في ظل التصعيد السياسي، والمواجهات المستمرة بين الشبان وقوات الاحتلال، واستمرار التغطية الاعلامية والبث المباشر من بعض وسائل الاعلام، يزداد حرص المشاركين على وضع اللثام الذي يخفي ملامح وجوههم ويصعب عملية التعرف عليهم من كل من هو غريب، علمًا أن اللثام ليس بالتجربة أو الأداة الجديدة ضمن حاجيات المقاومة، فاستخدامه حاضر في عمق التراث العربي ومنه الفلسطيني.
في جولة ميدانية لـ"ألترا صوت" بين بعض هؤلاء الشباب، اتضح أن أسبابا عديدة تقف وراء ارتدائهم للثام، حيث لا تقتصر على الحماية من العدو وجنود الاحتلال فحسب، وإنما تجنبا للمشكلات التي قد يقعون بها مع عائلاتهم أيضا.
الشاب "ز.ع" طالب جامعي، يؤكد أن النزول إلى ساحة المواجهات دون وضع اللثام أمر خطير جدا، فحتى لو لم يصب الشخص في ذلك الوقت، سيتم ملاحقته واعتقاله فيما بعد. ويضيف "وجود الكاميرات والاعلام يجعلني معرض للخطر أكثر، ليس من الاحتلال فحسب وانما من أهلي الذين لو عرفوا عن نزولي إلى المواجهات سأقع في صدامات كبيرة معهم، فهم بطبيعة الحال يخافون علي".
من طرفه أكد "ر. م"، أنهم يلاحظون وجود جندي خاص للتصوير في المواجهات، لذلك فإن وضع اللثام أصبح أمرا ضروريا فعلا. موضحًا "لما تتلثم فش ولا حدا بعرفك.. لا اهلك ولا الجنود ولا غيره، بالتالي أأمن بكثير من عدم التلثم". مضيفًا "بالنسبة للأهل، بدل أن أظل أفكر في احتمالية أن يراني أبي على التلفاز أو في أي صورة ويبدأ بالقلق عليّ، أضع اللثام وكفى .. واللي كاتبه الله بدو يصير".
لا تقتصر الغاية من وراء وضع اللثام على الرأس على الحماية من العدو وجنوده فحسب، بل للإعلام والأهل دور أيضًا
ولعل الفتيات تحديدا، أكثر حرصا من الفتيان على وضع اللثام في ساحة المواجهات، خاصة أن القيود التي يضعها الأهل على بناتهم الإناث في مجتمعنا، أكبر بكثير من القيود والضوابط التي يحكمون بها أبناءهم الذكور بشكل عام.
تقول "ه. ل"، "أنا من الفتيات اللواتي يبعدن أينما وجدت كاميرا التصوير، والسبب في ذلك بدرجة أولى هم أهلي، لانهم من المستحيل أن يقبلوا أو يتوقعوا أصلا انني أشارك في المواجهات". مضيفة "عائلاتنا ليست أقل وطنية منا إطلاقا، أنا ابنة أسير محرر قضى عشر سنوات في سجون الاحتلال، ولكن أعتقد أنه من الصعب عليهم جدا أن يعطوا الضوء الأخضر لبناتهم كي يذهبن إلى ساحة الموت، شعور الأبوة والأمومة يصعب قديره وفهمه لمن لم يجربه بعد".
اقرأ/ي أيضًا: إنه زمن الاشتباك المستمر ومكانه
وعن خوفها من سماع أهلها خبر اعتقالها أو اصابتها أو استشهادها، تقول "نحن لسنا أفضل من المرابطات في الأقصى، وما نقدمه لا يذكر بتاتا أمام تضحياتهن، الاحتلال لم يترك لنا إلا هذا الخيار، وعن نفسي مستعدة لكل الاحتمالات، المكتوب عالجبين بدها تشوفه العين!".
واختصرت أخرى، "ن. ع"، موقف أهلها من الأمر قائلة "أهلي إذا عرفوا.. بشلّوا أملي - أي سيعاقبونني عقابا أليما-..". فيما كانت الشابة "ر. م" أكثر شجاعة في مصارحة أهلها بذلك، مؤكدة أن حقها الطبيعي أن تأخذ دورها في هذه المرحلة النضالية والوطنية، تماما كما أخذ أبواها دورهما من النضال في مرحلة الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى. وتابعت "عن نفسي أضع اللثام لأخفف من درجة الغاز السام المستنشق، أما أهلي فلا مشكلة معهم البتة".
واستبعد الاستاذ بدائرة علم الاجتماع في جامعة بيرزيت، حسن لدادوة، أن يكون للأهل علاقة بوضع الشباب للثام، من قريب ولا من بعيد، مؤكدا أن خوفهم من الاعتقالات في ظل رفع سقف أحكام العقوبات الاسرائيلية على كل من يعتقل بتهمة "ضرب الحجارة"، هو ما يدفعهم لذلك.
ويضيف لدادوة "من يتلثم في المواجهات هم خط الدفاع الأول من الشبان، والذين يتواجدون في المواجهات باستمرار، وهؤلاء تحديدا أصحاب قرار بطبيعة الحال، ولن يخافوا من عقاب الأهل أو غيره".
واختلف أستاذ علم النفس في جامعة بيرزيت، مصلح كناعنة مع زميله، مؤكدا عدم استغرابه من الأمر، وهو ما يتماشى تماما مع الوضع الذي يعيشه الشباب في مجتمعنا. ويقول "الطالب الجامعي ليس حر الارادة، وليس صاحب قرار، ومعرفة أهله بمشاركته في المواجهات قد تسبب له المشاكل، من باب خوفهم وحرصهم عليه".
في حين يستمر الاحتلال بجرائمه بحق كل الفلسطينيين، وشبان الانتفاضة خصوصا، فلا بد أن يتبعوا ما يقلل الخسائر المترتبة على المواجهة المفتوحة مع الاحتلال، فبموقف من الأهل والاعلام أو عدمه، على المنتفضين/ات إخفاء أي معلم قد يؤدي إلى فضح شخصياتهم.
اقرأ/ي أيضًا: هل يخشى نتنياهو الفيسبوك فعًلا؟