03-يوليو-2024
كيف تحاول إسرائيل السيطرة على الحكم في غزة

(ultrapal) مصدر فصائلي أكد لـ"الترا فلسطين" متابعة التحرك الإسرائيلي للسيطرة على مفاصل الحكم في غزة

كشفت مصادر متطابقة خلال حديث مع "الترا فلسطين" عن رؤية الفصائل الفلسطينية في غزة ومؤسّسات الحكومة في قطاع غزّة، للجهود الّتي يسعى الاحتلال الإسرائيليّ لفرضها على القطاع خلال المرحلة القادمة كنموذج حكم وإدارة بديل عن السلطة الّتي تديرها حركة حماس في القطاع. 

ويسعى الاحتلال إلى استخدام ثلاثة طرائق، بهدف تقويض حكم حركة حماس، وإحلال نماذج بديلة قد تؤسّس لحالة "فلتان أمني"، وفق المصدر الّذي أوضح أنّ وسائل الاحتلال تتمّ من خلال التعاون مع المؤسّسات الدوليّة والإغاثيّة في القضايا الصحّيّة بدرجة أولى والمتعلّقة بإعادة تأهيل المستشفيات المدمّرة والخارجة عن الخدمة، وثانيًا فتح الطريق للتعامل المباشر بين الاحتلال والتجّار وشركات النقل والتوزيع في قضايا المساعدات الإنسانيّة والبضائع التجاريّة، وثالثًا إحلال معبر كرم أبو سالم بديلًا عن معبر رفح؛ وبالتالي تجاوز مؤسّسات السلطة في غزّة.

مصدر تحدث لـ"الترا فلسطين" عن متابعة الفصائل الفلسطينية في غزة، للتحرك الإسرائيلي بهدف تجاوز مؤسسات الحكومة في غزة

وكان رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، صرّح في مقابلة مع القناة الـ14 الإسرائيليّة، أنّه يريد "إنشاء إدارة مدنيّة بالتعاون مع فلسطينيّين محلّيّين"، تبدأ من شمال غزّة، وأشار إلى أنّه لن يذكر تفاصيل الخطّة القادمة، بعد أن فشلت الخطّة السابقة الّتي نصّت على تمكين العائلات والعشائر وتأسيس تعاون مشترك بينهم وبين الجيش الإسرائيليّ، وذلك بعد إفشال المشروع من قبل الفصائل الفلسطينيّة في غزّة، بعد محاولة تطبيقه في آذار/مارس الماضي.

أمّا الخطّة الجديدة الّتي يلوّح بها نتنياهو دون ذكر تفاصيلها، تبدو معالمها واضحة بعض الشيء لدى الفصائل الفلسطينية في غزّة، كما يقول مصدر قياديّ في الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، خلال حديث مع "الترا فلسطين". 

شواهد على الأرض ومتابعة الفصائل

وأكّد قياديّ في الجبهة الشعبيّة، فضّل عدم ذكر اسمه لـ"الترا فلسطين"، أنّ الفصائل الفلسطينيّة، تمتلك أدلّة على السيناريوهات الواردة أعلاه، وهناك شواهد على الأرض تؤكّدها ولا تغفلها الفصائل، أوّلها ما جرى في مجمّع ناصر الطبّيّ في خانيونس، الّذي خرج عن الخدمة في 18 من شباط/فبراير الماضي، بعد تدمير أجزاء منه على يد جيش الاحتلال، وأعيد العمل على تأهيله في منتصف نيسان/أبريل الماضي، بعد اتّفاق بين المؤسّسات الدوليّة وتحديدًا منظّمة الصحّة العالميّة مع الاحتلال الإسرائيليّ. 

وينصّ الاتّفاق على أن يكون الدعم اللوجستيّ والفنّيّ لمجمّع ناصر الطبّيّ، مقدّمًا من قبل المنظّمات الدوليّة، على أن تسلّم إدارة المستشفى أسماء الطواقم العاملة فيه للمنظّمات الدوليّة، والّتي "بلا شكّ قدّمتها للاحتلال الإسرائيليّ"، بالإضافة إلى اشتراط عدم إقامة خيام للنازحين والصحفيّين داخل المستشفى، وفي محيط ساحاته، مع بقاء ممثّلين عن المنظّمات داخل المستشفى لمراقبة سياق العمل، وفق ما أكّدته مصادر إداريّة في وزارة الصحّة بغزّة لـ "الترا فلسطين"، بما يتّصل مع المصدر القياديّ من الجبهة الشعبيّة الّذي تحدّث لـ"الترا فلسطين".

