28-أغسطس-2024
جنود الاحتلال

يعكس استعراض البيانات التي نشرها جيش الاحتلال الإسرائيلي حول أعداد القتلى في صفوفه خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، مشهدًا معقدًا، يُظهر التوزيع الطبقي والسياسي للجنود القتلى واختلاف هويتهم الفكرية.

ومن خلال التحليل الإحصائي لهذه البيانات، يمكن رصد تغييرات هامة في الهوية الفكرية للجنود القتلى وفهم التداعيات الناتجة عنها. كما تكشف النتائج عن مدى تطبيع المجتمع الإسرائيلي مع الخسائر البشرية، مما يعكس تغيرات ثقافية واجتماعية في كيفية تعامل المجتمع الإسرائيلي مع هذه التحديات.

تكبد جيش الاحتلال خسائر كبيرة في صفوف الضباط، حيث فقد 15 ضابطًا رفيعًا، منهم خمسة برتبة عقيد وعشرة برتبة مقدم

تشير المعطيات، بخصوص عدد القتلى وتوزيع الخسائر، إلى أنه منذ نهاية حرب لبنان الأولى (عملية سلامة الجليل) في 30 أيلول/سبتمبر 1982 وحتى الانسحاب من لبنان في 24 أيّار/مايو 2000، بلغ إجمالي عدد قتلى الجيش 701 جنديًا. بالمقارنة، مع 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى 25 آب/أغسطس 2024، أي خلال فترة تمتد لعشرة أشهر، قد قُتل 703 جنودًا. 

وفي الأيام الأربعة الأخيرة، سقط سبعة جنود إسرائيليين في المعارك الدائرة في قطاع غزة، حيث لقي أربعة منهم حتفهم نتيجة انفجار عبوات ناسفة استهدفت قوات الاحتلال. وتجاوز عدد الجنود القتلى في قطاع غزة عدد من سقطوا في الأيام التي سبقت العملية البرية في 7 تشرين الأول/أكتوبر.

وأسفرت الحرب عن مقتل 326 جنديًا خلال الأسابيع الثلاثة الأولى، بينما قُتل 337 جنديًا في قطاع غزة منذ بدء العملية البريّة في 27 تشرين الأول/أكتوبر. فيما تكبد الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة في صفوف الضباط، حيث فقد 15 ضابطًا رفيعًا، منهم خمسة برتبة عقيد وعشرة برتبة مقدم. وكان لواء جولاني الأكثر تأثرًا بالخسائر بين الألوية النظامية، حيث فقد 83 مقاتلًا منذ بداية الحرب. علاوة على ذلك، قُتل 21 جنديًا في المعارك مع حزب الله على الجبهة الشمالية، وسبعة آخرون في الضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.

دعا كبار حاخامات الصهيونية الدينية في نهاية الثمانينيات أتباعهم للانخراط في الخدمة العسكرية، مع التأكيد على أهمية بقاء المتفوقين منهم في الخدمة الدائمة

ولدى التوزيع الطبقي والسياسي للجنود القتلى تبعات بعيدة المدى على بنية الجيش والمجتمع في إسرائيل. في 28 كانون الأول\ديسمبر 2023، صرّح عميت سيغال بأن 45% من الجنود القتلى في قطاع غزة ينتمون إلى تيار الصهيونية الدينية المتطرف، الذي لا يحظى بـ"المكانة التي يستحقها في الحرب".

ويشير مصطلح "الصهيونية الدينية" إلى التيارات الدينية الإسرائيلية التي تدمج بين التطرف القومي والديني، مستندةً إلى التوراة التي تعطي اليهود الحق في احتلال جميع الأراضي الفلسطينية. ويعاني أنصار هذا التيار من شعور بالدونية مقارنة بالحريديم والعلمانيين، نتيجة لتمثيلهم المنخفض في المؤسسات العسكرية والحكومية بعد تأسيس إسرائيل. 

وقد دعا كبار حاخامات الصهيونية الدينية في نهاية الثمانينيات أتباعهم للانخراط في الخدمة العسكرية، مع التأكيد على أهمية بقاء المتفوقين منهم في الخدمة الدائمة. وأُنْشِئَت مدارس دينية عسكرية لتحقيق هذا الهدف، مثل المدرسة العسكرية الدينية الأولى التي أسسها إيلي سيدان في عام 1988.

وبحلول عام 1990، كانت نسبة الجنود من تيار الصهيونية الدينية الذين أكملوا دورات تأهيل الضباط 2.5%، وارتفعت إلى 15% في عام 2000، و22% في عام 2008. حاليًا، تصل نسبتهم في الجيش إلى حوالي 50%، رغم أن نسبتهم في المجتمع لا تتجاوز 10%، حيث يقدر عددهم بحوالي 700 ألف نسمة. ويتمتع ضباط تيار الصهيونية الدينية بنسبة 13% من قيادة الفرق القتالية في الخدمة النظامية.

تشير الدراسات الحديثة في إسرائيل إلى تراجع تمثيل الطبقة الوسطى العلمانية من الذكور، التي كانت تشكل النخبة في الجيش سابقًا، في حصيلة قتلى الجيش

وعن "التغيرات في الهوية الفكرية للجنود القتلى"، تشير الدراسات الحديثة في إسرائيل إلى تراجع تمثيل الطبقة الوسطى العلمانية من الذكور، التي كانت تشكل النخبة في الجيش الإسرائيلي سابقًا، في حصيلة قتلى الجيش. ففي حرب لبنان الأولى عام 1982، كانت هذه الفئة تشكل أكثر من 60% من القتلى، ولكن هذه النسبة انخفضت إلى أكثر من 50% في حرب لبنان الثانية عام 2006، وتراجعت إلى حوالي 40% في الحرب الحالية.

وقد تراجعت مكانة هذه الفئة التي كانت تتمتع بمكانة مرموقة في الجيش الإسرائيلي، مما أدى إلى انخفاض حضورها في المهام التي تشكل خطرًا على حياتهم في القوات البريّة. في المقابل، أصبح الجيش مركزًا مهمًا للصهيونية الدينية، خاصة بين المتدينين الحريديم القوميين، الذين ارتفعت أعداد القتلى منهم إلى حد بعيد في الحرب الحالية.

وفيما يتعلق بـ "تطبيع المجتمع مع الخسائر البشرية"، علّق أمنون أبراموفيتش، محلل الشؤون السياسية في القناة الـ12 الإسرائيلية، على الوضع الحالي، مشيرًا إلى وجود ما أسماها بـ"ظاهرة تطبيع المجتمع مع الخسائر البشرية".

وأضاف أن سقوط الجندي رقم 703 من جنود الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب، من بين 3,000 مصاب في حالة خطيرة، بات يعتبر أمرًا طبيعيًا مقارنة بما حدث في حرب لبنان عام 1982. في تلك الحرب، صرّح رئيس الحكومة الإسرائيلي مناحيم بيغن بعد مقتل 655 جنديًا بأن "لا يمكنني تحمل المزيد بعد اليوم، الأرقام الحالية تفوق التوقعات، وتُعامل كأنها شيء عادي".