26-سبتمبر-2022
HAZEM BADER/Getty Images

HAZEM BADER/Getty Images

من شاهد الفيلم الوثائقي الإسرائيلي "المختبر - The Lab "، الذي أنتج عام 2013، ويتمحور حول صناعة الأسلحة الإسرائيلية، يرى بدون عناء، أن "إسرائيل" تجنى أرباحًا من حروبها وعملياتها العسكرية منذ أكثر  عقدين،  التي كان في معظمها قطاع غزة ميدانها؛ وهي أرباحٌ تأتي من الأسلحة التي طورتها  واختبرتها في غزة.

"الزبائن" يفضلون شراء الأسلحة التي تم تطويرها في "إسرائيل" واختبارها ميدانيًا، خاصة الأسلحة التي تم اختبارها ميدانيًا أثناء حرب غزة، ويشير الفلم الوثائي "المختبر" إلى عملية "الرصاص المصبوب" -عدوان 2008- في هذا السياق

من المقابلات التي أجراها مخرج الفيلم يوتام فيلدمان، مع الأشخاص الرئيسيين في صناعة تصدير الأسحلة والمنتجات المتعلقة بالأمن في السوق الدولية في "إسرائيل"، يخلص إلى استناجٍ بأن "الزبائن" يفضلون شراء الأسلحة التي تم تطويرها في "إسرائيل" واختبارها ميدانيًا، خاصة الأسلحة التي تم اختبارها ميدانيًا أثناء حرب غزة، ويشير إلى عملية "الرصاص المصبوب" -عدوان 2008- في هذا السياق.

خلال الانتفاضة الثانية كانت تنصب الجهود الاستخبارية الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة على رصد  وتسجيل وتحليل  مكالمات الهواتف الخليوية وإحداثياتها لجمع المعلومات الاستخبارية وفك رموز  العمليات وألغازها، وتحديد شبكات علاقات منفذيها ومساعديهم. وكانت تنصب أيضًا في استطلاع الرأي العام وإجراء عمليات مسح للرأي العام وإحصاء للمشاركين في التظاهرات الاحتجاجية وبقية الفعاليات، وصولاً لرسم الخطوط العامة للمزاج العام.

ثم مع نهاية الانتفاضة الثانية، ودخول عصر الهواتف الخليوية وتطور الكاميرات، أتاح العصر الجديد لمخترق الهواتف الخليوية بحرًا لا يحده شطآن من المعلومات المتاحة لحظة الحاجة حول أي شخص مستهدف، لكونه ذو علاقة مباشرة بحدث ما، أم الصدفة وضعته في مكان وقوع حدث هام أو شخص هام.

قطاع غزة، بالنسبة لشركات التصنيع العسكري الإسرائيلي كان ولم يزل منجمًا للذهب، ففيه يتم اختبار الأسلحة الجديدة وإثبات فعاليتها والتدليل على كفاءتها، في ميدان فعلي وليس في ميدان افتراضي، وهو أمرٌ تفتقر له الكثير من شركات السلاح.

قطاع غزة، بالنسبة لشركات التصنيع العسكري الإسرائيلي كان ولم يزل منجمًا للذهب، ففيه يتم اختبار الأسلحة الجديدة وإثبات فعاليتها والتدليل على كفاءتها، في ميدان فعلي وليس في ميدان افتراضي

كذلك الشركات الأمنية الإسرائيلية التي تبيع الخبرات عبر تأجير المدربين، طورت تكتيكات عسكرية واختبرت كفاءتها في غزة،  لكن الشركات الأمنية التي تطور منتجات ذات طابع أمني يقوم على انتهاك خصوصية الأفراد وتبيعها، كانت هي الأخرى بحاجة لحقل تجارب، وفي غزة من الصعب استخدام الكاميرات الأمنية والذكاء الصناعي في قلب التجمعات السكنية، لذا كان الخيار  الأسهل هو الخليل، حيث كافة سكانية فلسطنيية محاصرة بوجود استيطاني.

الخليل كانت ميدانًا  لحدث  آخر، حيث وجدت الاستخبارات الإسرائيلية التقنية نفسها في اختبار صعب، عندما وقعت عملية أسر ثلاثة مستوطنين في عام 2014، واستغرق تحديد مكان دفنهم فترة طويلة نسبيًا في منطقة تقع ضمن نطاق السيطرة الفعلية والاستخبارية للجيش الإسرائيلي. جزءٌ من استخلاص العبري في تلك الأحداث التي وقعت في الخليل تمثل في الاعتراف بقصور الجهود الاستخبارية التقنية وعجزها في الميدان الوقائي، وأيضًا عدم سرعة فعاليتها بعد وقوع العمليات.