وأشار المصدر القياديّ إلى أنّ "المقاومة تغضّ الطرف عن هذه الاتّفاقيّات في المرحلة الحاليّة، مع بقائها قيد المتابعة خشية حدوث تجاوزات أو استغلال كما جرى في قضيّة الممرّ البحريّ وعمليّة النصيرات"، وذلك في سياق تعزيز "ما يخدم الناس باعتباره أولويّة على تثبيت السلطة الحكوميّة داخل المجمّع".

ويتخوّف مصدر آخر من وزارة الصحّة في غزّة خلال حديث لـ"الترا فلسطين"، من تنفيذ الاحتلال مخطّطاته تجاه وزارة الصحّة، عبر إقامة مستشفيات ميدانيّة برعاية عربيّة، لن يكون هدفها تخفيف معاناة الناس الّتي من المفترض أن تقوم بها المستشفيات الكبيرة، بقدر كونها وسيلة لتجاوز الوزارة، الّتي تحتاج مستشفياتها لدعم فنّيّ وتزويد بالوقود وترميم المرافق والمراكز، وما دون ذلك يعرض خدمات القطاع الطبّيّ للضعف.

وكشف المصدر أنّ المنظّمات الدوليّة تعمل على استقطاب أطبّاء وزارة الصحّة من مختلف التخصّصات والتوقيع معهم على عقود برواتب ماليّة عالية للعمل في المستشفيات الميدانيّة، وبالتالي تفريغ وزارة الصحّة من طواقمها، ولاحقًا من مضمونها، بعد تعرّض خدماتها للضعف تدريجيًّا.

من جانبه، أكّد مدير مكتب الإعلام الحكوميّ في غزّة، إسماعيل الثوابتة لـ"الترا فلسطين" أنّ موافقتهم على إقامة المستشفيات الميدانيّة الّتي تديرها جهات دوليّة وعربيّة، جاءت بهدف التخفيف عن سكّان القطاع الّذين يواجهون ضعفًا في الخدمات الطبّيّة، نظرًا لاستهداف الاحتلال كلّ مقدّرات القطاع الطبّيّة، وأنّ خلاف ذلك يعني الحكم على مئات المرضى بالموت.

وشدّد الثوابتة على أنّ وجود المستشفيات الميدانيّة "مؤقّت"، وأنّه لا بديل عن المستشفيات الأساسيّة الّتي تديرها وزارة الصحّة، حيث إنّها تسعى لإعادة ترميم ما دمّر منها ولو جزئيًّا، وذلك بالتنسيق مع الجهات الحكوميّة الفاعلة. مؤكّدًا أنّ وجود المنظّمات الدوليّة أو المستشفيات الميدانيّة يأتي في إطار المساعدة، ولن نقبل وجود بديل عن طواقم وزارة الصحّة.

وتابع الثوابتة الـ"الترا فلسطين": "الاحتلال دمّر 43 مستشفى في القطاع، وأكثر من 190 مركزًا حكوميًّا، وذلك بهدف إدخال غزّة في نفق مظلم ينفذ خلاله الاحتلال أهدافه في تدمير الوجود الفلسطينيّ إداريًّا وشعبيًّا، غير أنّ ذلك لم يمنع 25 ألف موظّف في القطاع الحكوميّ من الاستمرار في عملهم بالمجال الطبّيّ بدرجة أولى، والاقتصاديّ، والإعلاميّ، والأمنيّ".

معبر رفح والتجّار

أمّا في الجانب الآخر، بحسب المصدر القياديّ، فإنّ الاحتلال يسعى إلى فتح خطوط مباشرة للعمل مع التجّار في قضايا شاحنات المساعدات والبضائع، وذلك في مرحلة أولى تمهيديّة عبر شركات خاصّة لها ارتباطات أميركيّة وإسرائيليّة، من ثمّ ربطها المباشر مع الجيش الإسرائيليّ، وحال نجاح التجربة، فإنّ ذلك يعتبر مدخلًا لإقبال شركات خاصّة أخرى عاملة في الاستيراد والنقل والتوزيع، الّتي بدورها قد تعمل لاحقًا على تأمين شركات أمن خاصّة "بلطجيّة" أو جماعات عائليّة مسلّحة بحجّة تأمين الشاحنات.

