في مقال حمل عنوان "بين التدمير (الحرق) والنهب"، يقتبس الصحفي الإسرائيلي ناحوم برنياع في صحيفة "يديعوت أحرونوت" شهادة "طبيب" من الاحتياط في جيش الاحتلال أثناء العمل داخل غزة، قال فيها: "نهبت القوات هواتف ومكانس كهربائية ودراجات نارية ودراجات هوائية، وهواتف". الطبيب ذاته كان روى قصة إعدام جريح في الميدان.
وفي تقرير بثّه التلفزيون الإسرائيلي الرسمي "قناة كان" تفاخر جندي من لواء جفعاتي بنهب مرآة كبيرة من داخل منزل في خانيونس، وذلك أثناء حديثه مع الصحفي أوري ليفي الذي لم يبد امتعاضًا من هذا النهب.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ينشر جنود الجيش الإسرائيلي مقاطع فيديو توثّق سرقاتهم. أحد الجنود يظهر وهو يسرق قمصانًا رياضية من منزل فلسطيني، فيما يتفاخر جنود احتياط بالوجبات اللذيذة التي أعدوها من منتجات سرقوها من منازل في قطاع غزة.
وخصصت القناة 13 الإسرائيلية مساحة في أحد اهم برامجها "هتسنور" لكن ليس لإدانة ظاهرة السرقة التي قال البروفيسور يغيل ليفي، المتخصص في الجيش الإسرائيلي، إن "كثرة الشهادات الشفهية تعكس حجم اتّساع نطاقها"، بل للتحذير من أن فيديوهات النهب استخدمت "للتشهير" بإسرائيل.
وزعمت القناة الإسرائيلية أن الجنود الذين نشروا تسجيلات فيديو توثق عمليات النهب ولم يكلّفوا أنفسهم عناء إخفاء هويتهم، تلقوا تهديدات عبر الإنترنت. وفي نفس البرنامج يدّعي جندي صوّر نفسه وهو يحمل ساعات داخل منزل في حي الرمال بغزة، أنه لم يأخذها لنفسه بل "كانت نيّتي أن أظهر أن قيادة حماس تعيش حياة مترفة".
المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس "عاموس هرئيل أشار إلى إنّ رئيس أركان جيش الاحتلال تطرّق لـ "قضية النهب" في أحاديثه مع الوحدات، ولكن لم تتم أي محاولة منهجية لمنع هذه الظاهرة.
ونقل هرئيل عن أن ضابطًا كبيرًا (العميد أوفير لويوس) نشر رسالة إلى قوات الجيش حول الأمر، لكن حججه ضدّ النهب ركّزت على أنها تلحق الضرر بثقة الجمهور في الجيش، وتماسك الوحدات، ومساهمة النهب في الدعاية ضدّ إسرائيل. وأشار إلى أنّ سببًا واحدًا نسي لويوس أن يذكره، ويتمثّل في تحريم السرقة بشكل واضح، مضيفًا أنّ من الواضح أن هناك "صعوبة في الحديث عن الأخلاق مع الجنود، والتفكير النفعي مطلوب".
هآرتس: النهب جزءٌ من الانتقام
ونشرت صحيفة "هآرتس" في 20 شباط/ فبراير الماضي مقالًا بعنوان "النهب جزء من الانتقام" بيّن فيه البروفيسور يغيل ليفي المتخصص في الجيش الإسرائيلي، أن فشل الجيش في منع عمليات النهب يشير إلى خصوصية الظاهرة التي تحتاج إلى تفسير.
