14-يونيو-2024
يحلم الشقيقان أن تكون هذه الصيدلية الصغيرة بداية لتحقيق حلمهما بصيدلية مركزية كبيرة في شمال قطاع غزة-أحلام حماد-الترا فلسطين

الشقيقان محمد ودعاء المصري داخل صيدلية المُنى (أحلام حماد/خاص الترا فلسطين)

باهتمام وإنصات، يستمع الشقيقان محمد ودعاء المصري لزبائن صيدليتهما الصغيرة على رصيف مقابل لمجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة.

"احنا مش بياعين دواء"، يقول الشقيقان محمد، 27 عامًا، ودعاء، 24 عامًا، وفي حديثهما لـ "الترا فلسطين" يبديان حرصًا على إظهار قدر كبير من الإنسانية بالكلام عن مهنة الصيدَلة، وتعاطيهما مع المرضى والمراجعين، خاصة في ظل الظروف العصيبة الناجمة عن العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع للشهر التاسع على التوالي.

جرّاء النقص الحاد في كثير من الأدويّة والأصناف العلاجية الأساسية الخاصة بالأمراض المزمنة والخطرة، تقول دعاء إنها وشقيقها محمد يحرصان على الوقوف إلى جانب المرضى، ومحاولة التخفيف عنهم عبر إرشادهم إلى الطرق البديلة

يقول محمد: "نريد إن نستفيد من وراء الصيدلية، ولكن المال ليس هدفنا الرئيسيّ، ولا يعلو على إنسانيتنا"، وتتفق معه في ذلك شقيقته دعاء، وكلاهما يحملان شهادة الصيدلة بتفوق من جامعة فلسطين في مدينة غزة.

وضعٌ كارثيّ

حطّ الشقيقان محمد ودعاء رحالهما مع أسرتهما في مدرسة مقابلة لمجمع ناصر الطبي، بعدما أجبرتهم العملية العسكريّة البريّة، التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدينة رفح منذ 7 أيّار/مايو الماضي، على مغادرتها كمحطة جديدة في رحلة النزوح المتكررة، التي كانت بدايتها من منزلهم في بلدة بيت حانون في شمال القطاع  في 7 تشرين الأول /أكتوبر من العام الماضي.

وكان محمد شريكًا في صيدلية في بلدة بيت حانون، رأس مالها 45 ألف دولار، وقد تعرضت للتدمير الكلي، ولم تُتح له ولشقيقته دعاء العمل في مهنة الصيدلة خلال رحلة النزوح من مكان إلى آخر، ويقول: "عندما نزحنا من رفح إلى خانيونس، ولجأنا إلى مركز إيواء في مدرسة مقابل مستشفى ناصر، وجدنا أن الوضع الإنسانيّ والصحيّ كارثي للغاية، وقررنا فتح صيدلية وفق الإمكانيات المتاحة".

يستمع الشقيقان باهتمام للمراجعين ويصفان لهما وصفات بديلة في حال عدم توفر الدواء بسبب الحرب والحصار-أحلام حماد-الترا فلسطين
يستمع الشقيقان باهتمام للمراجعين ويصفان لهما وصفات بديلة في حال عدم توفر الدواء بسبب الحرب والحصار | الترا فلسطين

"لم يكن هدفنا العمل والكسب المادي بقدر المساهمة في مساعدة الناس في ظل الانهيار الكبير في القطاع الصحي وعدم توفر الأدوية"، ويتابع محمد الذي يحلو له أن يعرف نفسه بـ "الدكتور الصيدلاني": "فقدنا الغالي ولن نفكر بالرخيص، وفي مثل هذه الحرب المجنونة يجب على كل منا أن يوظف عمله وتخصصه لخدمة الناس والتخفيف عنهم".

ويعاني القطاع الصحي في غزة من أزمة حادة جراء الاستهداف الإسرائيلي المباشر للمستشفيات والمرافق الصحية، إضافة إلى الحصار المشدد ومنع توريد الوقود والأدوية والمستلزمات الطبية، وبحسب وزارة الصحة فقد أدى هذا الاستهداف الممنهج إلى إخراج 33 مستشفى عن الخدمة من أصل 36، وإخراج 55 مركز رعاية أولية عن الخدمة.

ويقول محمد إن الكثير من أصناف الأدوية غير متوفرة في قطاع غزة، ويجب على المجتمع الدولي والمنظمات المعنية الضغط بقوة من أجل سرعة توفيرها في القطاع لوقف التدهور ومنع استمرار الكارثة التي تعصف بصحة وأرواح أكثر من مليوني فلسطيني.