وكان موقع "الترا فلسطين" قد كشف في تحقيق سابق، بعنوان "الجريمة في النصيرات والمقاومة تحقّق في دور الميناء الأميركيّ"، عن عمل شركة "MOVE ON" للنقل والخدمات اللوجستيّة، إذ كانت هذه الشركة بمثابة حلقة وصل ما بين أصحاب شركات النقل والميناء الأميركيّ.

يترافق ما سبق، مع إغلاق الاحتلال لمعبر رفح بعد سيطرته عليه وتدميره في السابع من أيّار/مايو الماضي، وبدء العمل المباشر على إقامة طريق برّيّ يسمّى "ممرّ ديفيد" مرتبط مع معبر كرم أبو سالم، الخاضع للسيطرة الإسرائيليّة الكاملة، والّذي تدخل منه بعض شاحنات المساعدات الّتي تصل غالبًا للمؤسّسات الدوليّة، دون وجود رقابة من مؤسّسات الحكومة في غزّة أو تنسيق مع مصر، وبالتالي تشجيع تجّار آخرين للتعامل عبر معبر كرم أبو سالم الّذي يخفّف عنهم أعباء الرقابة من الأجهزة الأمنيّة والشرطيّة والاقتصاديّة الفلسطينيّة.

ولم يتوقّف العمل عبر معبر كرم أبو سالم في قضايا المساعدات، بل تمّ إجلاء 68 طفلًا مصابًا في مرض السرطان، من بينهم 21 طفلًا من مستشفيات شمال القطاع إلى جنوبه ثمّ إلى مستشفيات الخارج، وذلك عبر تنسيق إسرائيليّ مع منظّمة الصحّة العالميّة، خلافًا للتنسيق المعتاد بين الصحّة في غزّة وهيئة المعابر والحدود مع الجانب المصريّ، واللجنة الدوليّة للصليب الأحمر. ونفى الناطق باسم الصليب الأحمر في غزّة هشام مهنّا، لـ"الترا فلسطين" وجود أيّ دور لهم في عمليّة الإجلاء.

بدوره، أكّد الثوابتة أنّ إجلاء المرضى تمّ بالتنسيق بين مستشفيات غزّة ومنظّمة الصحّة العالميّة، بعد أن حصلت المنظّمة على كشوفات المرضى من قبل وزارة الصحّة، مع علمهم التامّ أنّ هدف الاحتلال "دعائيّ" في إجلاء العدد القليل من المرضى، حيث إنّ بعضهم توفّي بعد عمليّة الإجلاء، ولأنّ الأولويّة إجلاء 25 ألف مريض من بينهم 10 آلاف مصاب بالسرطان، ومن جانب آخر يحاول الاحتلال التضليل بأنّه قادر على تجاوز الطواقم الحكوميّة وفرض أمر واقع جديد.

وشدّد  الثوابتة على أنّ الاحتلال لن ينجح في القضاء على حكومة غزّة، قائلًا: "سنقدّم أرواحنا مقابل تقديم الخدمة للمواطنين، ولن نتزحزح، ولن يكون هناك بديل عن طواقم الصحّة الّتي تواجه بطش وقصف واستهداف الاحتلال".

وبحسب القناة الـ12 الإسرائيليّة، فإنّ جيش الاحتلال، يعمل على إنشاء منطقة عازلة على محور فيلادلفيا، مع إقامة عائق فوق وتحت الأرض في المنطقة بالتنسيق مع مصر. وأضافت القناة أنّه: "من المقرّر بناء معبر رفح الجديد. وسينقل إلى نقطة التقاء ’الحدود الثلاثيّة’، الأقرب إلى كرم أبو سالم، وسيكون هناك مكان مشترك لإسرائيل ومصر والفلسطينيّين والأميركيّين على المعبر، بهدف إيجاد طريقة للتحكّم في الدخول والخروج من غزّة".

استهداف متعمّد

وتتزامن هذه الخطط الإسرائيليّة مع تكثيف عمليّات استهداف جيش الاحتلال مفاصل العمل الحكوميّ الناشطة في غزّة، مثل الهيئات المحلّيّة، والدفاع المدنيّ، لا سيّما بعد تدمير أكبر قدر ممكن من القطاع الصحّيّ، واستهداف لجان الحماية الشعبيّة المسؤولة عن توزيع المساعدات، وذلك توافقًا مع ما طرحه نتنياهو مؤخّرًا بأنّه يسعى لتدمير قدرات حماس الحكوميّة والعسكريّة.

وأكّد المصدر القياديّ لـ"الترا فلسطين"، أنّه لا يمكن إيجاد بديل أمنيّ يدير قطاع غزّة، حتّى لو استهدف الاحتلال مفاصل الأمن ومراكزه، لأنّ بنية التنظيمات الفلسطينية في غزة قادرة على التعامل مع هذه الحالة، لكنّها تتعامل الآن على قاعدة تسهيل ما يخفّف عن الناس معاناتهم.

وأشار المصدر إلى أنّ لدى الفصائل الفلسطينية أوراق ضغط لقلب الطاولة على الاحتلال في أيّ لحظة تشكّل خطرًا على قطاع غزّة وفق السيناريوهات المطروحة، من خلال استهداف معبر كرم أبو سالم، كما يستهدف ممرّ نتساريم، بالإضافة إلى التعامل مع أصحاب الشركات والعاملين فيها كما تمّ التعامل سابقًا مع بعض المجموعات العائليّة الّتي تعاطت مع المقترحات الإسرائيليّة "بالاعتقال والاستهداف"، بالإضافة إلى استمرار وجود الطواقم الطبّيّة ذاتها العاملة في المستشفيات.

اتّصالات لعودة التجّار إلى الشمال؟

وفي سياق منفصل، تلقّى بعض المواطنين في جنوب قطاع غزّة، في الأيّام القليلة الماضية اتّصالات عبر تسجيلات صوتيّة من الجيش الإسرائيليّ تطالبهم بالعودة إلى منازلهم في محافظتي غزّة والشمال في ساعات المساء، وذلك عبر الحاجز العسكريّ الّذي يقيمه جيش الاحتلال على شارع الرشيد/ البحر، الّذي يفصل جنوب القطاع عن شماله.

وعند التواصل مع مجموعة من المواطنين الّذين تلقّوا الاتّصالات، تبيّن أنّ أغلبهم من تجّار قطاع غزّة المعروفين. وكشف أحد التجّار لـ "الترا فلسطين"، مفضّلًا عدم ذكر اسمه، أنّ الجيش الإسرائيليّ تواصل معه بشكل شخصيّ وسأله عن مكان تواجده في جنوب القطاع، ومن معه من أفراد أسرته.

وأضاف التاجر: "كان الأمر أشبه باستبيان، إذ تمّ توجيه بعض الأسئلة لي، وقد أجبتهم بكلّ وضوح وانتهت المكالمة. ولم يطلب منّي أحد العودة إلى مدينة غزّة كما يشاع".

بدوره، حذّر المكتب الإعلاميّ الحكوميّ في غزّة، أهالي القطاع من اتّصالات وصفها بـ"المريبة وغير الموثوقة"، يتمّ خلالها حثّهم على العودة إلى منازلهم في محافظتي غزّة والشمال، داعيًا إلى أخذ أقصى درجات الحيطة.

فقّاعات إنسانيّة وقوّة دوليّة

وفي قضيّة ليست بعيدة عن ما يعرف بـ"ترتيبات اليوم التالي للحرب على غزّة"، فقد بدأت شركة كهرباء غزّة ترميم البنى التحتيّة لتدفّق التيّار الكهربائيّ، بعد "الموافقة على الخطّة من قبل المستوى السياسيّ في إسرائيل"، وفق ما ورد في هيئة البثّ الإسرائيليّة.

وذكرت مصادر إسرائيليّة، أنّ جيش الاحتلال يعمل "على ربط منشأة مياه في غزّة بشبكة الكهرباء من داخل الخطّ الأخضر". وعلى مدار الأسابيع الماضية، ومع الحديث الإسرائيليّ عن الانتقال إلى "المرحلة الثالثة من الحرب"، برز في الإعلام الغربيّ، قبل وبعد مقابلة نتنياهو مع القناة الـ14 الإسرائيليّة، الحديث عن خطّة "إنشاء جزر أو فقّاعات إنسانيّة"، وهي ترتبط مع تقليص قوّات جيش الاحتلال في غزّة، والتحوّل إلى نمط "عمليّات المداهمة ومكافحة التمرّد"، مثلما يحصل في العدوان الجديد على منطقة الشجاعيّة.

