منذ أن بدأت جائحة كورونا، وأعلنت حالة الطوارئ في فلسطين، والوضع الاقتصادي آخذ في التراجع مقتربًا من حافة الانهيار، فالناس بلا عمل، وحتى البضائع لا تكاد تصل بشكل جيد إلى الناس، ونسبة كبيرة التزمت منازلها كإجراء وقائي ضد تفشي فيروس كورونا شديد العدوى، ما استدعى حلولاً مجتمعية بديلة لسد حاجة الأسر التي تعطل مصدر رزقها، ومن هنا جاءت فكرة لجان الطوارئ والمساندة التي أعلنت عن تشكيلها الحكومة الفلسطينية، وتولت مهمة توجيهها إلى المجالس المحلية.
حلول مجتمعية بديلة لسد حاجة الأسر التي تعطل مصدر رزقها بسبب حالة الطوارئ
في بلدة عقربا إلى الجنوب الشرقي من مدينة نابلس، بادر رئيس البلدية غالب ميادمة، برفقة عدد من الشخصيات من الأعيان والعائلات وممثلي المؤسسات والأحزاب، لحملة جمع تبرعات كانت لافتة لانتباه الجميع، وتداول الناس المبلغ الذي جمع في أول يومين حيث وصل لقرابة 800 ألف شيكل، ثم بعد أيام قليلة، وصل المبلغ لمليون شيكل، أي ما يعادل 280 ألف دولار.
اقرأ/ي أيضًا: 40 يومًا: ماذا قدمت الحكومة لبيت لحم؟
ويوضح ميادمة، أن الحملة بدأت من خلال موجة بث مباشر عبر صفحة البلدية، بحضور أعضاء اللجنة المسؤولة عن جمع التبرعات، وقد بادر أعضاء اللجنة بالتبرع، وعدد من رجال الأعمال وأصحاب المحال التجارية والأهالي الذين تسابقوا للمساهمة في الحملة، بالإضافة إلى أهالي بلدة عقربا المغتربين في الخارج، والذين ساهموا بنحو نصف المبلغ المُتبرع به.
ويشير ميادمة إلى أن "هذه النخوة التي أبداها أهالي بلدة عقربا، فاقت التوقعات"، حيث توقعت اللجنة أن يتم جمع ربع المبلغ الذي وصلت إليه الآن، ولم يكن يتوقع أن يتم جمع مليون شيكل، حتى أن اللجنة حازت على تسمية "لجنة المليون".
في بلدة بيت فوريك شرقي نابلس، وصلت التبرعات إلى نصف مليون شيكل، من بينها مواد عينية تبرع بها أصحاب محال ورجال أعمال ومن أهالي البلدة. كما تبرع أهالي البلدة بما يقارب 150 تنكة زيت، وفق ما أشارت له سمر مليطات عضو اللجنة المالية التابعة للجنة الطوارئ المساندة التي انبثقت من البلدية.
خلال موجة البث، تبرعت عائلة مستورة الحال، بزجاجة زيت زيتون تزن 2 كغم، ما دفع أحد أعضاء اللجنة لعرضها في مزاد علني، في مشهد مؤثر للموقف الذي دفع هذه العائلة للتبرع بحسب إمكانياتها، وقد دفعت البلدية آخر مبلغ في هذه الزجاجة 1900 شيكل، فيما لا يزال المزاد مفتوحًا.
تبرعت عائلة مستورة الحال، بزجاجة زيت زيتون تزن 2 كغم، وتم عرضها في مزاد علني في مشهد مؤثر
أعضاء اللجنة انطلقوا في موجة بث مباشر على صفحات البلدة ولمدة يومين، وبدأوا بجمع التبرعات، ما دفع أهالي البلدة إلى المساهمة في هذه الحملة. ولفتت مليطات إلى أن أطفالاً أيتام وآخرون من المحسوبين على العائلات المستورة ساهموا في التبرعات.
اقرأ/ي أيضًا: تأملات في زمن الطوارئ
وفي قرية دير جرير شرق مدينة رام الله، جمعت لجنة الدعم والمساندة خلال أيام قليلة 682 ألف شيكل، جزءٌ منها مواد عينية وطرود غذائية.
