02-مارس-2017

JACK GUEZ / getty

شهدت مدينة تولوز الفرنسية تظاهرة ثقافية مهمة، مثّلتها الدورة الثالثة لمهرجان سينما فلسطين. نجح المهرجان في دورته الحالية أن يكرّس نفسه كمنصة وبيت للسينما الفلسطينية وأهل بيتها على الأراضي الفرنسية. وفي حجز مساحته الخاصة على الأجندة الثقافية للمدينة الوردية، بالإضافة إلى كسبِ جمهورٍ هو بالأصل مناصر أو متعاطف مع قضية الشعب الفلسطيني.

يتذرّع البعض بأنّ اللجوء إلى التمويل الإسرائيلي اضطراري! لغياب التمويل، وعدم التفات السلطة الفلسطينية لحاجات أهل السينما

بالأمس، انتهت فعاليات المهرجان في المدينة وكان ضمنها لقاءً حواريًا بعنوان "السينما الفلسطينية اليوم: الهوية، نقاط القوة والتحديات" بحضور المخرجة مها حاج، والمنتج باهر اغبارية، والصحفية/ المترجمة كارول شيمان (Carol Shyman). بدايةً، عرضت مقدمة الحوار تطور السينما الفلسطينية من أفلام "البروباغندا" المدعومة من منظمة التحرير وصولًا إلى الأفلام التي تُعنى بتفاصيل حياة الفلسطينيين وبروز الدور النسائيّ في الإخراج. توالت المداخلات بعدها وبرز في النقاش نقطتين أساسيتين لم يتح وقت الحوار لتناولهم كما يجب، لذا وجب عرضهم في الآتي من هذه المقالة. 

التمويل الإسرائيليّ

تمحور النقاش في هذه المسألة حول طرحين مختلفين وإن قُدمَّا على عجل كذريعةٍ واحدة. الطرح الأول يقول بأن اللجوء إلى التمويل الإسرائيلي هو اضطراري بسبب غياب أي تمويل أخر، وعدم التفات السلطة الفلسطينية لحاجات أهل السينما. وهذا قول مردود لأن الكثير من الأفلام الفلسطينية، إن لم يكن معظمها، لاقت دعمًا وتمويلًا عربيًا وأوروبيًا. 

الطرح الثاني والأخطر، هو القول أن فلسطينيي الداخل، كدافعي ضرائب لديهم الحق، ويجب عليهم الاستفادة من أموال الصندوق الإسرائيلي للسينما. ويستكمل هذا الطرح بالتشكي من النسبة الظالمة (1,5%) التي ينالها الفلسطينيون مقارنة مع حجم كتلتهم البشرية (20%) ضمن التجمع السكاني لدولة إسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا: "ببغاء" فيلم يحكي الوجع الفلسطيني

الخطورة المتأتية من هذا الطرح هي القبول والتسليم بواقع فلسطينيي الداخل كمواطنين من الدرجة الثانية أو الرابعة لا فرق، وهذا القبول يأتي معطوفًا على المطالبة بتحسين النسبة في التمويل، كأفق مطلبي ونضالي. بينما المطلوب هو العكس تمامًا، بمعنى رفض انعدام المساواة في الحقوق المدنية والفردية، أي رفض التمويل غير العادل انطلاقًا من مبدأ الإصرار على المساواة، ويستكمل هذا الرفض من خلال المطالبة بالحقوق الأساسية في الأرض وتقرير المصير كأفق تحررِّي.

الفن للفن

شكّلت مقولة الفن للفن المخرَج الأقرب للهروب من واقع التمويل الإسرائيلي واشتراطاته في السيناريو والإخراج وعقبات التوزيع في العالم العربي، بدعوى أنّ همَّ السينمائي الأول والأخير هو تقديم فيلم جميل فنيًا قبل أي شيء أخر. هنا يكمن تمامًا فخ الأسرلة، بمعنى تعالوا نناقش التقنيات والجماليات ليس في السينما وحدها، بل بكل ما يتصل في شؤون الثقافة، طبعًا دون التطرّق إلى مسائل مثل صهيونية الدولة، أو مصادرة الأراضي، أو الاستيطان…الخ. طبعًا ليس المقصود هنا هو التخلّي عن الثقافة والفنون بحجة الطرح الوطني أو بانتظار الحل النهائي، لكن ليس من السهل أن نقتنع أن الفن ومادته الأساسية الخيال يعجز عن ابتكار حلول لتجاوز الواقع الرديء. وبصراحة ليس باستطاعتي تحديد القيمة الجمالية لفيلم مثل "بر بحر" لميسلون حمود، لكن بإمكاني الجزم أنّ جمالية الفيلم لا توازي كَمّ الشكر الموجه في نهايته إلى الجهات الإسرائيلية الداعمة.

اقرأ/ي أيضًا: بشار إبراهيم.. الأمل معلّق بالسينما المستقلة

الملاحظ أيضًا أنّ جمهور المهرجان يتعاطى غالبًا مع النتاج السينمائي الفلسطيني كنافذة على واقع الفلسطينيين وآمالهم. وحيث أننا أمام جمهور مهتم بالقضية الفلسطينية وجب الانتباه إلى المحتوى أو الرسائل المضمّنة في الأفلام، لأنه على حدّ قول الرئيس السابق لكليّة الفنون السمعية والبصرية في تولوز أن الأفلام لا تنتمي إلّا لأحد صنفين؛ صنف يسعى لتغيير العالم الحالي، وأخر يعمل للحفاظ عليه. من هنا تكون السينما الفلسطينية جدية بقدر ما تكون تغييرية، أو لا تكون إطلاقًا.

طبعًا لست بوارد التعميم أو التخوين، إنّما هو رأي للنقاش، ولكي لا يقال عمّا ورد أنه "حكي فوق السطوح" وتنظير فارغ، فقد لجأت إلى كتاب الدكتور عزمي بشارة "العرب في إسرائيل رؤية من الداخل" إذا يشكل أساسًا نظريًا ويوفّر أدوات معرفية لتحليل مسائل الداخل المحتل، بعيدًا عن المفاهيم الخشبية أو الإنزلاقات المتأسرلة.

أخيرًا، من الواجب القول أنّ البعض يرتكب خطيئة عندما يقارب الموضوع من زاوية الحقوق المدنية والفردية بمعزل عن صهيونية الدولة. وأنّ التماهي مع تجارب نضالية في مجال الحقوق المدنية مثل نضال الأميركيين-الأفارقة في الولايات المتحدة، يحجب المسألة الرئيسة في الصراع؛ وهي أننا السكان الأصليين للأرض أو قُل هنودها الحُمر.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

دماء "الهنود الحمر" من أجل غسل ذنوب إسرائيل

المطلوبون الـ18.. أبقار في شرفة الوطن

إيليا سليمان.. كيف تصل العالمية بثلاثة أفلام فقط