وجاء النشر الأوّل عن خطّة "الفقّاعات الإنسانيّة" في غزّة، في قناة كان الإسرائيليّة، يوم الجمعة 7 حزيران/يونيو، وقالت: "إسرائيل بدأت تنفيذ المشروع الهادف لتغيير حكومة حركة حماس في شمال قطاع غزّة تحديدًا، من خلال قيادات محلّيّة يؤمّن لها الجيش الإسرائيليّ الحماية". مشيرة إلى أنّ الخطّة يطلق عليها اسم "الفقّاعات الإنسانيّة".

والغرض من الخطّة، وفق القناة الإسرائيليّة، السماح لأهالي شمال قطاع غزّة بإدارة أنفسهم تحت حراسة الجيش الإسرائيليّ، والمرحلة التالية من الخطّة الإسرائيليّة، ستكون السماح بوصول شاحنات المساعدات الإنسانيّة بالتنسيق مع الهيئات الدوليّة، الّتي ستنقل المساعدات إلى هيئة محلّيّة تكون مسؤولة عن التوزيع، على أن يواصل جيش الاحتلال منع حماس من العودة إلى تلك المناطق، وفرض سيطرتها هناك.

وبدا الكاتب الأميركيّ ديفيد إغناتيوس، المقرّب من دوائر وكالة المخابرات المركزيّة الأميركيّة "CIA"، مهتمًّا بشكل خاص بما يعرف بـ"اليوم التالي للحرب على غزّة"، وخلال شهر حزيران/يونيو، نشر مقالًا بعنوان "المفارقة المقبلة بالنسبة لغزّة: مرحلة ما بعد الحرب، إذ تستمرّ الحرب"، وبعد زيارة وزير الأمن الإسرائيليّ يوآف غالانت إلى الولايات المتّحدة، نشر مقالة أخرى في "الواشنطن بوست"، تحت عنوان "خصوم نتنياهو يتّجهون نحو غزّة "اليوم التالي" بدونه".

وفي مقالته الأولى، ظهرت التفاصيل الأولى عن خطّة "الفقّاعات الإنسانيّة"، وأكّد ديفيد إغناتيوس على وجود "خطّة إسرائيليّة جديدة لليوم التالي في غزّة، أقرّها مجلس الوزراء الحربيّ (بما في ذلك نتنياهو) قبل استقالة بيني غانتس. واقترح الخطّة وزير الأمن يوآف غالانت. ويطلق عليها الاسم المختصر ’الفقّاعات الإنسانيّة’".

وشرح التصوّر الإسرائيليّ، بالقول: "الفكرة هي أن تبدأ إسرائيل عمليّة انتقاليّة أحاديّة الجانب في منطقة في شمال غزّة تكون خالية إلى حدّ كبير من مقاتلي حماس. وبعد إقامة محيط محكم هناك، سينسحب الإسرائيليّون ويتركون الحكم والأمن المحلّيّ لمجلس فضفاض يتألّف من عائلات محلّيّة بارزة وتجّار ونقابات عمّاليّة وأعيان آخرين"، وفق ما ورد.

وأضاف: "لتوفير القوّة اللازمة لإبعاد حماس والحفاظ على النظام، ستعتمد هذه المجموعة الحاكمة على فلسطينيّين محلّيّين تمّ فحصهم ودعمهم بقوّة دوليّة، بما في ذلك بعض القوّات العربيّة ذات الخبرة من دول مثل مصر. ومن باب حسن التدبير، قد تقوم ’الفقّاعة’ أيضًا بتوظيف مقاولين أمنيّين غربيّين"، وفق قوله.

وتابع ديفيد إغناتيوس: "يرى المسؤولون الإسرائيليّون أنّ الفقّاعة ستكون نموذجًا تجريبيًّا قد يجذب الدعم تدريجيًّا من الفلسطينيّين الآخرين الّذين هم في أمسّ الحاجة إلى العمل والأمن. والهدف هو إضعاف حماس مع خلق مساحة سياسيّة بديلة حيث يمكن تسليم المساعدات الإنسانيّة على نحو آمن، ويمكن البدء في إعادة الإعمار. في هذه الأثناء، خارج الفقّاعة، ستستمرّ معركة القضاء على حماس"، وفق قوله.