الصناعات الأمنية والعسكرية رأس مالها هو تشخيص معضلةٍ، وإيجاد حل فعال وطرحه في الأسواق بأقصى سرعة. قبل نحو عامين، كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن  مشروع "الخليل مدنية ذكية"،  وهو خليطٌ من أدوات استخبارية تقوم على رصد أي حركة وتوثيقها وضخ ذلك لغرفة تحكم "الضبط والسيطرة"  التابعة لوحدة "يهودا" المسؤولة عن فرض الاحتلال على محافظة الخليل. وتملك هذه الغرفة قدرات متطورة من خلال منظومة "الميدان الذكي" التي تقوم على وسائل تكنولوجية خاصة؛ من بينها أجهزة رادار، ومجسّات تستطيع رصد وتشخيص أي فعل غير عادي بشكل فوري، ثم تقدمها للجنود بسرعة وبدقة متناهيين، فيرصد جنود الاستطلاع في غرفة العمليات والضبط أي شخص يحمل سلاحًا أو سكينًا.

وتتيح هذه التقنية للجنود التمييز بين من يطلق المفرقعات أو الرصاص، وتزويد القوات في الميدان بمعلومات حول مصادر إطلاق النار، ما يتيح تتبّع المنفذ في وقت قياسي. وفي غرفة الضبط والسيطرة يتواجد ثمانية رجال استخبارات قبالة الشاشات، تصلهم معلومات الميدان، فيجمعون المعلومات (التي قد تكون من حسابات فلسطينية على مواقع التواصل) ثم يصنفونها ويحللونها ويعيدون توزيعها.

ويتم اختبار تقنيات التجسس الإسرائيلية في البداية داخل الأجهزة الاستخبارية، ثم لاحقًا يحولها خريجو أجهزة الاستخبارات إلى منتجاتٍ لشركاتٍ يؤسسونها وتُباع لمن يدفع. وقد تجري الأمور بالعكس، فتطور شركاتٌ إسرائيلية حلولاً لمعضلات أمنية بحاجة لمختبر.

يتم اختبار تقنيات التجسس الإسرائيلية في البداية داخل الأجهزة الاستخبارية، ثم لاحقًا يحولها خريجو أجهزة الاستخبارات إلى منتجاتٍ لشركاتٍ يؤسسونها وتُباع لمن يدفع. وقد تجري الأمور بالعكس، فتطور شركاتٌ إسرائيلية حلولاً لمعضلات أمنية بحاجة لمختبر

وفي تحقيق لصحيفة "هآرتس"، كشفت عن مشروع سري لشركة إسرائيلية متخصص في تعقب الفلسطينيين، بالاعتماد على الذكاء الصناعي الخاص بتشخيص وجوه الفلسطينيين بعد تحليل الصور التي تلتقطها شبكة كاميراتٍ أمنيةٍ في غاية الدقة.

وأشارت "هآرتس" في تحقيقها إلى شركة انيفجين (Anyvision)  التي تعتبر من أبرز الشركة الإسرائيلية العاملة في مجال التسخيص البيومتري، خاصة تقنيات تشخيص الوجه. وتتفاخر شركة انيفجين بأن أرباحها نمت بنسبة 500%، وأن من بين المستثمرين فيها شركة مايكروسوفت ورجل الأعمال الإسرائيلي الشهير ايال عوفر. والقدرات التكنولوجية التي طوّرتها شركة انيفجين موجهةٌ إلى هدفٍ "مفاجىءٍ"، هو تعزيز سيطرة الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.

ونجحت شركة انيفجين في الحصول على استثماراتٍ بواقع 31 مليون دولار من صندوق الاستثمار M12 التابع لشركة مايكروسفت. ويترأس الشركة أمير كين، الذي شغل في السابق منصب رئيس جهاز الأمن في وزارة جيش الاحتلال.  ومن بين مستشاريه تامير باردو، الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجية "الموساد". وتمارس الشركة التي حصلت على جائرة وزارة الجيش عام 2018 نشاطها في 43 دولة، ويبلغ عدد موظفيها 350 شخصًا، من بينهم 30 شخصًا يحملون درجة  الدكتوراة.

آخر حلقات استخدام الخليل مختبرًا  كان ما انفردت بفضحه صحيفة "هآرتس" العبرية، حول نصب جيش الاحتلال منظومة  طوّرتها شركة " Smart-Shooter " يتم تشغليها عن بعد، لتجربتها في قمع التظاهرات، بحيث تطلق تلقائيًا، قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، والرصاص المعدني المغلف بالمطاط والاسفنج. وهذه المنظومة يتم تشغليها عن بعد، وتطلق آليًا، قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، والرصاص المعدني المغلف بالمطاط والاسفنج وجرى تركيب منظومة القمع الجديدة في شارع الشهداء في البلدية القديمة من الخليل.