وأضاف أن ظاهرة النهب لا تتطور في فراغ، بل ترافقنا دائمًا، ولا يقوم الجنود بالنهب بالضرورة لتلبية احتياجات جسدية أو بدافع الجشع. النهب في المعركة هو أحد مظاهر الرغبة في الانتقام. وهذا انتقام عامٌّ يوجّه الحرب في غزة، كما يقوم الجنود بشكل رمزي بالانتقام من خلال أخذ ممتلكات أعدائهم بعد استسلامهم، ما يرمز إلى معنى النصر المطلق. كما أن النهب يرمز إلى الانتقام الاقتصادي، وليس عبثًا أن يصاحبه تدمير الممتلكات وحرق المنازل دون داع، كما يعكس النهب تجريد سكان العدو من إنسانيتهم، حيث يُسمح للجنود بالتفتيش في ممتلكاتهم الشخصية، بما في ذلك ممتلكاتهم الشخصية، واختيار ما يأخذونه.
ويشير ليفي إلى أن هيئة أركان جيش الاحتلال لم تتخذ أي خطوة لمنع نهب ممتلكات ومقتنيات الفلسطينيين في قطاع غزة؛ فالقتال في غزة ينطلق من قاعدة كلهم أعداء: "إن الضرر الذي لحق بالممتلكات الخاصة في حد ذاته يؤكد من جديد الافتراض السائد في قاعدة القتال، والذي بموجبه "لا يوجد أبرياء" في غزة، وبالتالي من الممكن إلحاق الأذى بالمدنيين حتى بعد فرارهم. ومن هنا فإن النهب ليس انحرافًا عن القتال، بل استمرارًا للحرب الانتقامية، بطرق رمادية. ووجوده أحد ركائز الروح القتالية، ولذلك تتردد هيئة الأركان العامة، وتُرك الأمر للإسرائيليين ليقرروا الجيش الذي سيقاتل نيابة عنهم.
نهبٌ بفتوى دينية
وطلب جنود تيار "الصهيونية الدينية" فتوىً من أكبر حاخاماتهم لتبرير أعمال النهب، الحاخام شموئيل إلياهو، حاخام مدينة صفد، وأوضح لهم أنه بما أنّ "العرب في غزة" لا يلتزمون بالمعاهدات الدولية، فليس علينا أن نلتزم بها "أي قاعدة من قواعد الحرب".
وتطرّق موقع "سيخا موكوميت" الإسرائيلي أيضًا لظاهرة النهب، وأشار إلى أنه "في العديد من مقاطع الفيديو التي نشرها الجنود، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء إخفاء هوياتهم، يظهر أنهم فخورون بالممتلكات التي عثروا عليها وأخذوها. ويظهر في أحد الفيديوهات جندي في أحد المنازل في حي الرمال وهو يحمل ساعة يد. وفي فيديو آخر يظهر جندي وهو يقدم "الغنائم" على حد تعبيره "قمصان كرة القدم". وفي مقاطع فيديو أخرى يظهر جنود يأخذون محتويات من محل بقالة أو مجوهرات، وفي فيديو آخر يظهر جندي يأخذ سجادة ويصرح: "كل يوم سأدوس عليها". وفي حالة أخرى، اندهش العازف حمادة عندما اكتشف تسجيلًا على تيك توك لجندي يعزف على جيتاره.
جندي إسرائيلي يعزف على آلة الجيتار فوق ركام المباني في قطاع #غزة ليتبين فيما بعد أن الجيتار سرقه من منزل فلسطيني هُجّر مع أهله قسريّاً! pic.twitter.com/135BBLIwGM
— أنا العربي - Ana Alaraby (@AnaAlarabytv) November 23, 2023
وطبقًا للموقع العبري فإنه وعبر منشور على مواقع التواصل الاجتماعي تساءلت إحدى نجمات وسائل التواصل عما يجب فعله بمستحضرات التجميل التي أحضرها شريكها من غزة. وأضافت: "رجع بهدايا من غزة"، وأرفقت صورة المنتجات، وكتبت: "كل شيء مغلق، مختوم، باستثناء منتج واحد. هل تنصحون باستخدامه؟ هل يعلم أحدكم هذه المنتجات أم أنها فقط في غزة؟".
وقال جنود خدموا في قطاع غزة لـ "سيخا مكوميت" إن هذا أمر روتيني. وذكر بعضهم أن قادتهم على علم بالظاهرة، ولا يمنعونها. فيما قال جنديّ آخر: "أخذنا أكوابًا وكتبًا، وكل جندي أخذ تذكارًا". وأشار عن نفسه أنه أخذ "تذكارًا" من أحد المراكز الطبية التي استولى عليها الجيش في قطاع غزة.
