13-سبتمبر-2024
يدعو قيادي مرموق في فتح، القيادة الفلسطينية لأن تُفكّر "خارج صندوق" أوسلو (getty)

يدعو قيادي مرموق في فتح، القيادة الفلسطينية لأن تُفكّر "خارج صندوق" أوسلو (getty)

قبل أكثر من ثلاثة عقود، ألقى القيادي في حركة فتح أحمد غنيم، كلمة حثّ فيها أعضاء المجلس المركزي على تأييد اتفاقيّة أوسلو. غير أنّه اليوم وفي الذكرى الـ31 لتوقيعها، بات يتحدّث عن "الاتفاقية الوهم"، ويقول إنّه لو أتيح له المجال لألقى كلمته تلك بشكل مختلف الآن، مُقرًّا بأنّ صياغتها كانت خاضعة للأمنيّات، أكثر منها لتحليل يستند لفهم عميق لدول الاحتلال، ويقول إنّ مهمّة القيادة الفلسطينية الآن "القفز خارج اتفاق أوسلو".

وفي حوار مطوّل خاضه أحمد غنيم مؤخّرًا، يعترف بأنّ مرجعيات اتفاقيّة أوسلو لم تعد هي المرجعيات القائمة، وأنّ على القيادة الفلسطينية أن "تُفكّر خارج الصندوق".

وقعت منظمة التحرير في أخطاء عدة لدى موافقتها على اتفاق أوسلو، وما نعيشه اليوم هو محصّلة للتوقيع على هذا الاتفاق الذي داسته "إسرائيل" وتجاوزته منذ زمن، والاتفاق اختزل دور السلطة في الجانب الأمني، وحوّلها لإدارة محلية لا تزيد عن بلدية 

وتحلُّ في 13 أيلول/ سبتمبر من كلّ عام الذّكرى السنوية لتوقيع اتفاق أوسلو المعروف بـ"إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي" بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل". وتمرُّ الذكرى الـ31 هذا العام وسط متغيّرات عدة تشهدها الساحة الفلسطينية والمنطقة بأكملها، مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، بعد هجوم "طوفان الأقصى" الذي نفّذته كتائب القسام يوم السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، وما أعقب ذلك من اجتياح إسرائيليّ لمدن ومخيمات شمال الضفة الغربية، وتهجير نحو 25 تجمّع بدوي فلسطينيّ، وتصاعد اعتداءات المستوطنين وسيطرتهم على نحو نصف مليون من الدونمات الزّراعية، هذا بالإضافة لمخططات أعلنها وزير إسرائيليّ متطرّف تتعلّق بالمسجد الأقصى واقتحامه، وإقامة كنيس يهوديّ فيه.

وبينما تسير "إسرائيل" بخطوات متسارعة نحو حسم الصراع، وضم أراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، وحشرهم في داخل كونتنات، وتأكيد وزير الماليّة الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش على أنّ مهمّة حياته منع إقامة دولة فلسطينية، ما تزال السلطة الفلسطينية تراوح مكانها دون الإعلان عن موقف رسمي بإنهاء علاقتها مع الاحتلال، والتحلل من هذا الاتفاق.

مصطفى البرغوثي أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية
مصطفى البرغوثي لـ الترا فلسطين: اتفاق أوسلو انتهى. و"إسرائيل" قتلته ودفنته ومعه كل نهج "السلام"

يقول أمين عام حركة المبادرة الفلسطينية مصطفى البرغوثي، إن اتفاق أوسلو انتهى. وأنّ "إسرائيل" قتلته ودفنته، ودفنت معه كل نهج أوسلو أي السلام. وأنّ المراهنة عند التوقيع على الاتفاق على حل وسط مع الحركة الصهيونية عبر المفاوضات، والمراهنة على الولايات المتحدة كوسيط، ثبت فشلهما.

مصطفى البرغوثي: اتفاق أوسلو تضمّن 3 خطايا: توقيع اتفاق دون وقف الاستيطان، والاعتراف بإسرائيل دون اعتراف بالدولة الفلسطينية، وأنه كان يحمل صفقة "انتقالية"

وأفاد البرغوثي في تعقيب لـ "الترا فلسطين" بأن اتفاق أوسلو كان فيه أخطاء عدّة استغلتها "إسرائيل"، وأولها كان الموافقة على توقيع اتفاق دون إنهاء ووقف الاستيطان، ونتيجة لذلك ما نراه اليوم من توسّع استيطانيّ، حيث كان يعيش في الضفة الغربية 121 ألف مستوطن لحظة توقيع الاتفاق، أمّا اليوم فهناك 750 ألف مستوطن.

وثاني الأخطاء بحسب البرغوثي هي أن الاتفاق أدى إلى الاعتراف بـ "إسرائيل" دون الاعتراف بدولة فلسطينية. وثالث هذه الأخطاء أن الاتفاق كان يحمل صفقة الانتقالية "دون تحديد النتيجة النهائية" وهي إنهاء الاحتلال بالكامل، وهذه الخطايا أدت إلى النتائج التي نراها".

