18-سبتمبر-2024
كيف حدث انفجار أجهزة البيجر؟

(Getty) فرضيات عدة تتناول تفجير أجهزة الاتصال البيجر في لبنان

يثير انفجار أجهزة اتصال "البيجر" في لبنان، يوم الثلاثاء، الكثير من الأسئلة، حول طريقة تفجير أجهزة الاتصال بين عناصر حزب الله، والتي أسفرت عن سقوط شهداء من عناصر الحزب والمدنيين بينهم طفلة على الأقل. وتتراوح التقديرات العامة، بكون الانفجارات المتزامنة، حصلت نتيجة خرق أمني تقني (هجوم سيبراني) ساهم في رفع حرارة الأجهزة وانفجارها، أو نتيجة تفخيخ هذه الأجهزة بشكلٍ مُسبق، عبر اختراق سلسلة التوريد.

وفي تقرير لـ"نيويورك تايمز" وقعه مراسل الصحيفة الإسرائيلي رونين بيرغمان، والمراسلة شيرا فرينكل، التي تغطي قضايا التكنولوجيا، وجاء فيه: "نفذت إسرائيل عمليتها ضد حزب الله، الثلاثاء، بإخفاء مواد متفجرة داخل دفعة جديدة من أجهزة الاستدعاء تايوانية الصنع اُسْتُورِدَت إلى لبنان"، بحسب مسؤولين أميركيين ومسؤولين آخرين مطلعين على العملية.

وبحسب بعض المسؤولين، فإن "أجهزة البيجر التي طلبها حزب الله من شركة جولد أبولو في تايوان، عُبِث بها قبل وصولها إلى لبنان. وكانت أغلبها من طراز AP924 الذي تنتجه الشركة، رغم أن ثلاثة طرازات أخرى من طراز جولد أبولو كانت متضمنة في الشحنة".
وقال اثنان من المسؤولين لـ"نيويورك تايمز": إن "المادة المتفجرة، التي لا يتجاوز وزنها أونصة أو اثنتين، كانت مزروعة بجوار البطارية في كل جهاز استدعاء. كما ضُمِّن مفتاح يمكن تشغيله عن بعد لتفجير المتفجرات".

نيويورك تايمز: أجهزة البيجر التي طلبها حزب الله من شركة جولد أبولو في تايوان، عُبِث بها قبل وصولها إلى لبنان

ووفق مصادر الصحيفة الأميركية: "في الساعة 3:30 بعد الظهر في لبنان، تلقت أجهزة البيجر رسالة بدت وكأنها صادرة عن قيادة حزب الله. لكن الرسالة بدلًا من ذلك قامت بتفعيل المتفجرات". وقال ثلاثة من المسؤولين إن الأجهزة بُرْمِجَت لإصدار صوت تنبيه لمدة عدة ثوان قبل انفجارها.

وقال خبراء مستقلون في مجال الأمن السيبراني درسوا لقطات من الهجمات إنه من الواضح أن قوة وسرعة الانفجارات ناجمة عن نوع من المواد المتفجرة.

وأوضح ميكو هيبونين، وهو متخصص في الأبحاث في شركة البرمجيات WithSecure ومستشار الجرائم الإلكترونية في اليوروبول: "من المرجح أن تكون هذه الأجهزة قد عُدِّلَت بطريقة أو بأخرى للتسبب في هذا النوع من الانفجارات - يشير حجم وقوة الانفجار إلى أنه لم يكن بسبب البطارية فقط".

وقال عدد من المسؤولين إن أكثر من ثلاثة آلاف جهاز استدعاء طُلِبَت من شركة جولد أبولو في تايوان. وقام حزب الله بتوزيع أجهزة الاستدعاء على أعضائه في مختلف أنحاء لبنان، ووصل بعضها إلى حلفاء حزب الله في إيران وسوريا.

وبحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، التي تحدثت مع خبراء أمن وتقنية، دون الكشف عن هويتهم، هناك نظريتان رئيسيتان تفسران الانفجارات.

الاحتمال الأول هو أنه، على غرار اغتيال أحد كبار قادة حماس يحيى عياش في كانون الثاني/يناير 1996، تسلل المسؤولون عن الهجوم إلى سلسلة التوريد لشركة الاتصالات التي زودت حزب الله بأجهزة البيجر، وزرعوا عبوات ناسفة صغيرة في آلاف الأجهزة. ويشير تفسير آخر قدمه خبراء إلى أن هجومًا إلكترونيًا تسبب في ارتفاع درجة حرارة بطاريات الأجهزة وانفجارها.

"لقد كان هجوما إلكترونيا بحتًا"، كما قدر أحد الخبراء الذين تحدثوا إلى صحيفة "هآرتس"، موضحًا، "كل ما تحتاجه هو تقديم تحديث لبرنامج ضار، ثم الضغط على زر الإدخال". وأوضح الخبير أن بطارية ليثيوم مشحونة بالكامل تزن 50 جرامًا تولد حرارة تعادل انفجار سبعة جرامات من مادة تي إن تي. وأوضح: "إذا قم حصل ماس كهربائي في دائرة بطارية الليثيوم، فإنها تسخن بسرعة كبيرة، في غضون ثوانٍ".

