17-يوليو-2024
معاذ عمارنة

(ultrapal) معاذ عمارنة لم يستطع عناق أسرته لمدة أربعة أيام بعد خروجه من سجون الاحتلال

لم يتمكّن الصحفي الجريح معاذ عمارنة من عناق أطفاله وأفراد عائلته لمدة أربعة أيام، رغم اشتياقه لهم، وتواجدهم في محيطه منذ لحظة الإفراج عنه من سجون الاحتلال في التاريخ 9 تموز/يوليو، حتى بدأ يتماثل للشفاء من داء "الجرب"، الذي خرج به من الأسر. 

كان معاذ عمارنة، الذي أصيب في عينه برصاصة قناص إسرائيلي في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2019، من بين مئات الفلسطينيين الذين اعتقلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأيام الأولى من حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، وعانى كغيره من الأسرى من سياسة التجويع والإهمال الطبي والضرب والتنكيل والعقاب الجماعي، دون أيّ مراعاة لحالته الصحية الخاصة.

في لقطة فيديو شهيرة لحظة الإفراج عنه، منع معاذ أي شخص من الاقتراب أو السلام عليه، كي لا ينقل له عدوى أي مرض حمله للخارج

وبعد عشرة أيام من الإفراج عنه، راجع معاذ عمارنة الأطباء وأجرى فحوصات طبية، بسبب آثار الرصاصة المستقرة على جدار الدماغ في رأسه حتى اليوم، ومن عدة أمراض جديدة خرج بها من الأسر.

وفي لقطة فيديو شهيرة لحظة الإفراج عنه، منع معاذ أي شخص من الاقتراب أو السلام عليه، كي لا ينقل له عدوى أي مرض حمله للخارج.

وفي لقاء خاص لـ"الترا فلسطين"، مع الصحفي الجريح معاذ عمارنة، يروي تعرضه للضرب المبرح حتى أغمي عليه في سجون الاحتلال، وكيف عانى من سياسة الإهمال الطبي، وظلّ كـ"الأعمى" لمدة 6 أشهر، وما أصيب بها من أمراض في الأسر.

يقول معاذ، إنه يعاني من مرضٍ جلدي يسمى فلسطينيًا بـ"الجرب"، وقد أخذ العلاج وبدأ يتماثل للشفاء، وهذا المرض كان يسبب له باستمرارٍ حكة كبيرة في أطراف الجسم والظهر، وفي كل مرة كانت تزيد من الأعراض وتزيد رغبته لحكّ جسمه، الأمر الذي يساهم بتفشي المرض.

لكن معاذ يقول إنه مجرد ما بدأت الحكّة في جسده وأصيب بالمرض في الأسر رفض الانصياع لها، وكان يتطلب الأمر منه مجهودًا ذهنيًا وجسديًا كبيرًا وإرادة صلبة، ومع ذلك كان في بعض الفترات يضعف ويحكّ جلده. وخسر معاذ من وزنه نحو 30 كغم، وظهر بملابس رثّة ولحية طويلة لحظة الإفراج عنه.

وعن كيفية إصابته بهذا المرض في السجن، يقول عمارنة إن مرض "الجرب" موجود في السجون منذ فترة طويلة، وكان من الممكن السيطرة عليه، ولكن إدارة السجون تعمّدت أن ينتقل بين الجميع بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وانتشرت العدوى حتى وصلت إلى مرحلة الوباء وفقدوا السيطرة عليه، ورغم محاولة الإدارة مؤخرًا علاجه، لكن لم يتمكّنوا من السيطرة عليه. 

وتابع عمارنة، أن هذا المرض يصاب به الشخص بسبب قلة النظافة، ولكن في الأسر مهما فعلت لن تتمكّن من منع وصول العدوى إليك، فهو ينتقل باللمس، والأسرى يستخدمون الكثير من الأمور معًا، مثل الدش والحمام والكلبشات.

وقال عمارنة، إن الأسرى يعانون من قلة الأكل والعناصر الغذائية المهمة، ونوعية الطعام سيئة، ويُقدم دون ملح أو بهار أو سكر، وقد يكون أرزًا ليس ناضجًا أو منقوعًا بالماء فقط بواقع 4 معالق للأسير الواحد، وحبة نقانق نيّة أو مسلوقة، أو عدسًا أو فاصوليا غير مطبوخة بشكل جيد وبكميات قليلة. إضافة إلى انعدام النظافة في وقت توزيع الأكل، أو في الأواني التي يُطبخ فيها الطعام حيث يُمنع غسلها.

