قد لا تجتذب فكرة إقامة ليلةٍ في أحد فنادق غزة سائحًا عربيًا أو أجنبيًا لظروفها السياسية والاقتصادية بالغة التعقيد؛ في المقابل، إذا رغب أحد سكانها في تجربة ذلك فسيلقى ترحيبًا غير اعتياديٍ من نادل خدمة الغرف وسيفتح له كل أبواب الغرف الموصدة التي لا يلامس أسرّتها سوى أشعة الشمس وضوء القمر.
غرف فنادق غزة فارغة ولا تُلامس أسرتها سوى أشعة الشمس لكن تسعيرة الليلة الواحدة فيها 100 دولار
لكن ذلك السائح المحليّ الذي قد يرغب بمكافأة نفسه وزوجته بليلةٍ استثنائية، ويعجز غالبًا عن السفر لقضاء عطلةٍ في مدينةٍ عربيةٍ مجاورة كالقاهرة أو الإسكندرية أو عمّان بسبب صعوبة السفر عبر معبر رفح سيء السُمعة؛ فإنه سُرعان ما سيُعيد حساباته في حجز غرفة في فندق من الدرجة الممتازة، على الرغم من شبه خلو سجلّ المبيت الفندقي.
ستقف تسعيرة الـ100 دولار -شبه الموّحدة- لقاء كل ليلة مبيت، حائلاً أمام إبرام الصفقة مع مسؤول الغرف في أي فندق من 17 فندقًا مسجلاً لدى الهيئة الفلسطينية للمطاعم والفنادق والخدمات السياحية المنتشرة في قطاع غزة الذي سجّلت فيه البطالة أكثر من 51% من إجمالي القوى العاملة.
اقرأ/ي أيضًا: ثالوث التدمير لم يبق رجال أعمال في غزة
ففكرة إنفاق ذلك المبلغ للغالبية العظمى من أهالي غزة قد يكون ضربًا من العبث والجنون في مجتمع يُلامس الفقر فيه أكثر من نصف سكانه (53%) الذين تجاوزوا المليونين نسمة، بواقع 6 أضعاف عن مثيله في الضفة الغربية، وذلك بحسب تقرير للمركز الفلسطيني للإحصاء صدر في نيسان/إبريل 2018.
الترا فلسطين نفّذ "جولة سريّة" على غُرفٍ فندقيةٍ كسائحٍ يرغب في حجز ليلةٍ بغرفةٍ مُطلّةٍ على الساحل الممتد على نحو 40 كم على البحر المتوسط، فوجدنا أن غرفةً واحدةً فقط كانت محجوزة من أصل 34 غرفةٍ في هذا الفندق، وقد حجزها نزيلٌ يتبع أحد المؤسسات الدولية.
ويقول أحد عاملي خدمات الغرف في الفندق (×) إن "برستيج" إدارة الفندق يجعلها لا تفكر في تخفيض تسعيرة المبيت عن حاجز الـ 100دولار، "حرصًا على البرستيج العام، ولا مشكلة في أن تبقى الغرف شاغرة طوال الوقت بدلاً من تخفيض التسعيرة وجني النفقات التشغيلية على أقل تقدير"، علاوة على احتساب سعر صرف الدولار 4 شواقل لكل دولار.
الحال مشابهٌ تمامًا لفندقٍ مجاورٍ متعدد الطوابق، حينما أعطت موظفة الاستقبال لموظف الغرف كومة من المفاتيح لاختيار أي غرفةٍ أرغب بها. وعند الاستفسار عن تلك "الخيارات الهائلة"، قال موظف الغرف إن "الغرف دائما شاغرة ولا يزورها إلا أنا وزملائي لتهويتها يوميًا على مدار العام".
ذلك الموظف الذي لم يشعر بتفاؤلٍ كبيرٍ تجاه إبرامي صفقةٍ لحجز غرفة مزدوجة، يقول إن الفنادق في غزة لا تشهد انتعاشًا إلا عند سماع زيارة وشيكة ونادرة لوفدٍ من مؤسسةٍ دوليةٍ أو مندوبين عن قافلةٍ مساعدات قادمة، لكن حتى في هذا الحال لن تُسكَنَ سوى 5-6 غرفٍ على الأكثر من أصل 422 غرفةٍ فندقيةٍ منتشرة في ذلك القطاع السياحي المُنهك منذ 12 سنة.
وبحسب إحصائيةٍ للهيئة السياحية، فقد سجل فندقان -على سبيل المثال- (صفرًا) في عدد إشغال الغرف خلال العام 2016، واعتمدا في المقابل على تأجير صالة ملحقة بالفندق لصالح حفلات الزفاف الصيفية، فيما ساهمت المنتجعات العائلية الخاصة (الشاليهات) باجتذاب أولئك النزلاء الافتراضيين، بأسعار تأجير يومي تبدأ من 66 دولارًا.