ونوّه البرغوثي إلى أن "إسرائيل" وقّعت اتفاق أوسلو بهدف امتصاص غضب الانتفاضة الأولى، والتي خلقت وضعًا لا تستطيع "إسرائيل" فيه الاستمرار باحتلالها في شكله السابق، وثبت بأنّ الحركة الصهيونية "لم تكن تؤمن لا بالسلام ولا بحل الدولتين".

وقال إنه لا بديل أمام الشعب الفلسطيني إلّا النضال والكفاح والصمود وتوحيد الصّف، وإنشاء قيادة موحدة على برنامج وطني كفاحي مقاوم.

بدوره، قال الباحث والمعلّق السياسي نهاد أبو غوش، إنه لم يبق من أوسلو إلّا القيود التي فرضها الاتفاق على السلطة الفلسطينية وعلى جزء مهم من الحركة الوطنية الفلسطينية، وهذه القيود جعلت الحركة الوطنية تتخلى عن أسلحتها وأدوات كفاحها، وأن تظلّ رهينة للاستفراد الإسرائيلي.

ويتّفق أبو غوش في حديثه مع "الترا فلسطين" مع ما تقدّم به البرغوثي، بأن اتفاق أوسلو كان فيه الكثير من القيود والأخطاء والتي يفسّرها القوي كما يريد، وعلى سبيل المثال موضوع الأراضي المتنازع عليها، فهي صفة لكل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتالي يتعزز الاتجاه الصهيوني اليوم لـ"حسم الصراع بالقوة"، وليس عن طريق المفاوضات، وطالما أن كل شيء يخضع للمفاوضات فإن القوي هو الذي يفرض رأيه.

نهاد أبو غوش
نهاد أبو غوش: لم يبق من أوسلو إلّا القيود التي فرضها الاتفاق على السلطة وعلى جزء من الحركة الوطنية

وأضاف، بأن أوسلو كرّس نوعًا من الاعتراف المجاني من قبل ممثل الشعب الفلسطيني بدولة "إسرائيل" وباحتلالها، وهم لم يعترفوا في المقابل سوى بأن منظمة التحرير هي الممثل للشعب الفلسطيني، ولا يوجد في الاتفاق أي إشارة إلى الاحتلال ولا للدولة الفلسطينية وهذه المسألة ربما كان هناك أوهام ومصالح وحسابات خاطئة دفعت القيادة الفلسطينية للرهان على أوسلو حينها.

وحول النتيجة اليوم، قال أبو غوش إن النتيجة أمامنا من حيث تكريس الاحتلال وتوسيع الاستيطان والانقسام أصبحت سمة ملازمة للعمل الوطني الفلسطيني. مضيفًا: "نحن ندفع، وما نشهده الآن من حرب إبادة وتطهير عرقي وتهويد للقدس، هي من الثمار المُرّة لأوسلو ليس النص، وإنما النهج الذي قاد إلى ما قاد إليه من حلول جعلت أميركا هي الراعي الوحيد لعملية التسوية غير المتكافئة ولا النزيهة، ولا تستند إلى قرارات الشرعية الدولية".

أبو غوش: أوسلو كرّس نوعًا من الاعتراف المجاني من قبل ممثل الشعب الفلسطيني بدولة "إسرائيل" وباحتلالها، وهم لم يعترفوا في المقابل سوى بأن منظمة التحرير هي الممثل للشعب الفلسطيني

وحول ما البديل أمام الفلسطينيين قال أبو غوش، إن هناك قرارات واضحة أقرتها المجالس المركزية في دوراتها منذ عام 2015 ودورة المجلس الوطني عام 2018، وكلها أكدت على إعادة النظر في العلاقة مع الاحتلال وعلى ضرورة الانفكاك والتحلل من القيود التي فرضها اتفاق أوسلو.

لكن أبو غوش استدرك، قائلًا: "للأسف ثمّة حسابات ذاتية وفئوية جعلت التردد سمة الأداء، والقرارات تتخذ بالإجماع، لكن التنفيذ يبقى في يد الجهات التنفيذية والتي لا تريد، وليس لها مصلحة في التنفيذ، وهناك قوة شد عكسي في الحالة الفلسطينية، لا تريد أن تضحي بامتيازاتها ولا بالمنافع التي راكمتها وكوّنتها خلال قيام السلطة الفلسطينية".

وأضاف أبو غوش، أن هذه الفئة "تغلب مصالحها الفئوية الذاتية على حساب المصالح العامة، وتراهن على تغيّرات ومعجزات وانتخابات أميركية وإسرائيلية، وكل هذه الرهانات ثبت أنها عقيمة وأي رهان غير الرهان على الشعب الفلسطيني ومناصريه وداعميه لا يمكن أن يؤثر في معادلة الصراع".

واعتبر أنّ اتفاق أوسلو فتح مرحلة جديدة من الصراع جعل الأميركي والإسرائيلي يستفرد بالفلسطيني بمعزل عن عمقه العربي وقرارات الشرعية الدولية، وبالتالي ثمن هذا الاستفراد هو ما نشهده اليوم حتى باختزال أوسلو بمجرد اتفاق أمني، واختزال دور السلطة إلى كونها مجرد إدارة محلية لا تزيد عن بلدية وتعفي الاحتلال من عبء التعامل مع الشعب من جهة ومن جهة أخرى تؤدي بعض الوظائف الأمنية.