06-يوليو-2024
الجيش الإسرائيلي في غزة

(Getty) تشكيك في إمكانية وجود احتلال إسرائيلي طويل الأمد في غزة

تناول تقرير إسرائيلي، الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، وفصل الفارق بين عام 1967، عندما احتلت دولة الاحتلال بقية فلسطين، والفارق مع 2024، وشكك في إمكانية "نجاح" احتلال إسرائيلي طويل الأمد في غزة.

وافتتح الكاتب الإسرائيلي تسيفي بارئيل، مقالته المنشورة في "هآرتس"، في مقابلة أجريت في مؤسسة بروكينجز في واشنطن هذا الأسبوع، مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي قال: "لقد فقدت إسرائيل فعليًا سيادتها في الربع الشمالي من أراضيها لأن الناس لا يشعرون بالأمان في العودة إلى ديارهم. وفي غياب أي تحرك لمعالجة انعدام الأمن، لن يكتسب الناس الثقة في العودة".

وقال بارئيل: "إن سكان الشمال وبقية مواطني إسرائيل لا يحتاجون إلى تشخيص بلينكن الحاد. فهم يختبرون ذلك شخصيًا. ولكن إذا كان معيار السيادة العملية هو قدرة المواطنين على العيش في منازلهم بأمان تام، معتمدين على ثقتهم بأن الدولة ستوفر لهم ذلك، فإن السيادة في الجزء الجنوبي من هذه البلاد بعيدة البعد كله عن الكمال أيضًا".

محلل إسرائيلي: في ظل هذه الظروف فإن معادلة الردع التي تقوم عليها الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية ضد حماس أو ضد حزب الله سوف تصبح بلا معنى. فالشعب المسحوق الذي ليس لديه ما يخسره لن يكون من الممكن ردعه

وأضاف تسيفي بارئيل: "على مدى الجزء الأعظم من تاريخها، اعتمدت إسرائيل على استراتيجية بناء المجتمعات على طول حدودها، فضلًا عن بناء المستوطنات في الأراضي التي احتلتها من خلال الصراع، وتوفير الردع لأعدائها بقواعد محصنة على طول الحدود، من أجل خلق هذه السيادة".

واستمر في القول: "مع حرب 1973، تم اختبار هذا التصور، حيث تم إخلاء مستوطنات جديدة في مرتفعات الجولان بناء على أوامر الجيش الإسرائيلي، كما حدث مع العديد من المستوطنات في الضفة الغربية بمبادرة من المستوطنين".

وتابع: "لقد أوضح الانسحاب من غزة في عام 2005 أن المستوطنات وحدها لا توفر حزام الأمن الذي كان من المفترض أن توفره، حيث أن الوجود المكثف للجنود الذين يحمون 8000 مستوطن في غزة لم يمنع الهجمات أو يخلق الردع".

وقيم الاستيطان، بالقول: "لقد تحطم هذا المفهوم، الذي يعتبر المستوطنات والمجتمعات الحدودية بمثابة ضمانة أمنية، بشكل كامل إلى درجة لا يمكن إصلاحها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر". وواصل بالقول: "مع احتلال قطاع غزة، ترغب إسرائيل في إحياء هذا المفهوم، ولكن في الاتجاه المعاكس. أولًا، لابد من تحييد ’العدو’، واستعادة الشعور بالأمن والثقة لدى الناس الذين تم اقتلاعهم من ديارهم. وعندئذ فقط يمكن إعادة إرساء السيادة المتآكلة. وعلى النقيض من الحروب السابقة، تتخلى الحكومة والجيش الإسرائيلي هذه المرة عن الحاجة إلى الردع كشرط للأمن، من خلال تدمير العنصر الذي يحتاج إلى الردع".

ووضح ما سبق، بقوله: "بعبارة أخرى، لا يوجد تهديد بدون حماس، وفي غياب التهديد يصبح الردع غير ضروري. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى خلق وضع جديد حيث لن يضطر جيش الدفاع الإسرائيلي إلا إلى ’الحفاظ’ على قطاع غزة من أجل منع تطور تهديد جديد. وقد أصبح لهذا ’الحفاظ’ تعبير عملي على الأرض بالفعل. إن هذا يعني السيطرة على 26% من أراضي قطاع غزة، كما كشف تقرير استقصائي نشرته صحيفة هآرتس العبرية. لقد قسمت إسرائيل قطاع غزة إلى قسمين، مع ممر نيتساريم الواسع من الشرق إلى الغرب والذي يضم قواعد عسكرية على طوله، كما أنشأت مناطق عازلة كبيرة بين غزة وإسرائيل على طوله بالكامل، وعلى طول الحدود بين غزة ومصر، مع ممر فيلادلفيا".

