يبدو أن فشل "صفقة القرن" يستحق تأطيرًا أكاديميًا كي تُدرَّسَ الحالة في جامعات العالم لاستنباط نظريةٍ في العلوم السياسية عن مشاريع إعادة الإعمار الفاشلة، ولا بأس من أن يأتي باحثٌ ليقارن بين شخصية الجنرال الأميركي جون مارشال الذي أعاد إعمار قارة أوروبا بعد الحرب بفكرٍ اقتصاديٍ كان هدفه هدّ الماركسية القادمة، وبين صهر الرئيس الأميركي اليهودي جاريد كوشنير، الذي صارت صفقته محطة للسخرية والاستهبال والانكشاف.
كلنا متفقون على أن موضوع صفقة زوج ابنة الرئيس الأميركي قد دخل خط النهاية باتجاه الفشل، ولكن ثمة تيارٌ عربيٌ وفلسطينيٌ غير منتبهٍ قد تدفعه مناهضة الخط السياسي الرسمي الفلسطيني أو اليأس السياسي إلى محاولة الدعوة إلى اللحاق بالحافلة الأميركية. سمعت هذا في رام الله من البعض "الغاضب"، أو من غير الراغبين في الحديث، وإزاء هذه المواقف، يجب أن نعدد بعض النقاط كي يخف الحمل عليهم ويبدلوا ما "حللوا" تبديلاً.
إسرائيل لم تعد بحاجة "صفقة القرن"، لأنها أخذت من خارجها أكثر مما قد يُكتب داخلها
أولاً: الصفقة انتهت إسرائيليًا، وإسرائيل لم تعد بحاجتها، لأنها أخذت من خارجها أكثر مما قد يُكتب داخلها، حدث هذا في نقل السفارة الأميركية من "تل أبيب" إلى القدس، وبإجبار دول على التفكير في نقل السفارة وزيارة نتنياهو وإخراج إسرائيل من العزلة بدفعٍ أميركي، وحدث أيضًا في الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، وبطرد ممثلية منظمة التحرير من واشنطن، وبقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، وقطع المساعدات عن وكالة "الأونروا".
فأين ستجد إسرائيل أكثر من هكذا انتصارات؟ بل على العكس، فربما أن الصفقة قد تقيد مصالح إسرائيل أو تطلب منها تنازلات من باب التمويه السياسي، فلماذا تدعم إسرائيل الصفقة الفاشلة؟
اقرأ/ي أيضًا:كنسوا شوارع البحرين
ثانيًا: إن سيل الهبات لإسرائيل من ترامب يأتي من الصهر اليهودي جاريد كوشنير، ومن القنصل الأميركي اليهودي ديفيد فريدمان الذي أعلن دعم أميركا لضم إسرائيل لمناطق في الضفة، ومن جيسون غرينبلات اليهودي أيضًا من أصول هنغارية، وهذا الثلاثي من حيث الديانة يفضح كل شيءٍ في الغرب والعالم الإسلامي، ويصرخ بأعلى الصوت أن هذه الصفقة لها ديانةٌ وتستثني ديانات، وقد تمثل أصعب ما في جعبة السياسة الدولية بأنها تفرض "يهودية الحل"، مثلما يفرضون "يهودية الدولة" على العالم.
ثالثًا: الصفقة لن تساوي "أغورة" في الصوت اليهودي في الانتخابات الأميركية المقبلة، ولن تقبل اللوبيات اليهودية اليمينية أو اليسارية بخطةٍ صارت خلف مصالح إسرائيل، ولا يحتاجها نقاش مستقبل الدولة في شيء. وهذا يعني أن لعبة الثلاثي جاريد وديفيد وجيسون ستنكشف بين المصوتين اليهود على أنها صيغت كعنوان بيروقراطي لما هو مطلوب في الشرق الأوسط. في المقابل، جاءت قرارات ترامب على الأرض بما هو أعظم مما قد يكتب فيها. وبالتالي،لم تعد هناك حاجة لها.
وقد يستمر التصويت اليهودي لترامب ذاته، لكن ليس لخطة صهره.
"صفقة القرن" لن تساوي "أغورة" في الصوت اليهودي في الانتخابات الأميركية المقبلة
طيب، بيننا نحن الفلسطينيين، ماذا قد يحدث بخصوص الصفقة؟ قد يأتي البعض ويقول إن إسرائيل كسبت دبلوماسيًا عندما لم ترفض الخطة ولم توافق عليها، وإن الرفض الفلسطيني خاسر، وهذا يشبه الدعوة لشراء هديةٍ لسيارة صديقك الجديدة الذي لم يستصدر رخصة قيادة بعد.
قد يُعطي البعض أذنًا لأصواتٍ إسرائيليةٍ وغربيةٍ تقول: يُضيّع الفلسطينيون الفرص، وإنه يجب التفكير من خارج عقل منظمة التحرير والانقلاب على القيادة كما يقول "لبيد"، وهذا أيضًا بحثٌ استعماريٌ مكشوفٌ عن عربي جيد أو فلسطيني جيد كما كان في الصهيونية الكلاسيكية.
قد يخف منسوب إعلان رفض بعض النخب الفلسطينية والعربية للصفقة من باب عدم تحمل الوقوف في نفس المنطقة التي يتواجد فيها الرئيس محمود عباس وصائب عريقات، وحتى هذا سيكون لامنطقيًا، وتعاليًا. ثم إن أبو مازن اتخذ مواقف ضد ترامب والسفير الأميركي تشبه شتائم الفنان العظيم ناجي العلي المقدسة في كاريكاتيراته، ومتظاهرو اللجنة الشعبية لمقاومة الجدار في قرية كفر قدوم كتبوا على صور فريدمان الوصف الذي استخدمه الرئيس بخصوص السفير ووصفه بـ"ابن كلب".
قد يصيبنا الفقر قريبًا، وقد لا نجد رواتب ولن نشتري الخبز للبيوت، وقد تتعرض السلطة لصدمة خدماتٍ هائلة، لكن هذا لا يعني أننا غير مطالبين بملاحقة هذه الصفقة السافرة حتى آخر شهر من ولاية ترامب، ومطالبين أيضًا باستخدام كمّ وفير من الشتائم الشعبية النابية بحقها وبحق مروجيها، حتى تجلس على رف أسوأ نماذج المارشالية الفاشلة.
اقرأ/ي أيضًا: