لم تتمكن حليمة من المشي إلا في عمر الخامسة، ولم تنطق إلا بعد عمر التاسعة، كما لم تستطع التعلم في المدارس، فقد كانت الأمهات "يخفن على بناتهن من حليمة، رغم أنها لم تكن عنيفة وإعاقتها متوسطة، ولم تشكل خطرًا على أحد" كما تقول والدتها رايما لدادوة لـ الترا فلسطين.
كانت الأمهات "يخفن على بناتهن من حليمة، رغم أنها لم تكن عنيفة وإعاقتها متوسطة"
ولدت حليمة في بلدة المزرعة الغربية شمال غرب رام الله، في الثاني من أيار/مايو 2000، بإعاقةٍ ذهنية (نقص العناصر الغذائية في الجسم)، الناتج عن مشكلةٍ صحيةٍ أصابت والدتها أثناء فترة الحمل.
اقرأ/ي أيضًا: إبراهيم يُترجم الأغاني إلى لغة الإشارة
لم تبلغ حليمة سن الـ20 بعد، لكنها رغم "التنمر" كما تقول عائلتها، ورغم إعاقتها الذهنية، حازت على سبع ميدليات في بطولاتٍ عالمية، بينها ميدالية ذهبية خلال مشاركتها في مسابقة الوثب الطويل، في بطولة الألعاب الأولمبية (القاهرة 2014)، إضافة لميدالية فضية عن فئة التتابع خلال البطولة ذاتها.
وفي بطولة الألعاب الصيفية الرياضية (لوس أنجلوس 2015)، حازت حليمة على ميدالية ذهبية في الوثب العريض، وميدالية برونزية في سباق التتابع. ثم حصدت ميدالية فضية عن دفع الجلة، وفضية أخرى عن سباق التتابع، وثالثة في الجري فئة الـ100 متر، في الأولمبياد - الخاص الذي استضافته العاصمة الإماراتية أبوظبي عام 2018.
فعلت حليمة كل ذلك دون أن تمدَّ أية جهة رسمية يدها لها دعمًا أو تكريمًا. تبكي والدتها فرحًا كلما حصلت ابنتها على مرتبةٍ متقدمةٍ في المنافسات الرياضية، وحزنًا على حال ابنتها التي رغم حصدها للجوائز؛ لا تحظى بأي سندٍ مالي، كي يساعدها على تحسين حياتها ورعايتها بشكلٍ أفضل.
حققت حليمة 7 ميداليات في بطولات عالمية دون أن تمد أية جهة رسمية يدها لها دعمًا أو تكريمًا
في عمر السادسة، تبنَّى مركز جبل النجمة لتأهيل ذوي الإعاقة الذهنية في رام الله، رعاية حليمة، وحينها بدأت مهاراتها تتفتّح.
اقرأ/ي أيضًا: "أبو علاء".. كفيف يشاهد المباريات من الملعب
تتولى مسؤولة برنامج الرياضة في المركز سمر بادي، تدريب حليمة رياضيًا منذ عام 2010، قالت لنا إن تدريب "ذوي الإعاقة الذهنية" يشمل الناحية الجسدية (الرياضية) بالاعتماد على مستوى الإعاقة، لضمان فهم المتدرب لتعليمات مدربه.
وأضافت، "إعاقة حليمة متوسطة، وعندما بدأتُ بتدريبها كان ذلك بالتدريج، إذ عملت على توزان جسدها أولاً، وعلى تمرين العضلات، وتآزر حركة العين مع حركة القدم، وهذا ما نسميه تهيئة الجسم قبل القيام بالركض أو الوثب".
لدى حليمة -وفق مدربتها- رغبة كبيرة لإحراز تقدم في أداء الرياضات التي تحبها وهي "الركض والوثب ورمي الجُلة"، وكذلك المنافسات التي يكون موضوعها هذه الرياضات.
