18-نوفمبر-2018

الترا فلسطين | فريق التحرير

صحيحٌ أن معركة خان يونس بين القوة الخاصة والفصائل في غزة أسفرت عن جولة تصعيد عسكريٍ لأكثر من 24 ساعة قبل العودة إلى وقف إطلاق النار. لكن المعركة التي أسفرت عن مقتل ضابط إسرائيلي كبير وإصابة آخر لم تُحسم بعد، وإنما انتقلت إلى مرحلة حرب أدمغة تدور رحاها في الظلال.

بات واضحًا من المعلومات التي جاءت على لسان الطرفين، أن ما جرى هو اكتشاف الفصائل للقوة العسكرية أثناء تنفيذها عملية استخبارية معقدة، تترواح بين زراعة أجهزة تصنت أو تصوير، وتقع في نطاق ما يُسميه جيش الاحتلال "معركةً بين الحروب". وطبيعة هذه العمليات -وفقًا للعقيدة الأمنية الإسرائيلية- تبدأ من عمليات التجسس الإلكتروني وزرع الجواسيس وتنفيذ الاغتيالات التي بالإمكان نسبها لجهاتٍ أخرى، إضافة لعملياتٍ أخرى سرية.

الفصائل اكتشفت القوة الإسرائيلية في خان يونس أثناء تنفيذها عملية استخبارية معقدة، والمعركة التي حدثت إثر ذلك لم تُحسم حتى بجولة التصعيد

عملية الاحتلال الفاشلة، شاركت فيها -إلى جانب أذرع الجيش المتعددة- استخبارات "سلاح الجو"، وقوات خاصة من جهاز "الشاباك"، وهي من نوع العمليات التي تنطوي على هامش مخاطرة مرتفع جدًا. لكن كما يبدو فإن الهدف الذي كان من المتوقع أن تُحققه يُبرر النتيجة الصفرية المحتملة للعملية، فإما نجاحٌ صامتٌ يجري استثماره في الحرب المقبلة، أو فشل مدوي. ومن أجل تقليص هامش الفشل، يتم تكريس موارد وقدرات ثمينة ووسائل خاصة ودعمًا لوجستيًا بشريًا وآخر تقنيًا داخل قطاع غزة من جانب العملاء.

يُدرك قادة استخبارات جيش الاحتلال و"الشاباك" من خبرتهم السابقة، أن المقاومة فتحت تحقيقًا لتحديد أهداف العملية الإسرائيلية السرية منذ بداية الاشتباك، والإجابة عن تساؤلات عديدة، وتحديد هوية العملاء المنفردين الذين سهلوا للقوة الدخول، أو كشف شبكات مفترضة شاركت الدعم اللوجستي.

الافتراض الاولي لدى أجهزة أمن الفصائل هو أن القوة الخاصة الإسرائيلية، اعتمدت في تسللها وربما إقامتها لساعاتٍ أو أيامٍ أو فترةٍ أطول منذ ذلك أو أقصر، على عميلٍ منفردٍ أو شبكة عملاء. ونوعية العُملاء التي يستخدمها الاحتلال في مثل هذه الحالة، هي "عُملاء العُمق"، يُشترط فيهم أن يكونوا من المجربين في عمليات سابقة ومؤهلين جيدًا، ويمتلكون قصص تغطية وإمكانياتٍ لوجستيةٍ جرى بناؤها على مدار فترةٍ طويلةٍ مثل مخازن وورش مصانع  وفنادق ومزارع، إضافة إلى عنصر الولاء للاحتلال، لأن أي خللٍ في العناصر آنفة الذكر سيجعل من تسلل قوة الاحتلال عملية انتحارية ليس لأعضائها فقط، بل ربما لقادة  الجيش.

الخيط الأول الذي تُكرسُ له المقاومة الآن -بالتوزاري مع الخيوط  الأخرى- جهودًا ضخمة؛ هو السيارة التي كانت تستقلها "القوة الخاصة"، مثلما جرى خلال التحقيق في ملف القيادي في كتائب القسام مازن فقها. سيتم تحليل آلاف الساعات التي وثقتها الكاميرات في المنطقة وربما في قطاع غزة بالكامل؛ لتحديد الأماكن التي تحركت فيها السيارة، وتحديد مصدرها وكيف دخلت للقطاع، وإن كانت قد جاءت من الخارج، وأين توقفت وأين تحركت، وهل نزل ركابها في مكانٍ ما لأي سببٍ من الأسباب. الإجابة عن هذه الأسئلة قد تكون سببًا في إيقاع "صيدٍ ثمينٍ" من عملاء الاحتلال في شبكة المقاومة.

لا شكَّ أن الاحتلال قد وضع في حسبانه إمكانية فشل عمليته على النحو الذي جرى على أرض الواقع، وفي تلك الحالة لا يُستبعد أن يكون قد وضع خطة هرب عميلٍ ما شارك في العملية، قد يقود اعتقاله إلى كشف عملاء آخرين، أو كشفت أدواتٍ وأساليب سيستخدمها الاحتلال لاحقًا. والمقاومة بالطبع تدرك ذلك، ولهذا قد تصل الليل بالنهار لسد أي ثغرة سواءً على الحدود أو المعابر مع الاحتلال.