وجاء في شهادة جندي آخر، خدم في شمال قطاع غزة وفي وسطه، أن الجنود "أخذوا السجاد والبطانيات وأدوات المطبخ، ولم يكن هناك أي تعليمات من الجيش تحظر النهب لا قبل الدخول ولا أثناء تواجده في الميدان، لم يكن هناك أي حديث عن ذلك من القادة، الجميع يعلم أن الأمور قد أُخذت. إنه أمر مضحك، حيث يقولون، بروح الدعابة، أرسلوني إلى لاهاي".
وقدّم الجندي تفسيرًا لظاهرة السرقة المنتشرة بين الجنود للموقع العبري: "في أحد المنازل المدمرة، كانت هناك خزانة بها أدوات مطبخ قديمة، وصحون خاصة، وأكواب خاصة، رأيت أنها تتعرض للنهب".
وأكد أحد الجنود أن بعض الجنود يطبقون مبدأ نهب ما خفّ وزنه وغلا ثمنه: "لقد أخذوا المسابح والعقود والملاعق، والأكواب، والفناجين، والمجوهرات، والخواتم. وأخذوا ما كان خيف الوزن وغالي الثمن. شعر الجنود أنهم أسياد الأرض، تم أخذ خرائط من كتيّبات الأطفال لتوضيح كيفية التدريس هناك".
جيش من اللصوص
ونشرت موقع "ذا ماركر" الإسرائيلي تقريرًا حول أعمال النهب لمنازل المستوطن ينين التي نفذها جنود الاحتلال في غلاف غزة حمل عنوان: "أفرغوا كل أدراجي": بيوت المهجرين من الجنوب تركت مفتوحة للتخريب والسرقة"، جاء فيه: "يقول سكان الكيبوتسات في النقب الغربي الذين تم إجلاؤهم من منازلهم إن المنازل تعرضت للتخريب ونُهبت أشياء ثمينة في بعضها وفقًا لما ذكروه، على يد جنود الجيش الإسرائيلي على ما يبدو. قال المجلس الإقليمي أشكول إنه تم تقديم شكاوى إلى الجيش، وفتح الجيش الإسرائيلي تحقيقًا في أعقاب إحداهما".
يقول مستوطنون من سكّان كيبوتسات في النقب الغربي جرى إجلاؤهم من منازلهم بعد 7 أكتوبر الأول، إن منازلهم تم اقتحامها وتخريبها، وعلى ما يبدو من قبل جنود الجيش الإسرائيلي الذين يقيمون في المنطقة لأغراض عملياتية. ووفقًا للسكان المتضررين، عندما اتصلوا بالشرطة وطلبوا تقديم شكوى بشأن السرقة، قيل لهم إنه لا توجد وسيلة للتعامل مع شكواهم، وهي الآن منطقة تم إعلانها منطقة عسكرية مغلقة، وعليهم الاتصال بالجيش الذي، قالوا أيضًا إنه لم يتعامل مع شكاواهم.
بحسب زوهر حايمي، أحد سكان كيبوتس نير اسحق الذي أسر مقاومون ابنه تل حايمي ونقلوه إلى غزة، فقد تم اقتحام منزله بينما كان يقيم في فندق في إيلات. وقال: "تركنا المنازل كما هي، وقد عاد بعض الناس بالفعل مرة أو مرتين لأخذ المقتنيات. وضع الجيش أقفالًا على الأبواب لكن هذه الأقفال تحطّمت، وتمت سرقة أجهزة كمبيوتر ومعدات كهربائية، وأبلغنا الجيش بذلك على أعلى المستويات، لكنّهم لا يسيطرون على الأمر، وهناك عمليات نهب للمنازل. كل هذا وابني في خان يونس، لا أعرف إن كان حيًّا أو ميّتًا".