07-نوفمبر-2023
gettyimages

جيش الاحتلال يحاول بناء نجاحه على معيار عدد الشهداء (Getty)

قبل عدة أيام زعم ضابط رفيع المستوى في جيش الاحتلال في حديث لوسائل الإعلام العبرية، أن جيش الاحتلال قتل حوالي 20 ألف مسلح من حركة حماس والجهاد الإسلامي، منذ بداية العدوان في قطاع غزة، والدوافع وراء هذا الإعلان، هي إسرائيلية وموجهة إلى الداخل الإسرائيلي.

واعتبر المعلق العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هرئيل، أن هذا الإعلان محاولة لرفع معنويات الإسرائيليين.

تسعى "إسرائيل"، إلى عرض إنجازها في الحرب، فوق أكبر كم من الجثث الفلسطينية

ويرى عاموس هارئيل، أن هذه ظاهرة إشكالية ميزت الجيش الأمريكي في حرب فيتنام. وهناك تفسيرات مختلفة لهذه الظاهرة، مشيرًا إلى أن إحصاء الجثث ظاهرة غير عادية في الثقافة السياسية العسكرية في إسرائيل. 

من جانبه، قدم الباحث المتخصص في شؤون جيش الاحتلال يغيل ليفي، إجابة تفسر لجوء جيش الاحتلال، إلى أن تتضمن بياناته عدد المقاتلين الفلسطينيين الذي يقتلهم.

وأضاف: "في الماضي، لم يفعل الجيش ذلك علنًا. ولكن التغيير بدأ بالحدوث في الانتفاضة الثانية، ويمكن تحديد هذه الظاهرة بوضوح في الفترة التي تلت قضية إيلور عزاريا، الجندي الذي أعدم الشهيد عبد الفتاح الشريف في الخليل، إذ واجه الجيش ادعاء اليمين بأن الحادث خلق ترددًا لدى مقاتليه في استخدام القوة، ولتبديد هذا الادعاء بدأ الجيش يتباهى بعدد الضحايا الفلسطينيين. وكان رئيس الأركان غادي آيزنكوت هو الذي عزز هذا التوجه".

ويضيف ليفي: "للتوضيح، قبل نحو عام من تقاعده قال آيزنكوت: في العامين الماضيين، قُتل 171 فلسطينيًا في الضفة الغربية وحدها. وهذا رقم مرتفع بشكل لا يقاس مقارنة بالسنوات السابقة. هناك عناصر تريد تقديم الجيش الإسرائيلي على أنه جيش نباتي وتقوده أجندة تدميرية... والعكس هو الصحيح". وقد أتقن أفيف كوخافي هذا النهج بالفعل في التزامه ببناء "جيش فتاك"، والذي "يقوم على بناء جيش قاتل، وبالتالي فإن أحد مقاييس نجاحه هو عدد القتلى".

ويتابع ليفي، وهو واحد من أكثر الخبراء شهرة في إسرائيل في شؤون جيش الاحتلال، قائلًا: "الدفاع ومواجهة الانتقادات اليمينية لا تمثل القصة بأكملها. وفي الظروف التي يصعب فيها صياغة معايير راسخة لتقييم نتائج القتال، كما كانت الحال في فيتنام، يصبح عدد الجثث مقياسًا للنجاح، وليس الأهداف التي حققتها عمليات القتل. هذا هو الحال في الضفة الغربية، التي يحافظ فيها الجيش بأحسن الأحوال على الوضع الراهن، ولكن الأمر نفسه ينطبق أيضًا على الحرب الحالية في غزة، والتي لا يمكن في هذه المرحلة الإشارة إلى إنجازاتها التي ستضمن مستقبلًا أمنيًا جديدًا. علاوة على ذلك، أصبحت لغة القتل جزءًا من ذخيرة قادة الجيش، مثل العميد رومان جوفمان، قائد مركز التدريب البري، الذي قال: ’الآن سنتقدم ونقتلهم جميعًا’، والعميد دادو بار خليفة، قائد الفرقة 36 الذي قال: ’سوف ندمر العدو وذكراه’".

ورأى الباحث في المقال الذي نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية: "يصبح استخدام العنف هدفًا في حد ذاته عندما لا يمكن تبريره من حيث تحقيق الأهداف. لذلك، من المحتمل أن يكون خطاب الجيش هو شكل من أشكال تمهيد الطريق لوضع محتمل، حيث يؤدي الضغط الأمريكي إلى وقف الأعمال العدائية قبل أن يكون من الممكن ضمان انهيار نظام حماس"، وفق تعبيره.

ونوه الباحث: "إلى أن إحصاء الجثث له دور آخر. وقد أوضح ذلك الجيش الأميركي، وإن لم يكن في فيتنام، بل في العراق. إن ذكر أعداد الضحايا الأمريكيين شجع الجيش على إظهار الثمن الذي انتزعه من العدو، والذي تجاوز بكثير التضحية الأمريكية. وبهذه الطريقة، تم بثها إلى مجتمع حساس إزاء الخسائر البشرية، إذ يتركز على مقولة: ’نحن نعاني، لكن العدو يعاني أكثر، لذلك يجب التحلي بالصبر’". ويضيف: "ليس من المستحيل أن يتطور هنا أيضًا خطاب مماثل؛ وحتى الآن، يثير العدد المنخفض نسبيًا للقتلى من الجنود الإسرائيليين في العملية البرية أصواتًا من الألم، وقد تترجم إلى معارضة لاستمرار الحرب".

ويختم الباحث المتخصص في شؤون جيش الاحتلال، بالقول: "هذا هو كابوس كل جيش. وبما أن مشهد الدمار في غزة لم يعد مقنعًا، والعدد الإجمالي للقتلى في غزة، وأغلبهم من المدنيين، ليس شيئًا يدعو للفخر، وفي ظل عدم وجود، أي إشارة إلى أن أهداف الحرب غامضة يتم تحقيقها أو يمكن تحقيقها، فحتى هذه الرسالة،  نحن نُقتل ولكننا نقتُل أكثر من ذلك بكثير، يمكن أن يكون لها تأثير مهدئ، على الأقل مؤقتًا. لكنّ من المتوقع من الجمهور الناقد، حتى أثناء الحرب، أن يزيد من حدة مراقبته لإدارته، وألا يترك الأرقام تضلله، وأن يطالب الحكومة بإجابة واضحة عما يُقتل ويقتُل"، وفق المقال.