نائب رئيس هيئة السياحة سمير سكيك يُبرر لـ الترا فلسطين ركود سياحة الفنادق في غزة والدخل الصفري و"تمسّك" إدارات الفنادق بتلك التسعيرة أن "النفقات التشغيلية العالية وتكلفة إنشاء الفندق والأصول الثابتة تدفع الإدارات الفندقية لتحديد تلك التسعيرة غير المبررّة للنزلاء المحليين".
هيئة السياحة: ارتفاع التسعيرة في الفنادق سببه النفقات التشغيلية العالية والأصول الثابتة
ويُظهِر تقريرٌ للمركز الإحصائي أن معدل الأجر الشهري سجّل 671 شيقل للعاملين في القطاع الخاص في غزة الذي يعيش 80% من سكانه على المساعدات الإغاثية التي تقدمها المؤسسات الدولية، والتي قلصت عددٌ منها إجمالي المساعدات والدعم المقدم للفلسطينيين نتيجة تراجع التمويل الدولي.
اقرأ/ي أيضًا: تجار وموظفون "رايحين جايين" على سجون قطاع غزة
ويقول أصحاب عدد من المنشآت السياحية في غزة إن فرص الديمومة الاقتصادية تكاد تكون معدومة، لافتين إلى أن "وفرة الطاقة الكهربائية وتشغيل المعابر" بشكل فاعل كفيلان بإحداث انتعاشةٍ وضخ مزيدٍ من الحركة الاقتصادية في السوق المحلي بنسبة 66%، عدا عن التغيير الإيجابي المتوقع في الأسعار لصالح الزبائن.
وبحسب سكيك، فإن تكلفة فندق "بلو بيتش" الذي عانى من إغلاقٍ لأكثر من عام، بلغت 50 مليون دينار أردني بواقع 76 غرفة، فيما بلغت التكلفة لفندق "آرك ميد" (تصنيف 5 نجوم) 45 مليونًا على مساحة 20 دونمًا بواقع 200 غرفة، والمملوك لشركة المشتل للاستثمارات السياحية.
وحتى أواخر العام 1967، لم يكن ذلك الجيب الساحلي الذي انسحب منه آخر جندي إسرائيلي قبل 14 عامًا، يضم سوى 5 فنادق أبرزها فندق "رمسيس" الذي كان مقصدًا للحجاج المصريين والعرب المسافرين إلى الحجاز مرورًا بغزة، فيما لم تعرف غزة السياحة بمعناها الاقتصادي إلا حديثًا، في مجتمع يعتبر اللقاء العائلي أسمى أنواع الترفيه وأقلّها تكلفة.
ولدى اختيار عيّنة افتراضية من النزلاء، اعتقدوا أن تراجع الدخل والرواتب المجتزأة لموظفي السلطة الفلسطينية والموظفين الحكوميين في غزة (بلغت نسبة الصرف 60% لموظفي السُلطة و40% لنظرائهم في غزة) لن تشجّع أحدهم على قضاء ليلة فندقية، وأنه سيكون "محط انتقاد وسخرية اجتماعية" إذا علموا أنه كان نزيلاً يومًا ما في فندق بغزة.
كما تعتقد تلك العيّنة العشوائية أن جلسات التسامر العائلية في أفنية المنازل -على الأقل- أو الجلوس على رمال الشاطئ وتناول المثلجات والمشروبات وأكواب "معكرونة النودلز" وتدخين النرجيلة، لن يتجاوز 4 دولارات للشخص الواحد إذا ما فكّر في جولة سياحية مُرضية دون "خدش بريستيجه".
وعلى النقيض من ذلك، يؤمن صاحب منشأة سياحية أن "العروض التسويقية" والخصومات الموسمية لن تنجح في اجتذاب أولئك النزلاء الافتراضيين؛ مبررًا ذلك أن لدى الأهالي "معتقدٌ جنونيٌ" أن "وراء كل حسم أو عروض تسويقية منتج أو خدمة رديئة يُراد التخلص منها.
ويُسهم القطاع السياحي في غزة بواقع 2% في التوظيف الإجمالي، مسجلاً أدنى قيمة مقارنةً بـ8% في إسرائيل و19% لدى الأردن و11% في مصر و4% في لبنان، وذلك بحسب مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الاقتصادية والإدارية 2015
اقرأ/ي أيضًا:
محطات الوقود.. آخر محاولات الاستثمار في غزة