لكن مصادر أخرى لـ"هآرتس"، تزعم أن الهجوم الإلكتروني وحده من غير المرجح أن يكون سببًا في حدوث مثل هذا النوع من الانفجارات التي شوهدت في لقطات فيديو من مواقع مختلفة في لبنان. ويعتقدون أن من الأرجح أن تكون مكونات متفجرة قد أُدْخِلَت في الأجهزة أثناء عملية التصنيع أو التوريد. ووفقًا لهذه المصادر، يمكن بالفعل تفجير المتفجرات عن بعد. موضحةً: "سواء من خلال اختراق سلسلة التوريد أو الهجمات الإلكترونية، فإن العملية كانت تتطلب عملًا استخباراتيًا مكثفًا لاستهداف الأجهزة الصحيحة. وهذا يشمل رسم خرائط لمستخدمي شبكة أجهزة البيجر من عناصر حزب الله، وتحديد نقاط الضعف، وتصميم الهجوم وفقًا لذلك".

بدورها، قالت إميلي هاردينج، نائبة مدير برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إنه في حين لا يزال الكثير غير معروف عن هجوم يوم الثلاثاء، فمن المرجح أن "إسرائيل تسللت إلى سلسلة التوريد التي يستخدمها حزب الله لأجهزة الاتصال الخاصة به، حيث وجدت طريقة لتجهيزها فعليا". ورغم أن الهجوم الإلكتروني وارد، إلا أنها قالت إنه غير مرجح بالنظر إلى طبيعة أجهزة الاستدعاء "المنخفضة التقنية للغاية"، والتي يستخدمها أعضاء حزب الله جزئيًا لتجنب المراقبة الرقمية.

وقالت إن أجهزة البيجر لا تستطيع التقاط الصوت، ولا تحتوي على كاميرات، وبالتالي فهي تشكل خطرًا أقل من الهواتف المحمولة عندما يتعلق الأمر بمراقبة الحركات والاجتماعات.

وقال ديمتري ألبيروفيتش، رئيس مركز سيلفرادو بوليسي أكسيليريتور، وهو مركز أبحاث للأمن القومي: "يبدو أن هذا ربما يكون الهجوم الأكثر شمولًا على سلسلة التوريد المادية في التاريخ - استبدال الأجهزة المستوردة بأخرى تحتوي على متفجرات وتشغيلها جميعًا في الوقت نفسه من خلال نوع من قناة القيادة والتحكم".

وأضاف أن العملية تطلبت "اتخاذ قرارات استخباراتية بشأن الربح أو الخسارة"، مشيرًا إلى أن "إسرائيل كان عليها أن تزن فوائد إصابة عناصر حزب الله مقابل فوائد الوصول إلى أجهزة اتصالاتهم لفترة أطول، وهو ما ربما كان من شأنه أن ينتج ميزة استخباراتية أكبر".

وقال مسؤولان إسرائيليان سابقان، وكلاهما لديه خبرة في اختراق الاتصالات، لصحيفة "فاينانشيال تايمز" إن أجهزة البيجر لا تحتوي عادة على بطاريات كبيرة بما يكفي لإجبارها على الانفجار بقوة كافية للتسبب في الإصابات التي ظهرت في مقاطع الفيديو التي نشرت من مستشفيات بيروت".

وأضاف المسؤولان السابقان أنه "لم تتوفر أدلة كافية للعامة لتأكيد كيفية تنفيذ التفجيرات وتنسيقها على وجه التحديد".

وقالوا إن هناك احتمالين واضحين: هجوم إلكتروني حيث أجبر برنامج خبيث بطارية الليثيوم في جهاز البيجر على ارتفاع درجة حرارتها ثم انفجارها، أو تدخل معروف باسم "هجوم سلسلة التوريد"، حيث ربما اُعْتُرِضَت شحنة من أجهزة البيجر المتجهة إلى لبنان وإدخال كمية ضئيلة من المتفجرات خلسة.

ونظرًا لصغر حجم الانفجارات، قال المسؤولان السابقان إن "الهجوم الإلكتروني يبدو محتملًا، وإن كان معقدًا من الناحية الفنية. إن الأمر ليس سهلًا، ولكن يمكنك أن تفعل ذلك بجهاز واحد عن بعد، وحتى في هذه الحالة لا يمكنك التأكد من ما إذا كان الجهاز سيشتعل أو سينفجر بالفعل"، هكذا قال أحد المسؤولين السابقين. "أن تفعل ذلك بمئات الأجهزة في نفس الوقت؟ هذا سيكون تطورًا مذهلًا".

من جانبه، قال موقع "المونيتور": "لم يكن تفجير أجهزة البيغر قبل أي حرب شاملة مع حزب الله هو الخيار المفضل لدى إسرائيل، لكن مسؤولي الأمن اتخذوا قرارًا في اللحظة الأخيرة بعد أن اشتبه اثنان على الأقل من أعضاء حزب الله في وجود شيء خاطئ في هذه الأجهزة".