يتلقى محمد ودعاء شهادت من المرضى والمراجعين تشجعهم على الاستمرار -أحلام حماد-الترا فلسطين
يتلقى محمد ودعاء شهادت من المرضى والمراجعين تشجعهم على الاستمرار | الترا فلسطين

الإنسانيّة أولًا

جرّاء هذا النقص الحاد في كثير من الأدويّة والأصناف العلاجية الأساسية الخاصة بالأمراض المزمنة والخطرة، تقول دعاء إنها وشقيقها محمد يحرصان على الوقوف إلى جانب المرضى، ومحاولة التخفيف عنهم عبر إرشادهم إلى الطرق البديلة، التي من شأنها أن تخفف من آلامهم، في ظل الأيام المعقدة جرّاء الحرب والحصار.

وأينعت هذه المشاعر الإنسانية الفيّاضة لدى الشقيقين دعاء ومحمد، وتولّدت عنها فكرة تأسيس "صيدلية الُمنى"، تيمنًا بوالدتهما، ورغم أن هذه الصيدلية صغيرة ولا تزيد مساحتها عن مترين مربعين إلا أن دعاء تصفها بصيدلية "العمر والحلم"، التي تتمنى يومًا ما أن تكبر وتنمو بمشاركة شقيقها.

تخرج الشقيقان محمد ودعاء بتفوق بتخصص الصيدلة من جامعة فلسطين بغزة-أحلام حماد-الترا فلسطين
تخرج الشقيقان محمد ودعاء بتفوق بتخصص الصيدلة من جامعة فلسطين بغزة | الترا فلسطين

ويشعر الشقيقان بسعادة غامرة، وهما يقضيان يومهما مع الناس، وتوظيف علمهما في سبيل التخفيف من آلامهم ومعاناتهم، وقد وجدا كل الدعم من أسرتهما المكونة من 12 فردًا، للقيام بأيّ دور من شأنه أن يساعد المرضى في ظل ظروف الحرب القاسية، وكانت البداية، وفقًا لدعاء، من "نقطة طبية مجانية" أسساها في مركز الإيواء بمدينة رفح لخدمة النازحين لنحو 7 شهور قبل النزوح الأخير نحو خانيونس.

وتنسب دعاء الفضل في تأسيس "صيدلية الُمنى" لوالدها وهو عامل في بلدية بيت حانون، وتقول: "بعد النزوح من رفح نحو خانيونس أراد أبي أن يستمر عملنا الإنساني مثلما كان عليه الأمر في النقطة الطبية المجانية، وبعد نقاش وتفكير توصلنا إلى تأسيس هذه الصيدلية الصغيرة بخيمة متواضعة على الرصيف في هذا المكان المقابل للمستشفى".

ويوفر الشقيقان محمد ودعاء الدواء بصعوبة بالغة، ويتم بيعه للمرضى بأسعار رمزية، مراعاة للأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة لدى غالبية الغزيين.

تشعر الدكتورة دعاء المصري بسعادة غامرة لخدمتها الناس في صيدلية المنى-أحلام حماد-الترا فلسطين
تشعر الدكتورة دعاء المصري بسعادة غامرة لخدمتها الناس في صيدلية المنى | الترا فلسطين

نقص الدواء والطب البديل       

وتحفظ سماح البسيوني النازحة من بلدة بيت حانون، للشقيقين دعاء ومحمد، مساعدتهما والتخفيف عنها من آلام حساسية الصدر، وتقول سماح لـ "الترا فلسطين": "لم أجد العلاج اللازم في مستشفى ناصر، الذي يعاني أيضًا من عدم وجود أطباء متخصصين، وتوجهت لصيدلية المنى وأعطوني علاجًا وأرشدوني لبدائل أفعلها ووصفوا لي أعشابًا طبيعية، وطرق الوقاية من الغبار والأتربة ودخان النيران، وأشعر الآن بتحسن كبير".

وبدورها، كانت ندى ناصر تعاني من مرض "جرثومة المعدة"، ومدحت تعامل محمد ودعاء معها عندما توجهت إليهما في الصيدلية، وتقول "الحمد الله وضعي الصحي أفضل بكثير نتيجة التزامي بتناول الدواء، وبالتعليمات الغذائية التي وصفوها لي".

ويشعر باسم المصري، والد محمد ودعاء، بفخر شديد من شهادات الناس بهما والإشادة بتعاملهما، ويقول لـ "الترا فلسطين": "أتمنى لهما التوفيق في خدمة أبناء شعبهم ووطنهم".