وواصل القول: "أدى ذلك إلى إلحاق أضرار جسيمة بالقدرات العسكرية والبنية التنظيمية لحماس، مما أدى إلى تقليص منطقة عملياتها وقطعها عن العالم الخارجي من خلال الحدود مع مصر ومعبر رفح. ولكن مثل هذه الاستراتيجية، التي تنقل الحرب إلى أرض العدو، تتطلب بقاء الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة لفترة غير محددة. وحتى لو لم يبق في غزة أي من عناصر حماس أو سلاحها، فإن أكثر من 2.25 مليون شخص سيبقون هناك، تحت السيطرة الإسرائيلية الفعلية. وفي غياب قيادة بديلة وبنية أساسية اقتصادية مستقلة، فإنهم سوف يعتمدون كليًا على إسرائيل، وهو اعتماد يهدد بتكاليف باهظة".

وانتقل إلى عام 1967، وقال: "عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة عام 1967، كانت هذه المناطق تتمتع بالفعل ببنية تحتية اقتصادية ووسائل إنتاج وعلاقات تجارية مع الأردن ومصر ومدارس وجامعات ومستشفيات وفرق طبية. والأهم من ذلك، كانت هناك قيادات محلية في المدن والقرى، حتى وإن لم تكن وطنية، كانت مستعدة للتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي من أجل إعادة تشغيل جميع الأنظمة الداعمة للحياة في تلك المناطق ودفعها إلى الأمام. كان على الإدارة العسكرية الإسرائيلية، التي كانت تفتقر إلى الخبرة وخطط العمل المنظمة، وربما باستثناء النظام القضائي الذي أعده قبل سنوات المدعي العام العسكري آنذاك مائير شامغار، أن ’تتعلم’ كيف تكون محتلة أثناء الاحتلال المستمر، بتمويل شبه كامل من حكومة إسرائيل".

وتابع ارتباطًا في النقطة السابقة، قائلًا: "لكن الخبرة الطويلة التي اكتسبتها القوات الإسرائيلية في احتلالها الطويل للمناطق المأهولة بالسكان لن تكون ذات فائدة الآن. فغزة في عام 2024 ليست غزة التي كانت عليها في عام 1967. فإلى جانب تدمير البنية الأساسية العسكرية لحماس، دمر الجيش الإسرائيلي أغلب البنية الأساسية المدنية".

واستمر في القول: "إذا ظلت إسرائيل قوة احتلال في القطاع، فلا يمكنها أن تتوقع من الدول المانحة، العربية أو الغربية، أن تتبرع بالأموال لغزة إذا طالبت إسرائيل بتوجيهها عبر أنظمتها الخاصة. وفي أقصى تقدير، ستستمر هذه الدول في تقديم المساعدات الإنسانية. أما الباقي فسوف يتعين على إسرائيل أن توفره من ميزانياتها الخاصة".

وأضاف: "في عام 1967، أقر وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك موشيه ديان سياسة ’الجسور المفتوحة’، التي بدأت بالسماح بتصدير المنتجات الزراعية من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الأردن، ثم تطورت إلى استراتيجية اقتصادية تدعم عدم العدوان. وفي غزة اليوم، لا يوجد ’جسر مفتوح’ يسمح للمدنيين، بما في ذلك العديد من المحتاجين إلى الرعاية الطبية، بمغادرة القطاع، ولا يوجد جسر مفتوح لنقل البضائع".

وواصل بارئيل في مقالته على "هآرتس": "لقد أدت سيطرة إسرائيل على معبر رفح ورفضها السماح لممثلي السلطة الفلسطينية بتشغيله إلى إغلاقه بالكامل على الجانب المصري. وما دام هذا الوضع قائمًا، فإن غزة سوف تظل جيبًا مغلقًا لا أمل له في إعادة الإعمار أو تجديد أي نشاط اقتصادي قد يحرر إسرائيل في المستقبل من عبء دفع تكاليف صيانة الأراضي. وليس أمام إسرائيل بديل عن حماس والسلطة الفلسطينية لحكم القطاع بعد انتهاء الحرب، ولقد فشلت في إشراك القيادة المحلية في التعاون معها".

وعقب على ما سبق، بقوله: "في غياب قيادة تتوسط بين السكان والحكومة العسكرية، وفي غياب كيانات محلية مستعدة لتحمل مسؤوليات الشرطة والأمن المدني، فسوف يضطر أفراد الجيش الإسرائيلي إلى أن يكونوا قوة الشرطة في غزة وأن يديروا الخدمات المدنية بشكل مباشر".

واستمر في شرح مأزق إسرائيل، بقوله: "من الصعب التوفيق بين هذا السيناريو واتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب الذي تمليه مبادئ اتفاق إطلاق سراح المحتجزين، والذي بموجبه من المفترض أن تسحب إسرائيل كل قواتها من غزة في نهاية العملية، إذا اكتملت. ولكن حتى لو استمرت إسرائيل في حكم غزة وإدارة شؤونها المدنية، الأمر الذي سيجعلها مرة أخرى صاحبة السيادة هناك بكل ما يترتب على ذلك من عواقب دولية وسياسية وقانونية، فإن هذا لن يضمن سلامة سكان التجمعات الحدودية في غزة".

وحول أزمة إسرائيل، قال: "إن كمية الأسلحة والذخائر التي لا تزال موجودة في غزة، والقدرة على صنع المتفجرات البدائية، ودوافع الناس، حتى لو لم يكونوا ضمن مجموعات منظمة مثل حماس أو الجهاد الإسلامي، للعمل ضد قوات الاحتلال، سوف تضمن وجود مواجهة دامية بين الجيش الإسرائيلي والسكان، وهو ما سوف يغذي المواجهة العنيفة في الضفة الغربية".