ويشير عضو اللجنة محمد سلامة إلى أن اللجنة تم تشكيلها بالتنسيق مع مؤسسات البلدة الرسمية، نظرًا للظروف التي تمر بها القرية، حيث سُجلت إصابة ثمانية مواطنين بفيروس كورونا، ونتيجة لذلك تم إغلاق القرية بشكل كامل، ما استدعى العمل على توفير الاحتيجات الأساسية للأهالي المتضررين في هذه الأزمة.
وبيّن سلامة، أن جمع التبرعات مازال مستمرًا، ويتم التبرع من خلال التوجه إلى مقر المجلس بشكل فردي، أو الاتصال عبر الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث شارك بالتبرعات أهالي القرية والقرى المجاورة، بالإضافة للمغتربين من أهالي القرية.
كما ساهم أهالي بلدة بيتا جنوب نابلس، بنحو 150 ألف شيكل، خلال عملية جمع التبرعات التي نفذتها اللجنة التابعة للجان الطوارئ، فيما لا تزال عمليات جمع التبرع متواصلة وذلك من أجل البدء بتوزيع الطرود الغذائية على العائلات، بحسب ما قاله رئيس بلدية بيتا فؤاد معالي، لافتًا إلى أن الفترة المقبلة ربما تكون صعبة على الجميع إذا استمرت حالة الطوارئ بسبب فيروس كورونا، خاصة أننا مقبلون على شهر رمضان.
الفترة المقبلة ربما تكون صعبة على الجميع إذا استمرت حالة الطوارئ، خاصة أننا مقبلون على شهر رمضان
تعمل هذه البلديات، والكثير من القرى والبلدات الفلسطينية التي نفذت حملات جمع تبرعات، على آلية واضحة في عملية توزيع الطرود الغذائية، وذلك لضمان عدم نقص أي متطلبات أساسية على الناس، خاصة أن لا أحد يعرف متى تنتهي هذه المرحلة.
وبحسب ما أشار إليه المتحدثون عن البلدات، فإنه يتم ومن خلال اللجان الاجتماعية عمل مسح اجتماعي في البلدة، ومن ثم تجهيز قوائم بأسماء العائلات وتوزيع الطرود الغذائية التي يتم تجهيزها مسبقًا.
من جانبه، يشير الباحث والحكواتي حمزة العقرباوي إلى أن العونة والمساندة الاجتماعية ظاهرةٌ تعوّد عليها الشعب الفلسطيني، ففي ثورة الـ36 ظهرت فكرة "الفزعة"، حيث كانت كل قرية تتعرض لهجوم خلال الاحتلال البريطاني، يخرج الأهالي في القرى المجاورة حاملين سلاحهم لصد العدوان عنها.
العونة ظهرت في ثورة 1936، وتطورت في مواسم الزيتون وبناء البيوت
كما لمع بريق العونة خلال مواسم الحصاد والزيتون والزراعة وبناء المنازل، إذ يساند الناس بعضهم البعض من خلال المساعدة الجماعية. كذلك إذا حُرق منزل أو بيدرٌ زراعيٌ لأحد المزارعين، كان الناس يتشاركون في جمع الأموال لمساندة صاحبه وتعويضه عن خسارته، وفق العقرباوي.
ويضيف، "هنا لا نخص قرية أو مدينة معينة في هذه الظاهرة، بل هي ظاهرة عامة يتميز بها المجتمع الفلسطيني، يمكن أن تزيد أو تقل في بعض البلدات نتيجة ظروف معينة كعدد السكان وتركيبة العائلات، ولكنها ظاهرة مألوفة وليست غريبة عن المجتمع الفلسطيني".
ويشير العقرباوي إلى أن بلدته عقربا ضربت الكثير من الأمثلة خلال مراحل كثيرة في العونة والمساندة المجتمعية، ففي البلدة 16 مسجدًا وثمانية مدارس كلها من مساهمات وتبرعات أهالي البلدة، بالإضافة للمغتربين الذين يشكلون مصدر دعم أساسي لكافة مشاريع البلدة. كذلك ساهم أهالي بلدة عقربا خلال اجتياح مخيم جنين ومدينة نابلس عام 2002، بحمولة شاحنتين مواد تموينية أرستلها إلى جنين ونابلس، كلها كانت بتبرعات من الأهالي.
اقرأ/ي أيضًا: