27-أغسطس-2024
الاحتلال يرتكب مجزرة في المواصي.jpg

كشف تحقيق جديد أجرته منظمة العفو الدولية "أمينستي" أن قوات الاحتلال الإسرائيلي امتنعت عن اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتفادي أو تقليل الضرر الذي قد يلحق بالمدنيين الفلسطينيين الذين احتموا بمخيمات النازحين أثناء تنفيذ هجمتين جويتين ادعوا فيهما استهداف قادة ومقاومين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي في جنوب قطاع غزة المحتل خلال شهر أيّار/مايو. وتوصل التحقيق إلى أن الهجمتين لم تفرّقا بشكل واضح بين المدنيين والمقاومين، وأن إحداهما كانت غير متناسبة تمامًا. ودعت منظمة العفو الدولية إلى التحقيق في كلا الهجومين باعتبارهما جرائم حرب.

في 26 أيّار/مايو 2024، شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي غارتين جويتين على مخيم السلام الكويتيّ، وهو مخيم مؤقت للنازحين يقع في تلّ السلطان غرب مدينة رفح. أسفرت الغارتان عن استشهاد ما لا يقل عن 36 شخصًا، من بينهم ستة أطفال، وإصابة أكثر من 100 آخرين بجروح متفاوتة. ويقول تحقيق "أمنيستي" إن أربعة على الأقل كانوا من المقاومين والغالبية العظمى من الضحايا كانوا مدنيين. واستخدمت قوات الاحتلال في هذه الغارات قنبلتين موجهتين من طراز GBU-39 أمريكيتي الصنع. ويشير تحليل الخبراء إلى أن استخدام هذا النوع من الذخائر، التي تطلق شظايا قاتلة على نطاق واسع، في مخيم مكتظ بالمدنيين، يشكّل هجومًا غير متناسب تمامًا لا يميز بين الأهداف العسكرية والمدنية، ويستدعي التحقيق فيه كجريمة حرب.

كبيرة مديري البحوث وكسب التأييد والسياسات والحملات في منظمة العفو الدولية: "الجيش الإسرائيلي كان على علم تام بأن استخدام القنابل التي تطلق شظايا مميتة عبر مئات الأمتار، وكذلك قذائف المدفعية غير الموجهة، سيؤدي إلى مقتل وإصابة عدد كبير من المدنيين الذين يحتمون في مناطق مكتظة تفتقر إلى الحماية"

وفي 28 أيّار/مايو، شنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي هجومًا ثانيًا في منطقة المواصي برفح، التي يصفها الاحتلال بأنها "منطقة إنسانية". أطلقت قوات الاحتلال 3 قذائف مدفعية على الأقل على موقع داخل هذه المنطقة، مما أدى إلى استشهاد 23 مدنيًا، من بينهم 12 طفلًا وسبع نساء وأربعة رجال، وإصابة العديد من الآخرين بجروح خطيرة. وادعى الاحتلال أن الهدف كان أحد مقاتلي حماس وأحد مقاتلي الجهاد الإسلامي. إلا أن تحقيق منظمة العفو قال إنه من المرجح أن هذه الغارة، التي أخفقت في التفريق بين المدنيين والأهداف العسكرية باستخدام ذخائر غير موجهة في منطقة مليئة بالمدنيين الذين يحتمون بالخيام، كانت عشوائية ويجب التحقيق فيها باعتبارها جريمة حرب. 

وأوضحت إريكا غيفارا روساس، كبيرة مديري البحوث وكسب التأييد والسياسات والحملات في منظمة العفو الدولية، أن المدنيين الفلسطينيين النازحين الذين كانوا يبحثون عن الأمان والمأوى دفعوا حياتهم ثمنًا مرة أخرى بسبب الهجمات الإسرائيلية. 