المختلف في مقالته الثانية، كان الإشارة إلى قبول الولايات المتّحدة لهذه الخطّة وتقديم تفاصيل إضافيّة عنها، إذ قال: "سيشرف على عمليّة الانتقال في غزّة الّتي ناقشها غالانت في واشنطن لجنة توجيهيّة برئاسة الولايات المتّحدة وشركاء عرب معتدلين. وتتولّى قوّة دوليّة، من المحتمل أن تضمّ قوّات من مصر والأردنّ والإمارات العربيّة المتّحدة والمغرب، الإشراف على الأمن، في حين توفّر القوّات الأميركيّة القيادة والسيطرة والخدمات اللوجستيّة من خارج غزّة. وتدريجيًّا ستتولّى قوّة فلسطينيّة مسؤوليّة الأمن المحلّيّ".

وتابع: "يتّفق غالانت والمسؤولون الأميركيّون على أنّ هذه القوّة الأمنيّة الفلسطينيّة لا بدّ وأن تتلقّى التدريب في إطار برنامج مساعدات أمنيّة قائم للسلطة الفلسطينيّة، برئاسة الفريق مايكل فينزل، الّذي يتّخذ من القدس مقرًّا له كمنسّق أمنيّ لإسرائيل والسلطة. ويعكس غالانت هنا حكم المؤسّسة الأمنيّة الإسرائيليّة، على الرغم من رفض نتنياهو علنًا أيّ دور للسلطة الفلسطينيّة في غزّة بعد الحرب".

وقال ديفيد إغناتيوس: "أخبرني المسؤولون الأميركيّون أنّهم يؤيّدون فحوى خطّة غالانت، لكنّ الحكومات العربيّة المعتدلة لن تدعمها ما لم تشارك السلطة الفلسطينيّة على نحو مباشر".

ويوضّح المقال: "إنّ خطّة الانتقال في غزّة [اليوم التالي] سوف تنفذ على مراحل، بدءًا من شمال غزّة وانتشارها جنوبًا مع تحسّن الظروف. ويتصوّر غالانت توسيع ’فقّاعات’ الأمن الّتي من شأنها أن تشمل في نهاية المطاف 24 منطقة إداريّة في غزّة. ويدعم مسؤولو إدارة بايدن هذه الفكرة، لكنّهم يشكّكون في إمكانيّة توسيع ’بقع الحبر’ الأمنيّة هذه بسرعة".

وفي مقال سابق، قال الكاتب الإسرائيليّ ناحوم برنيع: "خطّة اليوم التالي هي تصوّر تجريبيّ وافق نتنياهو على تنفيذه في العطاطرة، وهي قرية صغيرة في الطرف الشماليّ من القطاع". وأضاف: "ليست هذه هي الخطّة الّتي ستزيل حكم حماس في اليوم التالي، وتعطي مستقبلًا لغزّة"، وفق تعبيره.

وفي السياق نفسه، قال الجنرال الإسرائيليّ السابق يسرائيل زيف، إنّه ساعد على تقديم أفكار لخطّة "الفقّاعات الإنسانيّة الخالية من حماس"، كما يطلق عليها.

وبحسب أشخاص مطلعين في إسرائيل تحدّثوا لـ"وول ستريت جورنال"، فإنّ الهدف من "هذه الخطّة هو العمل مع الفلسطينيّين المحلّيّين غير المنتمين إلى حماس لإنشاء مناطق معزولة في شمال غزّة". ويقترح زيف، الّذي أشرف على خروج إسرائيل من غزّة في عام 2005، أن يتمكّن "الفلسطينيّون المستعدّون للتنديد بحماس من التسجيل للعيش في جزر جغرافيّة مسيّجة تقع بجوار أحيائهم السكنيّة، وتحرسها القوّات العسكريّة الإسرائيليّة. وهذا من شأنه أن يمنحهم الحقّ في إعادة بناء منازلهم".

وفي الأمد البعيد، فإنّ يسرائيل زيف "يتصوّر إعادة السلطة الفلسطينيّة إلى غزّة كحلّ سياسيّ، حيث تستغرق العمليّة برمّتها ما يقرب من خمس سنوات، بينما يقاتل الجيش الإسرائيليّ مسلّحي حماس".

ووفّق "وول ستريت جورنال": "أعربت الحكومات العربيّة عن استعدادها للّعب دور أكبر، حيث قدّم بعضها التمويل والجنود لإدارة الأمن. لكنّهم جعلوا هذا الدعم مشروطًا بمسار سياسيّ أوسع يتضمّن عودة السلطة الفلسطينيّة إلى غزّة والتزام إسرائيل بحلّ الدولتين"، وهي ما يرفضه نتنياهو.

