بعربية رديئة وإملاء غير منتظم كعادة المنشورات الإسرائيلية وبيانات الجيش والمخابرات الإسرائيلية بالعربية عند توجيهها لأهالي الضفة الغربية، تلقى أهالي أربع قرى جنوب الضفة الغربية المُحتلة في كل من محافظتي الخليل وبيت لحم، رسالة موقعة من "قائد منطقة عصيون" دون خاتم أو إشارة رسمية، وزعتها دوريات جيش الاحتلال بين مساء الثلاثاء 20 أيلول/سبتمبر الجاري وليل الخميس أمام المساجد عقب صلاتي المغرب والعشاء تضمنت دعوة للممنوعين أمنيًا لمراجعة المخابرات في المركز عينه المصدر للرسالة.
تحاول إسرائيل منذ بدء احتلالها للضفة الغربية اللعب على معادلة توفير العمل للفلسطينيين مقابل الهدوء الأمني، أي عدم الانخراط في أعمال المقاومة
القرى التي تلقت هذه الرسالة هي حوسان إلى الجنوب الغربي من بيت لحم، وعرب الرشايدة إلى الشرق من المدينة باتجاه صحراء البحر الميت، وكل من قريتي نوبا وبيت أولا إلى الشمال الغربي من مدينة الخليل.
اقرأ/ي أيضًا: "المدنيات".. نكبة تعليمية في فلسطين
وجاء في نص الرسالة دعوة لكل المرفوضين أمنيًا، أي الممنوعين من الحصول على البطاقة الممغنطة الإسرائيلية وتصاريح الدخول والعمل داخل الخط الأخضر أو في المستوطنات، بالتوجه وفق مواعيد حددتها الرسالة في كل منطقة بشكل منفصل إلى المركز المخابراتي المسؤول عن جنوب الضفة الغربية الواقع على الطريق بين بيت لحم والخليل والمعروف بمكتب ارتباط غوش عتصيون، طبعًا لمن يرغب بإزالة المنع الأمني من ملفه وفق الرسالة دائمًا.
وكان اليوم الخاص بقرية حوسان هو الأربعاء 21 أيلول/سبتمبر الجاري "كما توضح الصورة"، بينما بخصوص نوبا فقد كان الخميس 22 من الشهر عينه، وتوجه عشرات من الشبان الفلسطينيين من هاتين المنطقتين إلى المراجعة في مركز عصيون تساوقًا مع ما نصت عليه الرسالة، رغبة منهم في التحصل على تصاريح عمل إسرائيلية.
وفي هذا الصدد يقول الثلاثيني ع.ز من قرية حوسان، وهو عامل بناء عاطل عن العمل منذ سنوات بسبب الرفض الأمني الذي يحول دون حصوله على تصريح عمل داخل الخط الأخضر،: "ذهبنا إلى مركز عصيون في الموعد المحدد لقريتنا، وكنا أربعة شبان سويًا، واعتقدنا أن لا أحد سيصدق الأمر ويأخذه على محمل الجد، لكن عندما وصلنا قبل الموعد المحدد بساعة تقريبًا، فوجئنا بأن العشرات سبقونا إلى هناك".
اقرأ/ي أيضًا: الاحتلال يصعد حملته ضد قيادات التجمع ونشطائه
ويضيف م. ح -وهو عشريني من القرية عينها-: "أخذنا الأمر بجدية، وذهبت لأني أريد الحصول على تصريح عمل فقط، لكن الأمر لم يبدُ أنه بشأن التصاريح"، ويبرر انطباعه بالقول: "قلة قليلة من تمت مقابلتهم بالشكل الاعتيادي، أما البقية فلم يدخلونا بشكل فردي للقاء ضابط المخابرات المسؤؤول عن منطقتنا، بل اكتفوا بتوجيه الحديث لنا بشكل جماعي وكأننا في محاضرة أو جلسة وعظ".
