيام، وارتفاع درجات الحرارة
أدوية مفقودة
الطفلة سوزان الداية، 4 أعوام، عانت هي الأخرى من انتشار حبوب من نوع آخر عن الذي أصاب ابن عمها، إذ تقول جدتها إن الحبوب في بدايتها تكون حمراء اللون، وبعد إقدام الطفلة على نهشها تتوسع الحبوب، وتتجمع بداخلها المياه، ويتسبب نهشها مرة أخرى في فقئها والتسبب بحرقان وألم شديد.
وتضيف جدتها أم محمد في حديث لـ "الترا فلسطين": "أنا اعتني بسوزان، فوالدتها فقدت النظر في عينها اليسرى بمدينة رفح إثر قصف إسرائيلي، بعدما أصيبت سابقًا بفقدان النظر في عينها اليمنى قبل الحرب".
وتتابع الداية: "توجهت إلى أكثرٍ من عيادة ميدانية لعلاج سوزان، وقد حصلت على عدة أنواع من الأدوية والمراهم، إلا أنها لم تتحسن للأسف الشديد".
وتضيف، أنها لم تكتفي بزيارة العيادات الميدانية، بل توجهت لزيارة طبيب جلدية، أوصاهم بشراء علاج خاص من الصيدلية، لكنهم لم يتمكنوا من العثور عليه في المحافظة الوسطى.
وبيّنت الداية أن الطبيب أخبرهم بأن السبب هو انتشار الفيروسات بين الخيام، وارتفاع درجات الحرارة، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن طفلًا واحدًا نقل العدوى إلى عددٍ كبيرٍ من أطفال المخيم.
وتختم الداية حديثها بنبرة حزينة: "كنت في مشكلة بنتي صرت في مشكلتين، وبدعي الله يفتح معبر رفح، وتطلع بنتي تتعالج خاصة أن بعض الأطباء أخبرونا بأنه من الممكن أن تستعيد النظر في عينها اليسرى".
منع الاحتلال دخول كافة أنواع المنظفات والأدوات الصحية إلى قطاع غزة، أجبر العائلات إلى استخدام الرمال في تنظيف الأواني، والاغتسال في مياه البحر الملوثة
انتشار الأمراض الجلدية
من جانبه، أكد خليل الدقران المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى أن الأمراض الجلدية انتشرت بشكل كبير بين الأطفال النازحين، بسبب انتشار الحشرات وارتفاع درجات الحرارة.
وأوضح الدقران في حديث لـ "الترا فلسطين" أن شحّ المياه الصالحة للغسيل والشرب، إضافة إلى منع قوات الاحتلال الإسرائيلي وصول المواد التنظيفية إلى قطاع غزة أسهم في زيادة انتشار الأمراض الجلدية خاصة بين الأطفال، لا سيما في المخيمات والمدارس المكتظّة بآلاف النازحين.
وتابع الدقران، كما أن تدمير الاحتلال للبنية التحتية وطفح مياه الصرف الصحي قرب خيام النازحين التي أقيمت فوق الرمال، أدى إلى زيادة هذه الأمراض التي تم تصنيف غالبيتها كأمراض بكتيرية.
وذكر أن مستشفى شهداء الأقصى لا يحتوي على قسمٍ خاص للأمراض الجلدية، لكن على الرغم من ذلك يتم استقبال الأعداد الكبير من الأطفال المصابين بهذه الأمراض، ويتم التعامل معهم من أطباء الأطفال، وبعضهم يحتاج إلى مبيتٍ في المستشفى بسبب صعوبة حالتهم وحاجتهم إلى عناية خاصة.
ويتزامن انتشار الأمراض الجلدية والمعدية بين النازحين القاطنين في الخيام، مع حظر قوات الاحتلال الإسرائيلي دخول كافة أنواع المنظفات والأدوات الصحية إلى قطاع غزة، الذي اضطر العائلات إلى استخدام الرمال في تنظيف الأواني، والاغتسال في مياه البحر الملوثة.