أخصائية التدريب والتأهيل في مركز جبل النجمة جميلة خبيصة، تُشرف على حليمة منذ عام 2013، وهي "تشعر بأن حليمة أقوى منها" وتجد أنها "تعبر عن نفسها جيدًا خاصة عند مشاركاتها في الأولمبياد الخاصة".
تقول خبيصة: "أنا أشكر حليمة لأنها زادت ثقتي بنفسي كمدربة ومنحتني الطاقة الإيجابية؛ فهي تمتلك الطموح وتتطور بشكل لافت، ولديها إصرار ليس على صعيد الرياضات فقط، بل على صعيد أن تمتلك مهارة تؤهلها لعمل تتمكن عبره من مساعدة عائلتها".
تدربت حليمة أيضًا على تجميع قطع الكهرباء والتطريز واستخدام ماكينة الخياطة. كما تدربت في السيرك الفلسطيني، وهي تتدرب حاليًا على أن تكون مساعدة شيف، إضافة لانضمامها لفرقة جبل النجمة للدبكة الشعبية.
إلى جانب الرياضة، تدربت حليمة على التطريز والخياطة، وفي السيرك والدبكة، وتتدرب لتكون مساعدة شيف
يتم تعريض "ذوي الإعاقة الذهنية" للعديد من التدريبات تحت رقابة المدرب، وعندما يراه يُبدع في جانب ما يتم التركيز على تدريبه فيه بكثافة، "بموافقته ورضاه" وفق خبيصة.
اقرأ/ي أيضًا: صور | كأس العالم على قدم واحدة في مخيم العودة
تؤكد خبيصة على أهمية دور الأهل إلى جانب مركز جبل النجمة في تطوير المتدربين، وهذا ما حظيت به حليمة من خلال أمها التي رغم بساطة الحال توفر "مبلغًا جانبيًا" لمصروفات حليمة، وأيمنا دُعيت لمناسبة تُشارك فيها ابنتها، لا تتردد في مرافقتها "حتى لو في آخر الدنيا" كما تقول ريما.
تُضيف ريما، "حليمة تغلق باب غرفة المعيشة عليها أحيانًا، وتبدأ بأداء التمارين الرياضية، وتمارين الدبكة. تجمعها مع والدها النكتة والضحك ومع أخوتها كذلك".
"دائمًا تحلم وتتخيل، تسرح كثيرًا في المنزل وتشعر بالغضب الشديد كلما قاطع أحدٌ خيالاتها. مثلاً تقول: ما حدا يقاطعني أنا بحلم من شوي كنت قاعدة ع شباك الطيارة" قال محمود، أصغر إخوة حليمة التي لها أيضًا ثلاثة إخوة آخرين هم محمد وعمر وحنان.
في رسالتها عبر الترا فلسطين قالت حليمة وهي تتلعثم: "شوفوا قصتي وادعموني، وبحب أتشكركم إنكم بتهتموا فيَّ".
لماذا لا تحظى حليمة بأي دعم؟ سألنا مدير الإدارة العامة للأشخاص ذوي الإعاقة في وزارة التنمية الاجتماعية أمين عنابي، فأجاب، "ليس من دور الوزارة بشكل أساسي رعاية مواهب ذوي الإعاقة، لكن في حال وجدت حالة نادرة أو شديدة الموهبة يحصل أن تخصص الوزارة لها الدعم على صورة متوائمة مع عطائها في مجالٍ ما".
لكن رغم وجود ملف لعائلة حليمة في "الشؤون الاجتماعية" فهي لا تلقى دعمًا خاصًا أو مكثفًا لا من جهةٍ رياضية ولا اجتماعية، ويبقى تساؤل عائلتها قائمًا: "حليمة حصلت لفلسطين على ميداليات ومنها ذهبية ع مستوى العالم ليش ما حدا مهتم فيها؟".
اقرأ/ي أيضًا:
فيديو | محمد طوطح ينحت إرادة غزة على رمالها