وبحسب صحيفة "فايننشال تايمز" فإنّ المخطّط التجريبيّ لـ"الجيوب الإنسانيّة"، لم يطبّق بعد، ولكنّه طرح للتطبيق في مناطق العطاطرة وبيت حانون وبيت لاهيا في شمال غزّة.

ووفق هذه الخطّة: "سيقوم الجيش الإسرائيليّ بنقل المساعدات من معبر إيريز إلى فلسطينيّين تُحقّق من هويّاتهم، والّذين سوف يوزّعون المساعدات وتوسيع مسؤوليّاتهم تدريجيًّا لتولّي الحكم المدنيّ في المنطقة. وسوف تضمن القوّات الإسرائيليّة، على الأقلّ في المرحلة الأوّليّة، الأمن".

وقالت مصادر الصحفيّة البريطانيّة: إنّ "المطروح مجرّد نسخة أخرى من المحاولات الإسرائيليّة السابقة، الّتي أفشلتها حماس بحكم الأمر الواقع".

وأضاف مسؤول إسرائيليّ كبير سابق ومطّلع على الخطط: "لقد جرّبنا هذا بالفعل في ثلاثة أجزاء مختلفة من وسط وشمال غزّة، بما في ذلك مع العشائر المحلّيّة. وقد تعرّضوا جميعًا للاستهداف أو القتل على يد حماس". وزعمت الصحيفة اندلاع اشتباكات الأسبوع الماضي بين عائلة في وسط غزّة وأفراد من حماس بعد أن أعدمت الحركة زعيم العائلة بسبب "قبول التعاون مع الطرح الإسرائيليّ".

وأشارت الصحيفة، إلى خطّة "الفقّاعات الإنسانيّة"، هي "جزء تكتيكيّ واحد من خطّة أوسع نطاقًا تتألّف من ثلاثة مستويات بعد الحرب. وبموجب الخطّة الكاملة، فإنّ تحالفًا دوليًّا واسع النطاق يضمّ الدول العربيّة المعتدلة من شأنه أن يوفّر الغطاء الدبلوماسيّ والماليّ الشامل لغزّة بعد الحرب. وسوف يتولّى مسؤولون من السلطة الفلسطينيّة وقادة محلّيّون آخرون داخل غزّة إدارة النظام الجديد".

وقال العديد من الأشخاص المطّلعين على المناقشات إنّ هناك "خططًا لتدريب قوّة فلسطينيّة محلّيّة من داخل غزّة لتولّي مسؤوليّة الأمن في الفقّاعات الإنسانيّة". وستتكوّن هذه القوّة من أفراد أمن سابقين في السلطة الفلسطينيّة، والّذين سيسافرون إمّا إلى الأردنّ أو الضفّة الغربيّة للتدريب تحت رعاية الجنرال الأميركيّ مايكل فينزل.

يتخوّف مصدر من وزارة الصحّة في غزّة في حديث لـ"الترا فلسطين"، من تنفيذ الاحتلال مخطّطاته تجاه وزارة الصحّة، عبر إقامة مستشفيات ميدانيّة، لن يكون هدفها تخفيف معاناة الناس، بقدر كونها وسيلة لتجاوز الوزارة

وأوضحت "فايننشال تايمز": "بدأ ماجد فرج، مدير جهاز المخابرات العامّة في السلطة الفلسطينيّة، في فحص المرشّحين من داخل غزّة، حيث تمّ تحديد عدّة آلاف من الرجال كمجنّدين محتملين". وتشير المصادر إلى أنّ حكومة نتنياهو "تفضّل الجزء الأوّل من الخطّة، أي الفقّاعات الإنسانيّة".

وعن فرص النجاح، وصف أحد الأشخاص المطّلعين على الخطّة المشروع بأنّه "مشروع خياليّ". وأضاف شخص ثان مطّلع على خطط غزّة بعد الحرب أنّ "المحاولات الإسرائيليّة لتحديد الفلسطينيّين المحلّيّين الّذين يمكنهم إدارة غزّة عوضًا عن حماس مستمرّة منذ تشرين الثاني/نوفمبر، دون أيّ نجاح يذكر".

بحسب موقع "واللا" الإسرائيلي: "قام الجيش الإسرائيلي بتسريع توسيع ممر نتساريم في قطاع غزة من كيلومترين إلى حوالي أربعة كيلومترات، بينما قام بهدم المباني على جانبي الممر".