وأوضح: "بدلًا من حماس، ستُنْشَأ منظمات جديدة، والتي حتى لو كانت تفتقر إلى القدرات العسكرية لحماس، ستكون قادرة على العمل ضد الجيش الإسرائيلي بوسائل أقل تطورًا والحفاظ على جبهة عنيفة دائمة من شأنها أن تبقي الجيش الإسرائيلي منشغلًا وتخلق مركز مواجهة تهديدي بعيدًا عن ضمان الشعور بالأمن الذي يحتاجه سكان مستوطنات غلاف غزة".

وختم بالقول: "في ظل هذه الظروف فإن معادلة الردع التي تقوم عليها الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية ضد حماس أو ضد حزب الله سوف تصبح بلا معنى. فالشعب المسحوق الذي ليس لديه ما يخسره لن يكون من الممكن ردعه".

هآرتس: إسرائيل لن تستطيع إعادة احتلال قطاع غزة

بدورها، تناولت افتتاحية صحيفة "هآرتس" الحديث الإسرائيلي عن الاستيطان، وقالت: "على مدى تسعة أشهر تقريبا منذ بدء الحرب، سيطرت إسرائيل على 26% من قطاع غزة، كما كشف تحقيق أجرته صحيفة هآرتس. وفي المناطق التي تم الاستيلاء عليها، على طول حدود غزة مع إسرائيل ومصر وفي ممر نتساريم الذي يمتد من الشرق إلى الغرب ويقسم القطاع إلى الجنوب من مدينة غزة، يُمنع الفلسطينيون من الدخول، كما يتم تدمير المباني السكنية، واقتلاع النباتات، وشق طريق جديد على طوله تم بناء أربع قواعد عسكرية. وينقل التقرير عن ضابط كبير قوله: إن هذا جهد نحو احتلال طويل الأمد".

وأضافت: "لن يكتفي اليمين الديني وأنصاره في الجيش بالاستيلاء على الأراضي لمجرد اعتبارات عسكرية وتحقيق الأهداف المعلنة للحرب: القضاء على حماس، وإعادة الرهائن، وإعادة بناء المستوطنات في منطقة الحدود. ولقد ظل الضباط والجنود المتدينون، بتشجيع من الساسة والحاخامات والناشطين اليمينيين، يدعون منذ شهور إلى تجديد الاستيطان اليهودي في القطاع".

واستمرت في القول: "انتشرت مقاطع فيديو من غزة على مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات الأخبار اليمينية تظهر افتتاح كنيس يهودي، وتركيب مزوزة، وكتابات على الجدران تحث على إعادة التوطين، وطباعة الأدبيات المستندة إلى التوراة في المناطق التي يعمل فيها الجيش".

وأشارت إلى أن "السياسة الرسمية الإسرائيلية تتلخص في تجنب التصريحات التي تشير إلى احتلال إسرائيلي دائم لقطاع غزة، وهو ما قد يؤدي إلى إثارة المعارضة في الخارج. وفي رده على تصرفات الجنود الذين يشجعون إعادة استيطان اليهود في غزة، وصف بيان صادر عن الجيش الإسرائيلي في التقرير هذه التصرفات بأنها ’حوادث خطيرة لا تتفق مع قيم جيش الدفاع الإسرائيلي وتوجيهاته ولا تساهم في تحقيق أهداف الحرب’".

الجيش الإسرائيلي في غزة

وأجاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في رده على سؤال لقناة 14 الإسرائيلية حول تجديد الاستيطان في غزة، "هذا ليس واقعيًا". 

وقالت "هآرتس": "لكن من الصعب أن نقتنع بهذا النفي عندما يتم خلق الحقائق على الأرض التي تديم وجود الجيش الإسرائيلي ويتم تطوير البنية التحتية للاستيطان المدني في المستقبل - تمامًا كما حدث في الضفة الغربية بعد عام 1967".

وواصلت الافتتاحية، قولها: "كان الانسحاب الإسرائيلي من غزة في عام 2005 يهدف إلى أن يكون دائمًا. ولا ينبغي لإسرائيل أن تنجر إلى إعادة الاحتلال وإعادة التوطين، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تكثيف الصراع، ويسبب المعاناة للسكان الفلسطينيين، ويقلل من احتمالات التوصل إلى اتفاق. وبدلًا من الغرق في مستنقع غزة مرة أخرى، يتعين على إسرائيل أن تنهي الحرب، وأن تتوصل إلى اتفاق بشأن عودة الرهائن، وأن تستعد للانسحاب إلى حدود فك الارتباط، وأن تعيد بناء المجتمعات المحيطة".

وختمت بالقول: "لكن حكومة نتنياهو-سموتريش-بن غفير، التي قادت إسرائيل إلى السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تواصل السباق نحو كارثة أخرى في القطاع. وكل يوم إضافي تبقى فيه في السلطة يعرض مستقبل إسرائيل للخطر".