قالت صحيفة "ذا ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية إنّ التوتّرات الأمنية والسياسيّة، وارتفاع كلفة المعيشة، وفقدان الثقة بمستقبل الديمقراطية في "إسرائيل" تزيد من ظاهرة "هجرة العقول" وتدفع الشباب والعائلات للهجرة إلى الخارج بحثًا عن مستقبل أفضل.
ارتفاع في نسبة الهجرة من "إسرائيل" بنسبة 400 في المئة، وعدد المغادرين قد يتضاعف 2-3 مرّات قريبًا
وأوضحت الصحافيّة الإسرائيلية "لي يارون" في تقريرها أن ظاهرة "الهجرة" لا تقتصر على جيل واحد، بل تشمل ثلاثة أجيال متتالية من الإسرائيليين؛ من العائلات الشابّة إلى كبار السن، الذين يرون في المغادرة خيارًا أفضل للحفاظ على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، ويتجلى هذا الاتجاه بشكل واضح في البيانات الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء وتقارير شركات الهجرة، حيث تتزايد الأعداد بشكل ملحوظ منذ أكتوبر 2023، ما يُسلّط الضوء على تحوّل ديمغرافي كبير قد يؤثّر على مستقبل "إسرائيل" على المدى الطويل".
في تقرير "ذا ماركر" تقول إيما ميغن توكتالي (40 عامًا) إنّها لم تكن تفكر في مغادرة "إسرائيل" لكنّها قررت مع زوجها آموتس في آب/ أغسطس الماضي الانتقال مع أولادهما إلى تايلاند، دون أن تكون لهما خطة للعودة أو معرفة للمكان التالي. وتضيف أنّها شعرت بعد سنوات من التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بأنّها بحاجة للبحث عن حياة أخرى لعائلتها، حتى ولو كانت بشكل مؤقّت، لأن "الحياة في إسرائيل أصبحت مرهقة للغاية".
وغادرت درور سدوت، (29 عامًا)، فقد غادرت مع شريكها بعد الانتخابات الأخيرة والمظاهرات ضد "الانقلاب" التي كانت نقطة التحول بالنسبة لها. وقالت: "الجميع تظاهروا باسم الديمقراطية، دون التطرّق إلى مسألة الاحتلال، التي كانت قديمًا مسألة محورية لليسار، وأصبحت الآن مهمّشة. الحرب سرّعت من هذا القرار"، مضيفة: "لا أرى كيف يمكن أن أكون وطنية في هذه الأوقات؟".
منذ السابع من أكتوبر، غادر عشرات الآلاف من اليهود "إسرائيل" بحثًا عن أماكن أكثر أمنًا
وفي المقابل، يرى جوناثان روغل، المهندس في شركة "الطب الحيوي"، أن ما جرى يوم 7 أكتوبر كان دافعًا له للبقاء في "إسرائيل" التي قدم إليها من واشنطن في نيسان/ أبريل. ورغم ذلك يقول إنّه لا يخفي قلقه بشأن مستقبل الديمقراطية، ويشارك في المظاهرات المناهضة للحكومة.
وتشير معطيات المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي وتقارير شركات الهجرة المتخصصة إلى أنه ومنذ السابع من أكتوبر، غادر عشرات الآلاف من اليهود "إسرائيل" بحثًا عن أماكن أكثر أمنًا، إمّا خوفًا من الحرب أو انهيار الديمقراطية أو بسبب الاعتراض على سياسات الحكومة وغلاء المعيشة، أو خوفاً من تصاعد اللاسامية. وفي الفترة من أكتوبر/ تشرين أول 2023 إلى آذار/ مارس 2024، غادر أكثر من 42 ألف إسرائيليّ دون عودة حتى تموز/ يوليو، أي ما يمثل زيادة بنسبة 12% مقارنة بالعام السابق. وفي أكتوبر 2023، غادر 12,300 شخص البلاد، أي بزيادة تقدر بـ 400% مقارنة بأكتوبر 2022.
من شركة تستجلب اليهود إلى "إسرائيل" إلى شركة تُساعدهم في مغادرتها!
إيلان رفيفو (50 عامًا) من "رمات هشارون"، يدير شركة "يونفيرس ترانزيت" التي أسسها والده، والمتخصصة في إعادة التوطين، يقول إنّ الشركة في البداية كانت تهدف لتوطين اليهود الفرنسيين في إسرائيل، لكنها بدأت منذ التسعينيات في تقديم خدماتها للإسرائيليين الذين يقررون المغادرة، خاصة بعد موجات العمليّات الفلسطينية والانتفاضة الثانية. ومع مرور الوقت، توسّعت خدماتها لتشمل البحث عن عقارات في الخارج وتوفير التأشيرات.
ويشير رفيفو إلى أنهم لاحظوا "زيادة ملحوظة في عدد المغادرين منذ طرح خطط الإصلاح القانونية، وقد تزايدت النسبة بشكل كبير منذ السابع من أكتوبر". ويضيف: "مؤخّرًا نقلنا عائلة كبيرة من كريات موتسكين إلى إسبانيا، تتألف من نحو 20 شخصًا من ثلاثة أجيال. قالوا لنا إنهم تعبوا من الحياة هنا بسبب الانقلاب والوضع الاقتصادي، وأنهم يشعرون بأنه لم يعد هناك مكان للعلمانيين الليبراليين في البلاد".
ليعام شفارتس، رئيس قسم إعادة التوطين في مكتب "غولدبرغ زلغمان وشركائه"، أشار إلى ارتفاع بنسبة 40% في طلبات المساعدة بإصدار تأشيرات لإعادة التوطين في الولايات المتحدة منذ بداية الحرب، خاصة من شركات "الهايتك" التي تبحث عن أمان لموظفيها أو تدرس نقل أقسامها للخارج إذا توسعت الحرب.
ويقول نوعام شني، الذي عمل في مجال التكنولوجيا الحيوية لمدة 30 عامًا قبل أن يغادر وزوجته أليس إلى قبرص، إن الكثير من الإسرائيليين يبحثون عن خطط احتياطية. وتساعد الشركة التي أسسها وزوجته حاليًا عشرات الإسرائيليين في إعادة التوطين في قبرص. يقول شني: "الطلب على الهجرة اليوم يتجاوز العرض".
ويتوقّع البروفيسور إسحق ساسون، الخبير في شؤون الهجرة، زيادة عدد مغادري "إسرائيل" في السنوات المقبلة، خاصة بين الشباب، ويقول إن "إسرائيل تواجه تحوّلاً ديمغرافيًا كبيرًا"، ويُحذّر من أنّ هجرة الكفاءات قد تشكل تهديدًا للنمو الاقتصادي.