ويضيف معاذ، أنه لم تتوفر الأدوية الخاصة به، من بينها مسكّنات الألم، لا سيما في سجن النقب خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وعند شعوره بالصداع الشديد كان يركز على قراءة القرآن والتسبيح.

ويعاني معاذ من صداع مستمر بسبب وجود رصاصة في رأسه، وأُصيب بأوجاعٍ أخرى لا تقلّ عنها سوءًا، وفي مرحلة ما أُصيب بالتهاب في إصبع رجله وامتد من الوتر إلى الحوض، يقول: "لمدة 20 يومًا عانيت من ألم شديد بدون مسكنات، فقط مرتين أخذت حبتي أدوية مسكنة".

ومنذ اعتقاله أمضى معاذ ليلة في مركز توقيف "عتصيون" جنوب بيت لحم، ومن ثم أمضى 6 أشهر في سجن مجدو، منها 4 أشهر بدون نظارة طبية حرمته من النظر، ولم تدخل النظارة له حتى توجه إلى المحكمة، وتم إصدار أمر بذلك، كما أمضى 3 أشهر في سجن النقب، ولم يقدم له فيه أيّ علاج.

وبسبب إصابة عينه يوم إصابته قبل 5 سنوات، يضع معاذ عين تجميلية من السيلكون، إلّا أنّه طوال فترة أسره كان بدون هذه العين التي تملأ جوف عينه، وتخفف عليه الألم.

وتعرّض معاذ في أول يوم دخل فيه لسجن مجدو إلى ضربٍ شديد أفقده الوعي، وذلك في ساحة التشخيص قبل دخول القسم، وهذه سياسة ينتهجها الاحتلال مع جميع الأسرى. وتابع: "أكلت ضربتين على الرأس، واستيقظت على ضابطٍ يحاول إيقاظي في الساحة، وكانوا في توترٍ شديد بسبب ما جرى معي"، ومنذ تلك الضربة وحتى 3 أشهر في الأسر، لم يتم عرض معاذ على أي طبيب في سجن مجدو.

وكغيره من الأسرى، تعرض للقمع والتنكيل. ومع ذلك، أشار إلى أن السجانين كانوا حذرين في التعامل معه؛ بسبب حالته الصحية. لكن الأسرى الذين كانوا يبلغون السجانين بإصابته، تعرّضوا للضرب بشدة.

مارس الاحتلال جميع أشكال الحرمان ضد الأسرى، فلم يُسمح لعمارنة لفترة طويلة بإدخال الملابس، ولمدة 70 يومًا بقي في ذات البنطلون

ويرد عمارنة، على سؤال خوفه من التعرّض للتنكيل حتى استشهاده، بـ"نعم، وفي كثير من الأحيان كنت أحاول تهدئة الأسرى في الغرفة، إذ بالرغم من أننا نرفض كل أنواع الذلّ، إلا أن بعض الأسرى كان لديهم إصرارًا أكبر على المواجهة، وكنت أرجوهم ألا نبادر للتصدي لهذا القمع، لأنني أريد أن أعود إلى أهلي على رجلي، وليس في كيس أسود".

وأضاف عمارنة، أن سجن مجدو لوحده استشهد فيه 3 أسرى من الضرب الشديد، وكذلك في سجن النقب الذي نُقل إليه.

ومارس الاحتلال جميع أشكال الحرمان ضد الأسرى، فلم يُسمح لعمارنة لفترة طويلة بإدخال الملابس، ولمدة 70 يومًا بقي في ذات البنطلون، وفي "تيشيرت" خفيف القماش قضى فيه ثلثيّ المربعانية من فصل الشتاء، موضحًا: "عانيت من برد شديد جدًا، وكنت أعيش على المسكّنات فيها، وأيّ شاب يحصل على حبة مسكّن، كان يعطيني إياها لتخفيف أوجاعي".

وبسخرية قال عمارنة: "في الشتاء تعمّدوا أن نبقى في ملابس الصيف، وفي الصيف، أي هذه الأيام، تعمدوا إعطاء الأسرى ملابس شتوية، وهي البيجامة ذات اللون السكني الثقيلة، التي يظهرون بها عند الإفراج عنهم، ولك أن تتخيل درجة الحرارة في النقب وفوقها الحكة الشديدة، وهذا الأمر دفع الأسرى لقص أكمام البلوزة والبنطلون من أجل تخفيف درجات الحرارة".