تأتي الدعوات للممنوعين أمنيًا من بين أساليب ورسائل أخرى كثيرة صدرت مؤخرًا عن سلطات الاحتلال في محاولة منها لتجريم منفذي عمليات الطعن والدهس ضد الاحتلال
وعن فحوى الحديث استطرد م.ح قائلًا: "دخل ضابط برتبة عالية كما يبدو ومعه ضابطان آخران، وبدأ بالقول أهلا وسهلًا بشباب حوسان، ممكن أن لا نستطيع الحديث مع الجميع اليوم لكن ما نود قوله، أن العمل هو ما يعطي قيمة لحياة الإنسان، والاهتمام بالمستقبل وفتح بيت والعناية بالأسرة أهم من كل شيء آخر، دعوا السياسة والمشاكل لأهلها وانتبهوا لمستقبلكم أفضل لكم ولنا وللجميع".
أما ي.ز، خمسيني من حوسان أيضًا، فقد أتيح له المجال لكي يقابل المخابرات بشكل منفرد، ويقول بخصوص مجريات مقابلته أنها لم تختلف عن الحديث العام الذي حصل في قاعة الانتظار، وأن ضابط المخابرات لم يناقش أو يعرض أسباب حرمانه من تصريح العمل بقدر ما بقي يتحدث عن أهمية حسن الجوار والعيش بسلام "بدون مشاكل"، ويقول ي.ز: "لم أستفد من تضييع وقتي هناك إلا أني جلست استمع لفلسفة الضابط دون أي نتيجة، وها أنا عدت من هناك بدون تصريح وبدون أي تغييرات في ملفي، سوى الوعد الذي بقي يكرره الضابط بأن حياتنا ستصبح أسهل وأفضل، كيف لا أدري!".
اقرأ/ي أيضًا: صابر الرباعي في صورة مع ضابط إسرائيلي
الجدير بالتوقف لديه أن المضامين التي تحدّث عنها عمال قرية حوسان، حول فحوى اللقاءات، والحديث الذي ساقه ضبّاط مخابرات الاحتلال في "غوش عتصيون" يتلاقى مع ما تطرحه صفحة "المنسق"، وهو رئيس ما تعرف بـ "الإدارة المدنية في الضفة الغربية" يؤاف مردخاي، عبر موقع فيسبوك.
ومن الملاحظ أنّ الصفحة بدأت مؤخرًا نشر مضامين تتعلّق بتحسين وتسهيل وصول العمال الفلسطينيين للداخل، وكذلك الترويج بأن "وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق" تعمل على تطوير العمالة الفلسطينية عبر اعتماد معايير عمل من أجل تعزيز ضمان حقوق العامل، من بينها تحسين شروط العمالة الفلسطينية داخل الخط الأخضر، من خلال سوق العمل الحر، وتعزيز العلاقات بين العمال وأصحاب العمل، وكذلك توفير التدريب المهني، وتحسين آليات التشغيل.
تلك المنشورات رافقها أيضًا أرقام عن نسبة إسهام العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل، في الدخل الفلسطيني السنوي، وكذلك إحصاءات عن عدد العمال الذين دخلوا إسرائيل والمستوطنات في الضفة، ورجال الأعمال الفلسطينيين.
وبالطبع كان التأكيد بين كلّ منشور وآخر على فكرة "العيش المشترك"، ونبذ فكرة الموت، والقتل، في إشارة إلى عمليات الطعن والدهس، التي ينفّذها الشبّان الفلسطينيون. من بين تلك المنشورات، صورة لطلبة جامعيين أثناء التخرّج وإلى جانبها صورة شاب يبدو أنّه نفّذ عملية استهدفت إسرائليين، وقد تم إرفاق الصورتين بعبارة: "مستقبلك قرارك". وعبارات أخرى مثل: "القوي يناضل من أجل الحياة وبواجه من أجل المستقبل.. لا قيمة للإنسان بقتل نفسه والآخرين في محاولة للهروب من مشاكل الحياة". وكلّها أساليب تلجأ لها سلطات الاحتلال بهدف وضع حدّ للعمليات والمواجهات المندلعة منذ أكثر من عام.
اقرأ/ي أيضًا:
هل بدأت إسرائيل بتحضير بديل للسلطة الفلسطينية؟