وأشارت روساس إلى أن "الجيش الإسرائيلي كان على علم تام بأن استخدام القنابل التي تطلق شظايا مميتة عبر مئات الأمتار، وكذلك قذائف المدفعية غير الموجهة، سيؤدي إلى مقتل وإصابة عدد كبير من المدنيين الذين يحتمون في مناطق مكتظة تفتقر إلى الحماية". وأضافت: "كان بوسع الجيش الإسرائيلي، بل وكان ينبغي له، أن يتخذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب أو على الأقل تقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين. إن الوفيات والإصابات التي كان من الممكن تفاديها بين المدنيين تمثل تذكيرًا صارخًا بأن وجود المقاتلين في المنطقة المستهدفة لا يعفي جيش الاحتلال الإسرائيلي من التزاماته بموجب القانون الدولي الإنساني".

وتابعت روساس: "يجب على جميع أطراف النزاع، بما في ذلك قوات الاحتلال والجماعات المسلحة، اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين. ويتضمن ذلك أيضًا التزام حماس والجماعات المسلحة الأخرى بتجنب تواجد المقاتلين أو الأهداف العسكرية في المناطق المكتظة بالسكان أو بالقرب منها قدر الإمكان".

بحسب القوانين الدولية، فإن الأطراف المتنازعة ملزمة باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين خلال النزاعات المسلحة

وفي إطار تحقيقها، أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 14 ناجيًا وشاهدًا على الهجمات، كما زارت مواقع الغارات في رفح وتفقدت المستشفيات في خانيونس حيث كان الجرحى يتلقون العلاج. ووثقت المنظمة أيضًا بقايا الذخائر المستخدمة في الهجمات باستخدام صور فوتوغرافية وعاينت صور الأقمار الصناعية للمواقع المستهدفة. بالإضافة إلى ذلك، استعرضت منظمة العفو الدولية التصريحات الصادرة عن جيش الاحتلال الإسرائيلي بشأن هذه الهجمات.

أثناء التحقيق، تبين أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قد شنّت جيش الاحتلال غارتين جويتين على مخيم السلام الكويتي، زاعمًا أنه استهدف مجمعًا تابعًا لحماس في رفح كان يُستخدم من قبل "مقاتلين بارزين". وصرّح الجيش لاحقًا بأنه قتل اثنين من كبار قادة حماس، ياسين ربيع وخالد النجار، لكن تبين فيما بعد أن خالد النجار قد أصيب بجروح ولم يستشهد.

وتوصل التحقيق إلى أن قوات الاحتلال استخدمت في هذا الهجوم قنبلتين موجهتين من طراز GBU-39، وهي قنابل أمريكية الصنع تحتوي على شظايا قاتلة تُطلق على نطاق واسع. وأوضح الخبراء أن اختيار استخدام هذه الذخائر في منطقة مكتظة بالمدنيين يشكل عملًا غير متناسب يجب التحقيق فيه كجريمة حرب. وعلى الرغم من امتلاك جيش الاحتلال لذخائر أصغر حجمًا وأقل تأثيرًا، اختار استخدام هذه القنابل التي تسبب أضرارًا واسعة النطاق.

أما في الهجوم الثاني الذي وقع في منطقة المواصي، فقد تسببت قذائف المدفعية الإسرائيلية باستشهاد العديد من المدنيين الأبرياء، بينهم أطفال ونساء، كانوا يحتمون في مخيم مؤقت. وأفادت التحقيقات بأن استخدام هذه القذائف في منطقة مزدحمة بالمدنيين يعتبر انتهاكًا صارخًا لقوانين الحرب.

وبحسب القوانين الدولية، فإن الأطراف المتنازعة ملزمة باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين خلال النزاعات المسلحة. ويشدد القانون الدولي الإنساني على ضرورة التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين في جميع الأوقات، وحظر الهجمات العشوائية وغير المتناسبة التي قد تسبب خسائر كبيرة في أرواح المدنيين دون تحقيق تقدم عسكري مبرر.